الحضارة المغربية عبر التاريخ أو مغرب الحضارات
د. بلقاسم الجطاري
كلية الاداب وجدة
لا خلاف بين المؤرخين والدارسين في أن الأمازيغ هم السكان الأصليون بشمال إفريقيا. فلئن كانت هذه المنطقة قد عرفت أجناسا متعددة، وخضعت في مراحل مختلفة من تاريخها لنفوذ شعوب أخرى، فإنها قد حافظت لنفسها و لثقافتها على شخصية مستقلة، على مر العصور. حافظت على هويتها ووجودها من خلال اللغة والثقافة الأمازيغية التي تعد من أقدم اللغات الإنسانية الحية التي ما تزال متداولة اليوم. وإذا كانت هذه اللغة قد استمرت في الدفاع عن وجودها الخاص ونجت من الاندثار والذوبان في خضم اللغات والثقافات التي عرفتها منطقة شمال إفريقيا، فإنها في مقابل ذلك لم تكن يوما منعزلة أو منغلقة على ذاتها، بل على العكس من ذلك، تشهد الوقائع والأدلة على تفاعلها المستمر مع الثقافات الوافدة، فقد تعايشت معها، وأفادتها بقدر ما أفادت منها.1
ولاشك أن الإنسان في شمال إفريقيا قد أنتج منذ وجوده على هذه الأرض عبر اللغة الأمازيغية إنتاجات رمزية في مجالات متعددة. وبهذا المعنى يصبح من البديهي وجود التراث الأمازيغي عريق عراقة الإنسان الأمازيغي نفسه،
خاصة حين نضع في اعتبارنا أن الأمازيغ من الشعوب التي عرفت الكتابة منذ عصور ما قبل الميلاد2.
وحينما نتحدث عن الحضارة الأمازيغية فإننا نأخذ في الحسبان محيطا لغويا وثقافيا واسعا يشمل الفضاءات التي تتداول فيها أو كانت تتداول فيها اللغة الأمازيغية، ونعني بذلك « بلدان المغارب وجنوب النيجر ومالي وجنوب مصر وجزر الكناري، وذلك بمقاييس متفاوتة من رقعة إلى أخرى، علما بأن أهم مواطن انتعاشه وحيويته راهنا هي بلدان المغرب والجزائر3، إلا أن بعض الدارسين لا يحصرون مفهوم الحضارة الأمازيغية في ما قيل أو كتب باللغة الأمازيغية فحسب، بل ويجعلون مفهومه أوسع من ذلك عندما يضمون إليه كل ما أنتجه الأمازيغ من أشكال للتعبير عن ذواتهم، وإن كان ذلك بلغات أخرى كاللاتينية أو العربية4… ولذلك نجد من يتحدث عن التراث الأمازيغي المكتوب باللغة اللاتينية أو التراث الأمازيغي المكتوب باللغة العربية5.
ويعتبر في حكم المؤكد أن الأمازيغ أنتجوا حضارة قديمة دونوها بأبجديتهم الخاصة، والآثار والنقوش التي عثر عليها في مناطق مختلفة من شمال إفريقيا والصحراء الكبرى تشهد على هذه الحضارة. وهذا يخالف ما يذهب إليه كثيرون ممن يزعمون أن تيفيناغ لم تكن سوى سلسلة من العلامات والرموز. يقول محمد أكالي زاكارا: « إن تيفيناغ لا تنحصر فقط في النقوش على الصخور والدروع والأساور، والأغراض الشخصية كما كتب بعض المؤلفين. إن تيفيناغ
استعملت منذ 2000 سنة وما تزال تستعمل في الأنشطة الفنية وفي المراسلات (الرسائل الشخصية)… ، إلا أن تلك الآثار الأدبية ضاعت مع ما ضاع من الإنتاجات الثقافية الأخرى، بحكم عوامل متعددة ليس هذا مجال تناولها.
ولعل هذا ما جعل كثيرا من الدارسين المغاربة ينكرون وجود حضارة مغربية قبل الإسلام، ومن ثمة فحينما يقومون بالتأريخ للحضارة المغربية يسقطون تلك الفترة من حسابهم وينطلقون رأسا من عصر الأدارسة. وربما يكون الأستاذ عباس الجراري من الكتاب القلائل –إن لم يكن الكاتب الوحيد- الذين يقرون بالامتداد الحضاري والثقافي للمغرب إلى ما قبل الفترة الإسلامية. يقول: « من بين قضايانا التاريخية والفكرية تبدو قضية مغرب ما قبل الإسلام ذات أهمية كبيرة لما صادف هذا المغرب عند المؤرخين المغاربة والمسلمين عامة من إهمال يكاد يكون تاما، والسبب(…) راجع إلى الفكرة التي انطلقوا منها في التاريخ له، والتي وهموا فيها أنه ولد مع الفتح الإسلامي ».6
وخلافا لذلك فلا تخلو المصادر من الإشارات إلى أدبيات متعددة، تعود إلى الفترة الإسلامية. ويدخل في هذا الإطار بالخصوص قرآن بورغواطة2، وما كتبه ابن تومرت وفقهاء سوس منذ القرن الثامن عشر الخ7). لا تقدم النصوص التاريخية معطيات واضحة أو حاسمة حول الخط الذي دونت به الإنتاجات
الأمازيغية القديمة8، ولكن من الثابت أن تلك التي تعود إلى القرون الوسطى أو إلى العصر الحديث دونت بالخط العربي.
وإذا كانت الكتابات التي ظهرت إلى الوجود في منطقة سوس بالخصوص منذ القرن الثامن عشر كما هو الشأن بالنسبة لكتاب « الحوض » في الفقه المالكي و »بحر الدموع » لـ محمد أوعلي أوزال، قد دونت بالحرف العربي، فإن الأجانب الذين اهتموا بالثقافة الأمازيغية دونوا متنا لا يستهان به من النصوص الأدبية في كتاباتهم بالحرف اللاتيني.9
———هوامش
)( – HADDADOU Mohamed Kali, Défense et illustration de la langue berbère, Suivi de Apport des berbères à la civilisation universelle, collection juste dire INAS Alger, 2002.
)2 – ( CAMPS Gabriel, Berbères aux marges de l’Histoire, ed. Des Hesperides 1980, pp. 275-278.
(3) – المجاهد الحسين، الأدب الأمازيغي بالمغرب، تاسكلان تمازيغت، مدخل للأدب الأمازيغي، أعمال الملتقى الأول للأدب الأمازيغي، الدار البيضاء 17-18 ماي 1991، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي الرباط 1992، ص. 9 وأنظر الدراسة أيضا في: مجلة آفاق ع1، 1992، ص. ص. 125- 134.
(4) – أنظر حنداين محمد، مدخل لكتابة تاريخ الأدب الأمازيغي تاسكلان تمازيغت، م.س.، ص. 46 وما بعدها.
)( – HADDADOU, op, cit, pp 82-94.
(5) – الجراري عباس، وجود المغرب الحضاري والثقافي في العصر الجاهلي، المناهل ع8 س 4 مارس 1977، ص. 67.
(6) – وإن كانت مسألة قرآن يورغواطة وديانتها موضوع خلاف بين الدارسين، حيث ذهب كثير من الدارسين إلى اعتبار هذا النص ترجمة للقرآن بالأمازيغية فقط، أنظر في هذا الشأن:
– محمود إسماعيل دراسات مغربية….
)7( – EL MOUNTASSIR Abdallah, La littérature écrite et la question de l’aménagement linguistique de l’amazigh in la littérature Amazigh oralité et ecriture, specificités et perspectives, actes du colloque international sous la direction de Aziz KICH institut Royal de la culture amazighe serie : colloques et séminaires n°4, Rabat 2004, pp : 139-140.
(8) – ينقل H. BASSET عن Tissot أنه كان للريفيين قرآن بالبربرية ومدون بالخط البربري، ولكنه لا يسلم بذلك وإنما يكتفي بالقول: إنه يطرح إشكالية أمام الدارسين. أنظر كتابه السابق الذكر، ص: 46.
(9) – تدخل في السياق أعمال Justinard و H.Basset و R.Basset و P.Galan و L.Galan
2 Comments
merci par dakechi
اريد فقرات صغيرة