من العار أن ينطلق العدو الصهيوني من أساطير فيحتل أرضنا ولا نستطيع استرجاعها وبين أيدينا الحقائق

محمد شركي

المسلمون في هذا الزمان يحرصون  على إحياء كل المناسبات وكل أيام السنة تقليدا لغيرهم ، ولكنهم قلما يشعرون بأيام الله عز وجل . فها نحن على موعد مع ليلة الإسراء والمعراج ولا خبر عنها في وسائل إعلامنا ، بل من المسلمين من نسي التقويم الهجري أصلا ، وحتى  في مؤسساتنا التربوية قليلا ما نجد على ألواح فصولها هذا التاريخ الذي يمثل الهوية ـ يا حسرتاه ـ  والذي لا زلنا  ننتظرأن تصدر الحكومة  المغربية الجديدة المحسوبة على الإسلام  نصا تشريعيا يفرض هذا التأريخ على كل القطاعات العمومية والخاصة .  وإحياء ليلة الإسراء والمعراج في نظري ليس مجرد إحياء لأيام أو ليال مرتبطة بثقافات ، بل هو عبارة عن تجديد الصلة بالعقيدة الإسلامية التي تقوم على أساس الإيمان ، وهو إيمان من مقتضياته الإيمان بالغيب ، ومن مقتضيات الإيمان بالغيب الإيمان بالقرآن ، ومن مقتضيات الإيمان بالقرآن الإيمان بالإسراء والمعراج. فعدم الاحتفال والاهتمام بليلة الإسراء والمعراج من نواقض الإيمان . ولقد جعل الله تعالى الفلاح في الإيمان حيث قال جل شأنه : (( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك  وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم  وأولئك هم المفلحون )) فلا فلاح إلا بالإيمان بغيب منه الإيمان بالإسراء والمعرج . ومن المؤسف أن يستمر الجدل العقيم حول هذه القضية الغيبية بعد مرور خمسة عشر قرنا عليها  ، حيث يشغل أصحاب هذا الجدل العقيم أنفسهم بكيفية رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم دون الالتفات إلى الحقيقة التاريخية التي جاءت في القرآن الكريم في قوله تعالى : (( ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى )) وكتاب الله عز وجل ركز على صحة وصدق ما رأى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم دون تناول الكيفية التي سافر بها ، وهي الكيفية التي يشتغل بها أهل الجدل العقيم . والانشغال عن المعلوم بالاهتمام بالمجهول مما عده العقلاء الأكياس من أهل العلم بدعة . ومما يجب استحضاره بمناسة إحياء ليلة الإسراء والمعراج رمزية أحداثها . ومن هذه الأحداث إمامة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم في المجسد الأقصى ، وهو ما يعني خاتمية رسالته وعالميتها . ولا يحق للناس بعد هذا الحدث الهام في تاريخ البشرية أن  يرغبوا عن ملة الإسلام إذ لا يعقل أن يصلى كل الأنبياء والرسل خلف رسول الله ، ويستنكف أتباعهم عن الإيمان به و اتباعه ،  لقوله تعالى في القرآن الكريم : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )). وبموجب هذا الحدث أيضا صار المسجد الأقصى مكان عبادة  إسلاميا عالميا لا يحق لأصحاب الديانات السابقة التي صلى أنبياؤهم   ورسلهم خلف رسول الله ادعاء حق ملكيتها ،لأن في ذلك نقض لعالمية الإسلام ، وتكذيب للوحي  الوارد في خاتمة الرسالات وهي التي صدق ما قبلها من رسالات  واشترطت التصديق بها على المسلمين من أجل تمام إيمانهم . ومن أحداث ليلة الإسراء والمعراج أيضا كشف الله عز وجل حجب الغيب لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي عاين صدق خبر السماء حين رأى الآخرة ولما يحن أوانها بعد ، ورأى ما فيها من جنة ونار وما فيهما ومن فيهما . فلا أحد من الرسل والأنبياء أخبر قومه بمعاينته لخبر الآخرة الذي أخبر به عن طريق الوحي ما عدا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين صدق خبر السماء وبين المعاينة والمشاهدة  في نفس الوقت . وخبر الآخرة هو الذي جعل معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أكبر المعجزات على الإطلاق حيث استوجبت عالمية دعوته معجزة داعمة لها بمعنى معجزة مستمرة في الزمن خلاف المعجزات السابقة التي كانت محدودة في الزمن . وكل شك أو تشكيك في الإسراء والمعراج هو تشكيك في العقيدة. وعجبا لمن  يقيم شعيرة الصلاة ، وهو غير مستيقن بالإسراء والمعراج مع أن هذه الشعيرة إنما كانت من أحداث الإسراء والمعراج حيث صلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بالأنبياء والرسل  في المسجد الأقصى وفرضت عليه وعلى أمته الصلاة في السماوات ليلة الإسراء والمعراج .

ومما يستوجبه الاحتفال بليلة الإسراء والمعرج الوعي بما يحاك من مؤامرات ضد دين الإسلام العالمي في مشارق الأرض ومغاربها من أجل إقصائه من حياة الناس والتمكين لغيره من الضلالات البشرية المختلفة . وعلى رأس هذه المؤامرات المؤامرة الكبرى ، وهي  محاولة تهويد القدس حيث يوجد المكان الذي يرمز لعالمية الإسلام .فالتهويد لا يعني مجرد هدم بنايات واستبدالها بأخرى أي هدم المسجد الأقصى  الحقيقة ، وإقامة الهيكل الأسطورة ، بل يعني  طمس معالم عالمية الإسلام ، وهيمنته على ما قبله من رسالات . ومشكلة المسلمين  مع شديد الأسف أنهم يملكون الحقائق ، ولا يستطيعون توظيفها ، في حين ليس بيد اليهود سوى الأساطير ومع ذلك يجيدون توظيفها  . ورحم  الله الفيلسوف  الفرنسي المسلم روجي جارودي الذي نبه المسلمين إلى الأساطير المؤسسة لما يسمى دولة إسرائيل . ومن الحقائق التي يغفل عنها المسلمون وقد أمروا أن يستحضروها ليل نهار  ما جاء في حديث روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قولها :  » كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر ، ويفطر حتى نقول ما يريد أن يصوم ، وكان يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر  » . فتلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسورة بني إسرائيل  وهي سورة الإسراء كل ليلة إنما كانت وحيا يوحى إليه . وإذا كان المعصوم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وصاحب الشفاعة الكبرى يقرأ سورة الإسراء كل ليلة فما بال من لا عصمة لهم ،وهم المذنبون المسرفون المفتقرون إلى شفاعة الشفيع صلى الله عليه وسلم  وإلى رحمة رب العالمين جل جلاله ؟ فما أحوج الأمة الإسلامية وهي التي أمرت بالاقتداء والتأسي برسولها أن تقرأ سورة الإسراء كل ليلة من أجل تذكر حقائق كبرى منها عالمية دعوة الإسلام ، ومنها  وعد الله الناجز في قوله تعالى : ((  وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال  وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا )). فعجبا لأمة الإسلام التي  من المفروض أن تقرأ هذه الحقيقة كل ليلة كما كان يفعل رسولها صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك تراهن على مسلسلات الاستسلام وخرائط طرقها مكذبة وعد ربها الناجز ، في حين ينطلق اليهود من أساطير لتحويلها إلى حقائق على الأرض ، وفي الواقع .  فهذا الكاتب الأمريكي  المسيحي اليميني المتطرف « مايكل إفنز  » في كتابه :  » ما بعد العراق النقلة الجديدة  » ينطلق من أسطورة قيام  دولة أورشاليم على خلفية دمار دولة  بابل ليتنبأ بقيام دولة إسرائيل فوق كل الأرض الفلسطينية وما جاورها ما بين سنتي 2018 و2028 . وقد لقي كتابه رواجا واسعا في العالم ، في حين منع كتاب الفيلسوف الفرنسي المسلم روجي جارودي :  » الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل  » . أساطيرهم تسوق وتنشر ، وحقائقنا  تمنع  وتحظر،  لأننا أمة دون مسؤولية دعوتنا العالمية . وفي انتظار عودة العباد أولي البأس الشديد إلى أرض الإسراء والمعراج حين  يحين وعد الآخرة وينطق الحجر والشجر إلا شجر الغرقد ، نأمل أن تظل سنة إحياء ليلة الإسراء والمعراج حية فينا حتى يأتي  أمر الله ، وكان أمر الله قدرا مقدورا .