ليس من مصلحة جهات متعددة خارجية وداخلية نجاح مشروع حكومات الأحزاب الإسلامية
ليس من مصلحة جهات متعددة خارجية وداخلية نجاح مشروع حكومات الأحزاب الإسلامية
محمد شركي
لم يعرف الوطن العربي جدلا بخصوص وصول الأحزاب الإسلامية إلى سدة الحكم كما عرفه في فترة ربيعه الذي رجح كفة الشعوب العربية على كفة الأنظمة. ومن المعلوم أن وصول الأحزاب الإسلامية إلى مراكز صنع القرار في العديد من البلاد العربية إنما كان تطبيقا لإرادة شعوبها التي ضاقت ذرعا بسياسات عقود طويلة من الجمود السياسي ، ومن فساد التسيير والتدبير . ومعلوم أيضا أن الجهات الخارجية والداخلية في الوطن العربي التي تطيرت وتشاءمت من الربيع العربي، تطيرت أيضا وتشاءمت من النتائج التي أفرزها هذا الربيع ، وعلى رأسها وصول الأحزاب الإسلامية إلى مراكز صنع القرار . ووصول هذه الأحزاب يعني فيما يعنيه وجود نموذج سياسي يقابل النموذج السياسي الذي يراد عولمته ، وهو النموذج العلماني في ظاهره ، والصليبي الصهيوني في عمقه. ومن المعلوم أن ظاهرة وصول الأحزاب الإسلامية ظاهرة أرقت الغرب عندما نجح حزب إسلامي في بلد علماني هو تركيا ، واستطاع أن يثبت بأنه جدير بتسيير البلاد بنمط عصري ومتطور دون أن يتخلى عن هويته الإسلامية ،علما بأن الغرب العلماني يحاول جهده إثبات أن الإسلام لا يصلح شريكا له في تسيير شؤون هذا العالم. ويتذكر الجميع كيف طبخت مؤامرة الإطاحة بحزب إسلامي في ماليزيا عن طريق اختلاق تهمة أخلاقية لفقت لزعيمه . ويذكر الجميع أيضا كيف حاول ضباط الجيش العلماني تدبير محاولة انقلاب ضد الحزب الإسلامي التركي. ولا زالت أوروبا متوجسة من هذا الحزب مع أن تركيا تربطها علاقات شراكة عسكرية معه ، وكأن الغرب لا يقر إلا بهذه الشراكة العسكرية ما دام الجيش التركي على علمانيته الشيء الذي يطمئن أوروبا العلمانية .
ولا زالت أوروبا لم تقبل شراكة تركيا الاقتصادية طالما أن حكومتها إسلامية . وما إن وضعت الشعوب العربية ثقتها في أحزابها الإسلامية حتى قامت قيامة الغرب بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية التي ضحت هي وحلفاؤها الغربيون بصداقاتهم مع الأنظمة العربية الفاسدة المنهارة من أجل استباق ربط صلات جديدة مع الأنظمة التي أفرزها الربيع العربي سدا لكل فراغ قد يكون لغير صالح هذا الغرب الذي لا يمكنه استساغة وجود شريك إسلامي معه في العالم . ولقد حاول الغرب جهده إفساد نشوة الفرحة عند الشعوب العربية بنجاح ربيعها . فلا زال بعض رموز الأنظمة الفاسدة خارج طائلة المحاكمات الشعبية كما هو حال الرئيس التونسي الذي وضع خارج الأضواء هو الرئيس اليمني . كما أن محاكمة الرئيس المصري الصورية لا زالت تثير الكثير من الشكوك . أما مصير الرئيس الليبي فالغرب لا يرغب في مثله حتى لا تعمم تجربته ، لهذا لا زال يتلكأ في مواقفه تجاه النظام السوري الذي اختار نفس أسلوب النظام الليبي في التعامل مع الربيع السوري بعنف ووحشية ، إلا أن خدمته للمصالح الغربية وعلى رأسها المصلحة الصهيونية حالت دون قبول الغرب للرئيس السوري بنفس مصير الرئيس الليبي. وأكثر من ذلك بدأ الغرب يسوق تهمة تنظيم القاعدة في سوريا وشمال لبنان من أجل تبرير السكوت عن جرائم النظام السوري . وليس من قبيل الصدف أيضا تسويق تهمة تنظيم القاعدة في اليمن ، علما بأن الغرض من تسويق هذه التهمة هو التشويش على ظهور مشروع وصول الأحزاب الإسلامية إلى سدة الحكم . وعندما يجمع شتات القضية من المحيط إلى الخليج تتبين المؤامرة الخارجية والداخلية الكبرى ضد مشروع الحكومات الإسلامية في الوطن العربي . فأمام وصول الأحزاب الإسلامية في مصر ودول المغرب العربي حاول النظام الجزائري التغريد خارج السرب حيث زور انتخابات من أجل تسويق فكرة فشل مشروع حكومات الأحزاب الإسلامية ، وهو تسويق هلل له الغرب من خلال إشادته بالانتخابات الجزائرية المزورة مع أن الغرب يعرف أن النظام العسكري في الجزائر قد زور الانتخابات من أجل ضمان استمراره في حكم البلاد بالحديد والنار، ومع ذلك سكت الغرب عن ذلك لأن من مصلحته السكوت. ومن أجل مساعدة النظام العسكري الجزائري سكت الغرب عن تورطه في نشر الفوضى في الصحراء الكبرى انطلاقا من دولة مالي حيث تم ترويج سيطرة تنظيم القاعدة على شمال مالي مع أن مؤامرة النظام العسكري الجزائري مكشوفة في مالي ، وهي مؤامرة صادفت هوى في نفس الغرب الذي من صالحه أن يضخم من خطر ما يسمى تنظيم القاعدة لتبرير تدخله في المنطقة ، ومنعه لكل مشروع سياسي إسلامي في الوطن العربي .
كما أن النظام الجزائري لم يدخر جهدا في إشعال الفتنة الطائفية في الغرب الليبي كما أشعلها في مالي . وما ينطبق على الجزائر ينطبق على اليمن وعلى سوريا وعلى شمال لبنان . ولقد بدأ النفخ مؤخرا في قضية السلفية في تونس من أجل تبرير تسويق تهمة تنظيم القاعدة ، وهو نفخ لا يقتصر على تونس بل على كل بلد عربي فيه سلفية تدفع في اتجاه إفشال مشروع الحكومات الإسلامية المعتدلة من خلال التعصب للأيديولوجيا السلفية التي تجاهر برفض التعايش مع الواقع السياسي العالمي،عكس غيرها من الأحزاب والتيارات الإسلامية المعتدلة. وإلى جانب التشويش السلفي على تجارب حكومات الأحزاب الإسلامية المعتدلة يوجد التشويش الشيعي الرافضي أيضا ، وهو يصب في نفس الهدف الغربي الأمريكي الأوروبي الذي يتوجس من نجاح المشروع السياسي الإسلامي على الطريقة التركية . وإلى جانب التشويش السلفي والشيعي الرافضي ، يوجد تشويش الأنظمة ، وتشويش التيارات والأحزاب العلمانية والطائفية ، وكلها تهدف إلى إثبات فشل مشروع الحكومات الإسلامية التي راهنت عليها الشعوب العربية بعد ربيعها وانتفاضها ضد فساد أنظمتها السياسية، و الذي فرخ كل أنواع الفساد . فالمؤامرة خطيرة ومكشوفة اجتمعت فيها أطراف خارجية وداخلية كلها تهدف إلى إفشال المشروع السياسي الإسلامي بكل الطرق والوسائل ، بما في ذلك صمود جيوب الفساد في الوطن العربي من أجل تمديد وجود مظاهرهذا الفساد لوضع الحكومات الإسلامية في مأزق أمام الشعوب التي راهنت عليها للخلاص من كل أشكال الفساد . ولقد بدأ مؤخرا ترويج الخطاب المثبط لعزيمة الحكومات الإسلامية من قبيل مطالبتها بالتراجع وإعلان الاستسلام أمام تعذر تطبيق مشاريعها التي توصف بالأحلام .
والغريب في تسويق هذا الخطاب أن الجهات المسوقة له هي التي كانت دائما المبادرة إلى انتقاد مشاريع الحكومات الإسلامية ووصفها بالخيالية وغير القابلة للتنزيل ، وفي نفس الوقت هي التي تطالب هذه الحكومات الإسلامية بالخروج من اللعبة السياسية أمام تعذر إنجاز مشاريعها . فعلى سبيل المثال لا الحصر كانت جيوب المقاومة المحسوبة على الفساد الإعلامي في المغرب هي التي رفضت إصلاح الإعلام ، وفي نفس الوقت هي التي انتقدت تحويل صلاحية تنفيذ مشروع إصلاح الإعلام من وزير حزب إسلامي إلى وزير حزب علماني . فهذا المثال يختزل كل الأمثلة التي يضيق فيها الخناق على مشاريع الإصلاح المقدمة من طرف الحكومات الإسلامية ليقال في النهاية إن هذه الحكومات فاشلة وضعيفة يجب عليها أن ترحل وتترك الأمور لغيرها ليكون الإصلاح مشوها يكرس نفس الفساد الذي بسببه كان الربيع العربي ، وكان رهان الشعوب العربية على مشاريع أحزاب تنهل من مرجعياتها الدينية لمواجهة خطر الابتلاع العولمي الذي لا زال فاغرا فاه يتربص بالعرب الدوائر . وستستمر أجواء اختلاق زوابع الفناجين من خلال قضايا اجتماعية واقتصادية وثقافية كقضية الاغتصاب والمهرجانات والبطالة… وغيرها لتبرير الحملات الدعائية ا لمسعورة ضد المشروع السياسي الإسلامي في الوطن العربي الذي يعتبر نجاحه ضربة قاضية لخصوم هذا المشروع في الخارج والداخل وما أكثرهم . ومن المحتمل أن تبدأ الانقلابات على الحكومات الإسلامية من خلال ذرائع خطر الإرهاب التي عادت إلى الظهور من جديد .
Aucun commentaire