حكومة بنكيران بين مطرقة وسندان
حكومة بنكيران بين مطرقة وسندان
محمد شركي
من المعلوم في الثقافة العربية أن عبارة : » بين مطرقة وسندان » تطلق على كل من يضيق عليه الخناق ، لأن الذي يقع بين المطرقة والسندان إنما هو قطع الحديد التي تصهرها النار وتطوع بالطرق لتأخذ الأشكال التي يريدها الحداد بعد أن كانت عصية وعلى شكل لا يناسب مزاج الحداد. وحكومة بنكيران إنما هي حكومة حزب له مرجعية دينية كباقي الأحزاب ذات المرجعيات الدينية في العالم العربي والإسلامي ، وقد كان حزبا عصيا على النظام طيلة وجوده في خندق المعارضة . ومعلوم أن النظام ولعقود طويلة وهو المطرقة كان يستخدم ما يصطلح عليه عندنا بأحزاب المخزن كسندان لطرق أحزاب المعارضة . ولما كان دأب هذا النظام هو أن يكون له أحزاب محسوبة عليه ، فإنه عندما يصير تدبير أمر الحكومة إلى الأحزاب المعارضة يتعامل معها كأحزاب تابعة له على غرار الأحزاب التابعة له تقليديا ، وكأن وصول أحزاب المعارضة إلى مركز صنع القرار وتدبير الشأن الحكومي يعني بالضرورة عودتها إلى بيت الطاعة بالمفهوم المتداول في قانون الأحوال الشخصية . وما حدث على إثر الربيع العربي الذي مس الوطن العربي من محيطه إلى خليجه هو اضطرار الأنظمة العربية إلى الرضوخ لإرادة شعوبها ، ومن ضمن هذه الإرادة اختيار الشعوب لأحزاب ذات مرجعيات إسلامية لتدبير شأنها لمواجهة ما طالها من فساد تيمنا بالحزب الإسلامي الحاكم في تركيا العلمانية والناجح في تجربته . ولم تجد معظم الأنظمة العربية بدا من الاستجابة لإرادة شعوبها بعدما كشف الربيع العربي عن إصرار هذه الشعوب على التضحية بدمائها من أجل أن يتحقق حلمها . والذي زاد من مخاوف الأنظمة هو فشل تجربة بعضها لمنع تحقيق إرادة الشعوب الشيء الذي أودى بتلك الأنظمة المحسوبة على التهور ، والتي أرادت معاكسة الربيع العربي فأنهت وجودها بيدها . ومعلوم أن الأنظمة التي درجت على أسلوب حكم لعقود ليس من السهل أن تتخلى عنه بيسر وسهولة ، فلا بد أن تقاوم كل تغيير خصوصا وهي تملك أحزابا تركبها ، وتحسب الأحزاب المعارضة التي تشارك في الحكم من ضمن أحزابها أيضا بعد تطويعها . وهذا ما حدث عندنا حيث حكمت الأحزاب المسماة أحزاب المخزن البلاد لعقود كثر فيها الفساد ، فجاءت ظروف خاصة ،فأشركت الأحزاب المعارضة اليسارية وغير اليسارية في الحكومة ، وظلت دار لقمان على حالها من حيث فسادها ، ولم تختلف أحزاب المعارضة في أدائها الحكومي عن أحزاب المخزن ، بل طوعتها مطرقة النظام وسندان أحزاب المخزن إلى ما كان يريده النظام ، وصار أداؤها أقل وأضعف من أداء أحزاب المخزن، لأن ذلك كان مقصودا من أجل تطويعها من أحزاب معارضة إلى أحزاب مدجنة لمصادرة ماضيها النضالي المعارض بعد تشويهها عن طريق إثبات فشلها على أرض الواقع بالملموس والمحسوس. وليس من الغريب أن تتحول هذه الأحزاب المدجنة والفاقدة لمناعتها أو المطرقة بمطرقة النظام إلى سندان مع أحزاب المخزن التقليدية لطرق الحزب الفائز في الانتخابات الأخيرة لتطويعه أو تدجينه بعد إثبات فشل ثابت له بالضرورة لا محالة لأن ظروف النجاح غير متوفرة، و لأن السفينة لا تجري على اليبس ، وعليه فالنجاة ضرب من المستحيل. ومناسبة هذا الكلام هو أنني اطلعت على مقال للسيد إدريس بنعلي الذي نشر على موقع وجدة سيتي نقلا عن جريدة المساء عنوانه : » مؤسف القول إن مزبلة التاريخ تنتظر الحكومة الحالية « وسبب هذا الكلام هو حرمان وزير من حزب العدالة والتنمية من صلاحياته ومنحها لغيره ـ على حد تعبير صاحب المقال ـ لمجرد أنه تجرأ على الأخذ بزمام الأمور ، وبادر إلى اقتراح دفتر تحملات جديدة لقنوات الإعلام العمومي . فإذا صح أن الوزير المعني بالفعل قد حرم من ممارسة حقه الذي يضمنه له الدستور ، وهو دستور قيل عنه أنه وضع بتوافق مع الشعب على خلفية ظروف الربيع العربي ، فإن حزب هذا الوزير قد جاء دوره ليكون بين مطرقة النظام ، وسندان أحزاب المخزن التقليدية مع أحزاب المعارضة الفاقدة لعذرية المعارضة خلال فترة تسييرها لشؤون البلاد . فأول من عرض نفسه ليكون سندانا هو هذه الأحزاب على اعتبار أن أحزاب المخزن التقليدية جاهزة على الدوام لتقوم بدور السندان، لأنها تابعة لمطرقة النظام على الدوام. فما كانت نتيجة فوز حزب بنكيران تظهر حتى بدأ السندان بنوعيه يشكك في مقدرته على تسيير شؤون البلاد لعلم هذا السندان بأنه متعاقد مع مطرقة النظام لتطويع كل حزب خارج عن الطاعة بالطرق المناسب حسب الظروف. وليس من مصلحة أحزاب السندان التي سبق لها أن كانت ضحية المطرقة والسندان أن ينجو الحزب المحسوب على الإسلام من الطرق والتطويع ، لتبقى وحدها في مزبلة التاريخ كما عبر عن ذلك متأسفا السيد إدريس بنعلي . ولهذا تعمل أحزاب السندان حتى تلك المشاركة في حكومة بنكيران ببعض وزرائها على إثبات جدوى طرق المطرقة بكل ما تستطيع أو تطيق من ممارسات تعرقل حكومة بنكيران. ولم يعرف المغرب وضعية حكومة من قبل شبيهة بوضعية الحكومة الحالية حيث تواجه هذه الحكومة سندان أحزاب المعارضة ، و هو سندان تتكتل فيه أحزاب المخزن التقليدية ، والأحزاب الفاقدة لعذرية معارضتها ، وسندان المشاركة من طرف أحزاب محسوبة على تلك الفاقدة لعذرية معارضتها . فوضعية الحكومة الجديدة ، وبتعبير أدق وضعية الحزب المحسوب على الإسلام محرجة للغاية ، لأن صراطها أدق من الشعرة ، وأمضى من السيف ، والسقوط مضمون كما يقول مرتكب الكبيرة العابر لهذا الصراط فيما يروى عن أهل الكبائر . فلو أن الأحزاب الفاقدة لعذرية معارضتها رفضت لعب دور السندان مع مطرقة النظام إلى جانب أحزاب المخزن التقليدية لاستطاع الوزير المحروم من صلاحيته ممارسة هذه الصلاحية بشجاعة وجرأة. وهل يقف وراء جيوب المقاومة في القنوات الإعلامية العمومية غير الأحزاب الفاقدة لعذرية معارضتها ؟ والمشكل أكبر من وقوع حزب العدالة والتنمية بين مطرقة النظام وسندان الأحزاب الموالية له والمطوعة من قبل نظرا لوجود مطرقة غربية كبرى أمريكية أوروبية تجعل مطرقات الأنظمة العربية سندانا بدورها لطرق كل حزب تشم فيه رائحة الإسلام ليدق ويطوع ويصير وفق ما تريده مطرقة العولمة التي تدق كل تنوع ثقافي ليكون الحاصل قطعة واحدة طيعة تقبل مكرهة التنازل عن تمنعها وشكلها الطبيعي وهويتها ،لأن الصهر والطرق العولمي من شأنه أن يغير ملامحها . وأخيرا ومع قناعتي المخالفة لقناعة السيد إدريس بنعلي بأن التاريخ ليس فيه مزابل ، بل يسجل كل دقيقة وجليلة ، وقد يخفي بعض الحقائق لبعض الوقت ، ولكنه يكشفها بعد مرور الزمن لتلعن أو تمدح الأجيال بعضها بعضا حسب ما سجله هذا التاريخ وما أخفاه ، وما كشفه بعد مدة الإخفاء. وسيكشف التاريخ كل سندان عانق المطرقة لطرق الضحايا . وليس عيبا أن يكون حزب ما بين المطرقة والسندان ، ولكن العيب أن يصير سندانا عندما يخلفه غيره على تدبير شأن البلاد .
2 Comments
ان وزراء العدالة والتنمية لهم قدرة على التحرك من دون أية مركبات نقص على اعتبار أن استوزارهم تم بطرق احتُرم فيها منطق الديمقراطية الداخلية للحزب، دون سند أو تغطية من أية جهة، وهو ما أعطى لهؤلاء الوزراء دعما نفسيا قويا وقدرة معتبرة على مستوى استقلاليتهم في أخد المبادرة
للتوضيح ليس إلا، فمقال الأستاذ ادريس بنعلي نشر بصحيفة المساء تحت عنوان » الإهانة ». أما العنوان المرافق لذات المقال على وجدة سيتي، فهو من إضافة من أضافه