نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية تذكرنا بحكاية الفرار من الذئب والنزول بغاره
نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية تذكرنا بحكاية الفرار من الذئب والنزول بغاره
محمد شركي
المثل الشعبي المغربي القائل : » فر من الذئب ونزل بغاره » ينطبق تماما على نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية حيث انتفض الشعب المصري ضد نظام فاسد ولا زال يطالب بمحاكمة رموزه ، ولكن نتائج الانتخابات جاءت بعكس أهداف ثورته حيث قاربت نتائج أحد ضباط الجيش و أحد رموز النظام السابق نتائج مرشح الإخوان الشيء الذي يعني أن فرار الشعب من النظام السابق أفضى به إلى غار هذا النظام. ويخيل لمن يقرأ قراءة أولية هذه النتيجة الغريبة أن مصر يتقاسمها النظام السابق مع الشعب . ففي 19 من مايو 2012 ألقى المفكر العربي عزمي بشارة محاضرة في قصر قرطاج بتونس وعبر خلال محاضرته عن بعض الشك في نجاح الديمقراطية في مصر ، مقابل تفاؤله بمستقبل الديمقراطية في تونس . ومعروف عن الدكتور عزمي أنه لا ينطلق من تخمينات بل من توقعات لها ما يبررها . وها هي صحة توقعاته تتأكد في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية المصرية . فمن الغريب أن تسير الأحداث في مصر دون منطق مقنع حيث ثار الشعب على النظام السابق ثورة سلمية واجهها النظام بالشرطة والمباحث والبلطجية ، وبعد فشله في احتواء هذه الثورة عن طريق القتل والترهيب اضطر إلى اللجوء إلى المؤسسة العسكرية التي تظاهر قوادها و ـ ولاؤهم لرئيس الجمهورية المخلوع معروف ـ بالحياد فيما يخص الصراع بين الشعب والنظام بشرطته ومخابراته وبلطجيته. والشعب المصري الوديع صدق بسرعة مسرحية حياد الجيش ، واحتمى به من عصابات الشرطة والمباحث والبلطجية ، ونجحت مسرحية الجيش في ذر الرماد في عيون الشعب . وبدأ تلكؤ الجيش في تسليم السلطة للشعب ، وكذا التلكؤ في محاكمة رموز النظام الساقط . وأخذ الجيش الوقت الكافي لترتيب أوراقه من أجل أن تظل السلطة بيده ،وهو يجس نبض الثورة باستمرار، و يقيس فورتها بين الحين والآخر عن طريق الاحتكاك المباشر . وبدأت مسرحية تقديم ترشيحات رموز النظام المرفوض من طرف الشعب . وتم اقصاء بعض الترشيحات على سبيل التمويه من أجل إقناع الشعب بحياد الجيش وسلامة طويته. وبعدما جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية لصالح الإخوان المسلمين والتيار السلفي ، وهي نتائج تعكس مدى رغبة الشعب في إبعاد النظام الساقط ورموزه مهما كان البديل، لأن شعب مصر ليس كله من الإخوان والسلفيين ، فكر الجيش وهو الوجه الخفي للنظام الساقط في حيلة وهي ركوب اللعبة الديمقراطية من أجل إجهاض ثورة الشعب المصري . وهكذا جاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية مناصفة بين الشعب والجيش وفلول النظام البائد من مافيا وشرطة ومباحث وبلطجية . وتأكد أن مصر كانت وبإرادة أجنبية ومنذ معاهدة كامب دافيد مقسمة بين شعب مقهور سياسيا واقتصاديا وبين نظام قاهر سياسيا وفاسد ومفسد اقتصاديا ، وذلك من أجل أن يستقيم أمر معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني التي كانت لفائدة هذا الكيان ، وعلى حساب مصالح الشعوب العربية ، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة خصوصا وباقي الشعوب العربية عموما . ولقد أصبح من المؤكد أن معاهدة كاب دافيد تنص بوضوح على أن يظل الجيش المصري على حاله يوم توقيع المعاهدة ، ولا يمكنه أن يتغير وفق إرادة الشعب . ومما يؤكد هذا الأمر أن المرشحين للانتخابات الرئاسية بما فيهم المحسوبين على التيار الإسلامي حرصوا على طمأنة الكيان الصهيوني بطرق مباشرة وغير مباشرة بالتزامهم بمعاهدة كاب دافيد مع أن الكيان الصهيوني لا زال يشكك في نوايا هؤلاء المرشحين المحسوبين على التيار الإسلامي ، وهو ما سوق له التيار العلماني في مصر المعادي للتيار الإسلامي والذي يفضل نجاح المشير المحسوب على النظام السابق على رئيس محسوب على التيار الإسلامي بحجة أن المشير يقضي فترة أربع سنوات ويمضي إلى حال سبيله ، بينما الرئيس المحسوب على الإسلام سيستبد بالسلطة ، ولكنه نسي أن النظام لا زال مستبدا بالسلطة ، وقد يغير رؤساءه ولكنه سيظل قائما وفق توصيات معاهدة كامب دافيد . وستخاض الجولة الثانية من الانتخابات وسيفوز المشير لا محالة ، وسيقال للشعب المصري ، وللرأي العام العالمي إن اللعبة الديمقراطية قد احترمت ، وسيظل الحال على ما كان عليه في مصر ، ودار لقمان على حالها ، وسيرحل مشير ، ويحل محله آخر، لأن الغرب الذي يرعى الكيان الصهيوني يريد ذلك ، ومراده مخالف لمراد الشعب المصري . ونجاح تجربة ديمقراطية في مصر معناه تعميمها في باقي الوطن العربي ، وهو ما سيهدد المصالح الاستراتيجية للغرب من خلال تهديد مصالح الكيان الصهيوني . والسؤال الأخير الذي يفرض نفسه: هل سيقبل الشعب المصري عودة النظام السابق بقناع جديد أم أنه سيصون ثورته بدمائه كما فعل من قبل ؟ الأيام القادمة ستكشف لنا عن فصل جديد من فصول الصراع بين الشعب المصري والنظام النافق الذي لا زال يقاوم بشراسة من أجل البقاء والاستمرار وذلك عن طريق المؤسسة العسكرية .
Aucun commentaire