أم الخبائث ومنطق السكارى
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
خروق في سفينة المجتمع
أم الخبائث ومنطق السكارى
بقلم : عبد المجيد بنمسعود
نريد مزيدا من البيوت المهدمة، ومزيدا من الأجسام المحطمة، ومزيدا من الأشلاء الممزعة، والرؤوس المهشمة، نريد أن نتلذذ برؤية جيوب البؤس والإجرام وهي تتناسل بين الدروب، وبآلة القتل والاغتصاب، وهي تدوس بأظلافها الغليظة الأخضر واليابس، وتدك الحصون وتكسر الأبواب، نريد أن نرى زهرة الشباب قد صوحت وآلت إلى ذبول، ونجم الشعب وقد أدركه الأفول، نريد أن نتفرج على الفضيلة وهي تنزف في كل زاوية من زوايا الوطن، حتى لا يبقى منها عرق ينبض، أو قطرة دم تقاوم، نريد شعبا سكيرا لا يساوم، نريد طفولة مهيضة الجناح، وجوقة من السكارى تزيد في النباح، نريد أن نسد كل النوافذ والأبواب دون النجاح والفلاح، نريد قنابل فورية، وقنابل موقوتة، تتفجر في الأقاحي والبطاح، نريد شعبا منكوبا يغرق في المآسي والجراح، نريد أمة مسوسة، أجواؤها ملوثة، نريد باختصار، أمة كسيحة ومفلسة.
إن الذي يتابع أخبار أرباب شركات إنتاج وترويج الخمور في بلدنا الحبيب، ويقرأ تصريحاتهم وردود أفعالهم الهائجة وهم يدافعون عن شركاتهم الأخطبوطية التي تمارس عملية خرق رهيبة في سفينة المجتمع المغربي المسكين، لا يمكنه إلا أن يقتحم سمعه هذا الخطاب اللئيم الذي تعرى من كل ذرة من ذرات الحياء، وبلغ الغاية في الصفاقة والاستهتار، إنه خطاب السكارى الذين افتقدوا لأدنى خيط من خيوط الولاء للشعب والوطن، بل وحتى للملك الذي وضعت على عاتقه أمانة حماية الملة والدين، فيكون هؤلاء قد ولوا ظهرهم لله والوطن والملك جملة وتفصيلا، وراهنوا على الانتحار، وعلى رهن السفينة للأهوال والأخطار، ولن يصدقهم إلا مخبول، إذا استمع إليهم وهم يتحدثون عن مصلحة الوطن، وعن التنمية والاقتصاد.
جاء في جريدة أخبار اليوم عدد يوم الثلاثاء 12 يونيو ما يلي: » جبهة عريضة تدافع عن ترويج الخمر فيوجه الحكومة الملتحية »، فقد خرجت كل من الفيدرالية الوطنية للسياحةوالجامعة الوطنية للصناعة الفندقية والجامعة الوطنية لوكالات الأسفاروالفيدرالية الوطنية للمطاعم وجمعية إنتاج العنب بالمغرب عن صمتهم وجهوارسالة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس فريق حزب العدالة والتنمية بالمجلسورؤساء الفرق البرلمانية ورئيس الحكومة أكدوا فيها رفضهم لمقترح نواب حزبالعدالة والتنمية باقتراح قانون يمنع إشهار الخمور.
صدر هذا هذا الزعيق من جبهة السوء هذه، ومن أرباب الفجور الذين يتولون كبر التمرد على كرامة الشعب والاستخفاف بحرمته وهويته ومقدساته، والحال أن موضوع المقترح هو منع إشهار الخمور، فماذا لوكان الموضوع يتعلق بمنع الخمور ذاتها جملة وتفصيلا؟ إذن لفعل هؤلاء الممكن والمستحيل، ولهاجوا وماجوا، ولأرغوا وأزبدوا، أكثر مما فعلوا، لأن المسألة إذ ذاك ستكون مسألة حياة أوموت، ليس حياة أو موت الشعب والوطن، وإنما حياة أوموت جبهة تسعى إلى قتل الشعب واغتيال الوطن، جبهة السكارى الذين افتقدوا إلى أدنى إحساس أو ضمير، وتعروا تماما من وازع الحياء، فليشقصوا الخنازير إذن وليفعلوا ما شاءوا، مادام انقلاب الموازين يبيح لجبهات السوء ولوبيات الفساد أن تدافع عن السوء، وتتحدى الذين ينهون عن السوء، ولو على استحياء. فقد كان المفروص أن تتقدم الهيئة التي تقدمت باقتراح قانون يمنع إشهار الخمور، باقتراح قانون يقطع دابرها، علما بأن هذا ليس بالأمر الهين في مجتمع تغلغل فيه الكحول في دماء فئات عريضة من ضحايا أرباب شركات إنتاج وترويج الخمور، ومع ذلك فلا بد من الصدع بهذا المطلب المصيري في حياة الشعب، إعلانا عن التوبة والرجعة إلى الله، ويبقى أمر التدرج في التطبيق وعلاج المخلفات أمرا يعقب الاختيار السديد، بالرجوع إلى الحق، ولفظ أرباب الخمور وإخراجهم من سفينة المجتمع المنكوبة بهم وبأقرانهم من تكتلات الفجور التي تريد بها كيدا.
تكتل غريب، هذا الذي اجتمعت أذرعه الأخطبوطية في تعاون على الإثم والعدوان رهيب، سلاحهم الزور والكذب، وزادهم الصفاقة وانعدام الحياء، فلا غرابة إذن أن يتذرعوا في الدفاع عن باطلهم بدعوى الدفاع عن التنمية والاقتصاد، الذي يهدده في الصميم مثل ذلك المشروع ـ القرار، الذي يعتبر طائشا ولا مسؤولا في عرف منظري ذلك التكتل ومن جرى مجراه.
لقد أشارت جبهة الدفاع عن الخمور » إلى أن المشروباتالكحولية تشغّل 100 ألف مغربي وأن منعها سيشجع على التهريب واللجوء إلىالخمور التقليدية »
إن تكتل أرباب منتجي الخمور ومنتجيها، لا يمكن أن تواتيه ولو ذرة من شجاعة ـ وأنى له ذلك ـ ليقارن بين المنافع التي يزعم جلبها للمجتمع من باب الخمور، وبين الآثام والمضار التي يتجرع الشعب مرارتها على مستوى الصحة العامة، وعلى مستوى الاقتصاد والتنمية، وعلى مستوى القيم والفضائل والأخلاق.
ف » رغم غياب مؤشرات إحصائية تربط بشكل مباشر بين الخمر وعدد ضحايا تلك الحوادث إلا أن تقارير إعلامية تداولت خلاصة دراسة مصالح المستعجلات بتعاون مع مركز المعالجة من الكحول، سنة ,2009 تؤكد، أن من مجموع الجرحى في حوادث السير الذين تستقبلهم مصالح المستعجلات فإن 24,7 في المائة منهم استهلكوا الخمر قبل الحادث. وتحصد حرب الطرق في المعدل، حسب معطيات رسمية لسنة 2009، 11 قتيلا يوميا وتخلف 232 جريحا سيخلفون بدورهم عددا كبيرا من ذوي العاهات المستديمة. وتكلف إل 151 حادثة سير اليومية، التي تعرفها مختلف مناطق المغرب، خزينة الدولة 14 مليار درهما سنويا أي 2,5 في المائة من الناتج الداخلي وهو ما يفوق ميزانية الصحة في المغرب. »
إن مزاعم تكتل الدفاع عن الخمور الذي يظهر نفسه في صورة المظلوم الذي يتعرض للقهر وهضم الحقوق، مزاعم باطلة طائشة، وهي لا تثبت تحت أي تحليل أو عنوان، ولا في أي ميزان، حتى من موازين الدنيا الفانية، فمابالك بميزان الآخرة الذي يوجب اللعنة الشاملة لكل من ساهم في إشاعة الخمر في سفينة المجتمع، إنتاجا وإشهارا وترويجا واستهلاكا وهلم جرا . ألا يعترف أقطاب التكتل الآثم ومن لف لفهم بحرمة الخمر في قوله تعالى: » يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون » ؟ )سورة المائدة:90(أم يتوخى هؤلاء الفلاح خارج شرع الله العزيز الحكيم؟ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، ألم ينته إلى أسماعهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمرة: »: « لعن الله الخمر، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ،وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها. »[1] فهل أنتم منتهون يا من تريدون خرق السفينة بإسكار أهلها والنزول بهم إلى أسفل سافلين؟
وجدة في 22 رجب الفرد 1433 موافق 13 يونيو 2012
Aucun commentaire