محنة الشعب السوري مدعاة لمراجعة شاملة لوضعية الأمة العربية أمام العالم وتحديدا الدول العظمى
محنة الشعب السوري مدعاة لمراجعة شاملة لوضعية الأمة العربية أمام العالم وتحديدا الدول العظمى
محمد شركي
كشفت محنة الشعب السوري الذي يواجه أعتى نظام دموي في التاريخ المعاصر عن غياب ما يسمى القانون الدولي الذي يزعم أنه يحمي السلم والأمن العالميين ، كما كشفت أن العالم لا وجود له ، وكل ما يوجد في الحقيقة هو دول عظمى لها مصالح تحركها. فالأرواح التي يزهقها النظام السوري الدموي بدعم من قوات النظام الإيراني ، ومن مرتزقة حزب اللات اللبناني ، وميلشيات الرافضة العراقية وبعتاد روسي وصيني لم تحرك ضمير القوى العظمى التي وجدت في أساليب التسويف واللف والدوران ذريعة لغض الطرف عن جرائم حرب حقيقية ضد الإنسانية. فروسيا والصين وبدافع مصالحهما حركتا ورقة ومن أوراق ما كان يسمى الحرب الباردة ، وهي حرب مصالح بامتياز، لأن الأصل في الحروب عبر التاريخ أن تكون ساخنة وحاسمة ، أما حين تصير باردة فهي دليل ومؤشر على المصالح المتبادلة التي يخشى عليها من سخونة الحرب. ومصالح الصين وروسيا لا أخلاقية لأنها تقايض بها دماء وأرواح الشعب السوري ، وتتلقى الرشاوى من أنظمة فاسدة مستبدة كما هو حال النظام الإيراني الذي يروم تحطيم الحصار المضروب عليه عن طريق إسالة لعاب الصينيين والروس بالبترول في ظرف الأزمة الاقتصادية العالمية التي أضحت كل الأنظمة مهما عظمت تخشى عواقبها .
فالروس والصينيون لا يبالون بما يحدث في سوريا لأنهم مشغولون بأوضاعهم الاقتصادية الداخلية ، لهذا يضعون مصالحهم الاقتصادية فوق كل اعتبار ويقبلون الرشوة من نظام ضالع في الإجرام . والنظام الإيراني إنما يحاول الالتفاف على الحصار المضروب عليه على اعتبار الأراضي السورية جبهة متقدمة بالنسبة إليه ، وخلفها تقبع عصابات حزب اللات الذي سيصير معزولا عن أسياده الإيرانيين بمجرد سقوط النظام السوري الدموي. والغرب بزعامة الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تعنيه محنة الشعب السوري بقدر ما هو منشغل بأمن وسلام الكيان الصهيوني المحتل ، وهو يخشى أن تؤول الأمور بعد سقوط النظام السوري الدموي إلى نظام إسلامي يصير تهديدا حقيقيا للكيان الصهيوني ، لهذا يسوق لخطاب وجود تنظيمات إرهابية في سوريا ، وهو نفس الوتر الذي يعزف عليه النظام السوري الدموي ومن يدعمه لتبرير مواجهة ثورة الشعب السوري السلمية التي أمعن النظام المستبد في قمعها لينقلها من أساليب السلم إلى أساليب المقاومة المشروعة دفاعا عن النفس ضد عدوان الجيش النظامي وعصابات الشبيحة الإجرامية. فوصف مقاومة الجيش السوري الحر بأنها إرهاب لا يختلف عن المقولة الصهيونية المتهافتة التي تصف كل مقاومة فلسطينية ضدها بأنها إرهاب ، كما أنه لا يختلف عن وصف القوات الأطلسية لكل أشكال المقاومة التي تواجهها في البلدان التي تحتلها بالإرهاب كما هو الشأن في العراق وأفغانستان .
ومن المفارقات الغريبة أن بعض المتبجحين بالمقاومة مثل عصابات حزب اللات اللبناني يصف مقاومة الشعب السوري بالإرهاب لمجرد أن مصالحه مرتبطة بالنظام الدموي الشيء الذي يعكس بوضوح لا أخلاقيته . فالإيمان بالمقاومة وتبنيها يقوم أساسا على دعم القضايا العادلة حيثما وجدت بغض الطرف عن الولاءات الطائفية والمصلحية . ولا نستغرب أن يوافق الغرب بزعامة الولايات المتحدة النظام السوري وأعوانه في تسمية مقاومة الشعب السوري بالإرهاب وذلك باعتبار ما ستصير عليه هذه المقاومة حينما يسقط النظام الدموي ، ويواجه الشعب السوري الكيان الصهيوني لاستعادة الجولان المحتل ، ولدعم نضال الشعب الفلسطيني. والغرب صاحب المصالح يفضل بقاء النظام السوري الدموي لأنه برهن على ضمان سلم وأمن الكيان الصهيوني لعدة عقود ، في الوقت الذي يبجح فيه هذا النظام بأنه نظام صمود وممانعة . فهل يتحقق الصمود والممانعة بتأمين الكيان الصهيوني المحتل في الجولان ، في حين يتم إرهاب الشعب السوري الأعزل بالآلة العسكرية التي من المفروض أن توجه إلى صدر هذا العدو ؟ وما يقال عن النظام الدموي ينطبق على عصابات حزب اللات اللبناني الذي يقوم بتأمين الكيان الصهيوني على خط التماس معه شمال فلسطين في حين يرسل عصاباته الإجرامية لتقتيل الشعب السوري .
ولقد افتضح أمر ما يسمى الرهائن اللبنانين الذين ضبط من ضمنهم ضباط من عصابات هذا الحزب الإجرامي في حق الشعب السوري الأصيل الذي لا يوالي من يواليه حزب اللات المتنكر لعروبته ، والمفاخر بشعوبيته وطائفيته وعقيدته المنحرفة والتي اختلق الحج في دولة إيران علما بأنه لا تشد الرحال بموجب حديث نبوي شريف إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى والمسجد النبوى ، وما عدا ذلك مجرد أوثان وأصنام ابتدعها الرافضة الكذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته الأطهار رضوان الله عليهم . وحزب اللات بمناوراته فوق التراب السوري ، وفي الشمال اللبناني إنما يحاول منع سقوط النظام السوري الذي يوفر له الغطاء من أجل البقاء بذريعة المقاومة ، والحقيقة أنه مجرد عميل للنظام الإيراني الذي يستخدمه لتهديد الوطن العربي عن طريق التمويه بادعاء العداء مع الكيان الصهيوني . ولو صح ما يدعيه النظام الإيراني من عداوة للكيان الصهيوني لكانت الحرب بينهما منذ زمن بعيد كما كانت من قبل مع العرب، والحقيقة أنها حرب باردة تدل كما مر بنا على وجود مصالح متبادلة بين الكيانين الرافضي والصهيوني اللذين لهما نقط التقاء إيديولوجية سجلها التاريخ بجلاء . وخلاصة القول أن محنة الشعب السوري كشفت بأن الأمة العربية تعيش تحت رحمة الدول الكبرى أو العظمى التي لا ترى في هذه الأمة سوى وسيلة مقاضية من أجل مصالحها وبشكل لا أخلاقي . وستستمر مهزلة الحلول العبثية في سوريا من أجل التمويه على المواقف اللأخلاقية لهذه الدول التي تقايض مصالحها بدماء الشعب السوري وأرواح أبنائه . وصدق المتنبي حكيم الشعراء إذ يقول :
بذا قضت الأيام ما بين أهلها //// مصائب قوم عند قوم فوائد
Aucun commentaire