هل المقصود بالمنع هو الاعتكاف والاصطياف أم الانتكاف والاستنكاف والمناكفة بين السلطة وجماعة محظورة ؟؟؟
هل المقصود بالمنع هو الاعتكاف والاصطياف أم الانتكاف والاستنكاف والمناكفة بين السلطة وجماعة محظورة ؟؟؟
محمد شركي
بداية وقبل الخوض في هذا الموضوع أؤكد أنني أقف على مسافة واحدة من الحياد بين السلطة وجماعة العدل والإحسان المحظورة حتى لا أدع فرصة لتأويل وجهة نظري لفائدة هذه الجهة أو تلك . وبعد ذلك أقول أنه من نافلة القول أن يفرض الحظر على أنشطة جماعة محظورة مهما كان نوع هذا النشاط عندما تفكر الجماعة في تنظيمه في الأماكن العمومية سواء كانت بيوت الله عز وجل أم كانت غير ذلك . وقضية منع اعتكاف واصطياف أعضاء هذه الجماعة يتكرر كل سنة مع حلول العشر الأواخر من رمضان ، أو حلول موسم الاصطياف . والجماعة تتعمد سنويا استغلال منع أعضائها من الاعتكاف والاصطياف من أجل الإعلان عما تعتبره مظلمتها التاريخية لدى الرأي العام . وعندما يطرح منع الاعتكاف أو الاصطياف خارج سياق ما بين السلطة والجماعة المحظورة من مناكفة بخصوص مشروعية كل طرف بالنسبة للطرف الآخر يقع خطأ في الحساب والتقدير والتأويل والحكم . فالسلطة تعتبر الجماعة محظورة ، والجماعة تنتكف أي تتبرأ منها وتستنكف عن قوانينها أي تستكبر . وهنا يكمن الخلاف بين الطرفين ، وهذا هو مربط الفرس كما يقال . فالذي يسمع أن السلطة قد منعت المعتكفين من الاعتكاف والمصطافين من الاصطياف يظن بها سيء الظنون ، وقد يتهمها في دينها وعقيدتها ، ولكن عندما يضع المنع في سياقه يدرك أن القضية لا تتعلق بالاعتكاف ولا بالاصطياف ، وإنما بخلاف حول المشروعية بين الدولة وفئة من الشعب اختارت أن يكون لها موقف من هذه الدولة ، وأن تسميها دولة المخزن بالمعنى القدحي للتسمية ، مع أن التسمية لها دلالة غير قدحية أيضا ، لأن الخازن هو المسؤول عن الدولة والمحافظ عليها سواء تعلق الأمر بالمال أم بالأمن . والجماعة المحظورة كلما سنحت لها فرصة إلا ووضعت الدولة أو ما تسميه المخزن في حرج ، وهي تسوق لمظلمتها المفتعلة على طريقة الفرق الشيعية التي لم تتقادم مناحاتها وبكائياتها عبر التاريخ حتى غدت جزءا من طقوسها التعبدية. فكذلك جماعة العدل والإحسان صارت شكاياتها ضد دولة المخزن جزءا من استراتيجيتها وأسلوبها في العمل من أجل استدرارا العطف ، وتوسيع دائرة المنخرطين فيها . و مع استعمال الجماعة أسلوب التظلم ، وتبوأ مكانة الضحية من أجل تجريم السلطة ، فهي تستعمل أيضا أسلوب جماعات الخوارج التكفيري أو التفسيقي من أجل شرعنة مواقفها . ولقد كان من المفروض في جماعة محظورة أن تركز على موضوع رفع الحظر عنها لتشتغل في إطار القانون كغيرها من الجماعات الدينية المختلفة ، عوض أسلوب شد الحبل مع السلطة. فإذا كانت الجماعة لا تريد تغيير مواقف الانتكاف والاستنكاف والمناكفة مع السلطة ، فلا يمكن أن تتوقع من السلطة أن تغير من موقفها تجاهها . فكل القوانين الأساسية والداخلية للجماعات وللجمعيات تخضع لراقبة الدولة وتحديدا فيما يتعلق بمواردها المالية ، وعلاقتها بالمواضيع السياسية الحساسة . ولا أظن أن جماعة أو جمعية ما راضية عن قانونها الأساسي أو عن صيغته ، لأنها صيغة مفروضة من السلطة ، والسلطة أيضا معذورة في توجسها من الجماعات والجمعيات التي قد تمارس الأنشطة المحظورة باسم الشرعية التي يخولها لها الترخيص الممنوح لها . وعندما يتعلق الأمر بالانتكاف مما تعتبره الدولة ثوابت وخطوط حمراء ، فلا يمكن أن تحصل الجهات المنتكفة على المشروعية وهي تنكر أو تشكك في هذه الثوابت ،لأن ذلك سيعني وجود كيانين متناقضين في المجتمع الواحد . وما أظن أن السلطة تمنع الاعتكاف والاصطياف في حد ذاتهما إذا ما مورس الاعتكاف وفق الضوابط الشرعية ، ومورس الاصطياف وفق ضوابط السياحة العادية . فجماعة العدل والإحسان المحظورة لها اعتكافها واصطيافها الخاص بها ، وهي تصدر فيهما عن إيديولوجيتها وقناعتها . وقبل سنوات مضت وأنا في مقصورة أحد مساجد وجدة ليلة القدر من أجل إلقاء كلمة بالمناسبة أطلعني المؤذن عن برنامج الفئة المعتكفة ، وكانت من جماعة العدل والإحسان ، ولم يشملها المنع يومئذ ، فلاحظت أن برنامجها لم يكن مجرد اعتكاف على الطريقة المعهودة في الاعتكاف، بل تضمن أنشطة لا تلزم إلا الجماعة وحدها ، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر فقرة ما تسميه الجماعة عبور الرؤى. ومعلوم أن عبور الرؤى لدى الجماعة يدل أولا عن توجهها الطرقي قبل أن ينشق مؤسسها عن طرقية الزوايا التي تنأى بنفسها عن السياسة أو توالي النظام إلى طرقية مسيسة ومعارضة للنظام . وعبور الرؤى عند هذه الجماعة عرف نوعا من التطرف والغلو حتى أن بعض أعضائها صاروا يصفون بعض أضغاث أحلامهم بالرؤى حيث رأى بعضهم أن بعض أنبياء الله عز وجل على ضفة واد غسلوا أرجلهم ، وأن الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما صبت ماء الغسيل على أيديهم ، وأن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزع عليهم التمر والحليب في حافلة كانت تقلهم ، ولست أدري هل كان راوي حكاية توزيع التمر والحليب يتحدث عن حلم أم عن حقيقة ؟ فمثل هذه الحكايات عن الجماعة المحظورة جعلت الرأي العام يستاء منها لغرورها وتزكيتها لنفسها ولمريدها ، وكأنهم قد كشفت لهم حجب الغيب ، فصاروا يرون ما لا يرى غيرهم من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذه التزكية إنما هي جزء من استراتيجية الجماعة من أجل شرعنة مواقفها ، وإقناع الرأي العام بذلك على طريقة الفرق الشيعية والفرق الصوفية التي تعتمد على الكرامات والخوارق لأسباب سياسية أو غيرها . فعندما يتحول الاعتكاف أو الاصطياف إلى ممارسة خارجة عن الإطار المشروع ،فحينئذ تتدخل السلطة لمنع الأنشطة التي تخرج عن إطارها القانوني. وعندما تمتنع جهة ما عن وضع حد لأنشطتها الممنوعة من الطبيعي أن تمنع بالقوة ،لأنها هي التي مارست أولا القوة عندما تحدت السلطة من خلال تنظيم أنشطتها دون ترخيص . وكان من المفروض والجماعة تعلم مسبقا أن أنشطتها محظورة بموجب الحظر الذي يشملها ألا تغامر بالشباب والأغرار من أتباعها ليكونوا عرضة للتنكيل ، وذلك من أجل شحنهم ضد السلطة وضد المجتمع ، و النفخ في عواطف الكراهية والحقد لديهم من أجل أن يحقق المسؤولون في الجماعة أهدافهم التي هي مجرد أهداف دنيوية تستغل الدين الذي هو فوق كل استغلال دنيوي . أقول هذا الكلام وأنا أضع نصب عيني الحق والحقيقة ، ولست ممن يجامل أو يخشى في الله لومة لائم سواء من جهة الجماعة أو من جهة السلطة . وأتذكر أن السلطة ونظرا لغباء مخبريها صنفتني ذات يوم ضمن هذه الجماعة المحظورة مع أنه لا يوجد بيني وبين هذه الجماعة إلا الخير والإحسان ، وقد منعت من رخصة حمل سلاح للصيد بسبب هذه الوشاية الكاذبة من مخبر بليد يعتبر كل صاحب لحية من أعضاء هذه الجماعة ، وقد أخبرت المسؤول عن رخص حمل السلاح الذي اعتمد تقرير المخبر البليد أن السلطة تعول في ضبط هويات الناس على تقارير تافهة ، وذكرته بالنكتة التي تروى عن عون سلطة أخبر قائده بأن شابا ملتحيا في محلبة ينتمي إلى الجماعة المحظورة ، فلما طلب قائده الدليل أخبره بأنه يعلق صورة شيخ الجماعة في محلبته الشيء الذي جعل القائد يهرع إلى عين المكان ليفاجأ بأن الصورة إنما كان مجرد إشهار لشيخ شاي سلطان . وأظن أن المخبر البليد التبست عليه لحيتي كما التبست على عون السلطة لحية شيخ إشهار شاي سلطان ، فتسبب لي في الحرمان من رخصت حمل سلاح صيد ، وأنا ابن قناص ماهر ، و حارس غابة أفنى عمره في حراسة عشرات الهكتارات من الغابة في الجهة الشرقية ، وكنت أولى بالصيد فيها من غيري، إلا أنني وقعت ضحية انتماء وهمي لجماعة محظورة ، بسبب بلادة مخبر لا يعرف كوعا من بوع في مجال المراقبة والتتبع واليقظة المطلوبة في المراقبة . ولست أكن لأفراد الجماعة المحظورة حقدا ولا عداوة ، وأنا أعرف منهم أفراد فضلاء بحكم العمل التربوي ،وبيني وبينهم الاحترام المتبادل وإن كنت أختلف معهم في وجهة نظرهم وتوجههم الديني .كما أنني لست أكن للسلطة أية عداوة أو حقد ، وأنا أعرف منهم أيضا عناصر لا يمكن الطعن في ورعهم وتقواهم وجديتهم وتفانيهم في واجبهم . وأعتقد أن على الجماعة المحظورة وقد جربت لعقود أسلوب المناكفة والانتكاف والاستنكاف أن تجرب أسلوب المشاركة في الشأن العام كغيرها من الجماعات ، وأن تتخلى عن مواقفها المتصلبة مما تعتبره الدولة ثوابت وخطوط حمراء لتساهم مساهمة فعالة في النهوض بالوطن عوض ملازمة الخط الخارجي التكفيري الذي تكون الجماعة في نهاية المطاف أول ضحاياه كما هو حالها وهي تتسبب في حرمان مريديها من الاعتكاف والاصطياف وغير ذلك مما يحل لغيرهم ويحرم عليهم . وما أظن أن أسلوب الشكوى والبكائيات والتظلمات سيجديها نفعا ، وقد عرف الرأي العام حقيقة مظلمتها المفتعلة لحاجة في نفس يعقوب . وفي المقابل على الدولة أو السلطة أن تفتح حوارا مع الجماعة كما فتحت حوارا مع غيرها ممن كان أكثر تطرفا منها من أجل خلق أجواء التقارب والتفاهم ،لأن المغرب ليس من صالحه في هذا الظرف أن تكون فيه مناكفة أو انتكاف أو استنكاف ، وقضيته الأولى لا زالت لم تسو بعد ، والعدو يتربص به الدوائر، والأزمات الدولية الخانقة تتهدد الأخضر واليابس ، و نحن في مفترق طرق بين عهد جديد تعلق عليه الآمال العريضة ، وعهد بائد لا رده الله عز وجل . ونأمل أن تغلب الحكمة المناكفة لدى الدولة ولدى الجماعة المحظورة و إن يعلم الله في قلوبهم خيرا يؤتهم خيرا.
1 Comment
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {البقرة/114}