Home»National»كيف تغري الطرقية الناس لتستهويهم عوالمها الخيالية الساحرة ؟

كيف تغري الطرقية الناس لتستهويهم عوالمها الخيالية الساحرة ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

كيف تغري  الطرقية الناس لتستهويهم عوالمها الخيالية الساحرة ؟

 

محمد شركي

 

استغرب كثير من الناس كيف خضع بعض المثقفين لمدعي المهدوية  في الآونة الأخيرة . وربما استخف البعض بعقول هؤلاء الخاضعين المغرر بهم  ـ وحق له ذلك ـ ، والحقيقة أنه في الأمر سر لا بد أن يكشف . فعندما يتصفح المرء بعض مصادر أو مراجع الطرقية  يجد الجواب عن كيفية إغرائها  الناس العوام منهم، وحتى  الخاصة الذين تستهويهم عوالم  التصوف  الساحرة والغريبة . فمن هذه المصادر : »  الرسالة القشيرية  في علم التصوف  » لصاحبها أبي القاسم  عبد الكريم بن هوازن القشيري. فأول ما يلاحظ في هذا العنوان نسبة التصوف إلى العلم ، علما بأن  الطرق الصوفية لا علاقة له بالطرق العلمية  باعتراف  أصحاب الطرق  أنفسهم الذين يشتغلون بشيء اسمه الباطن خلاف ما يشتغل به  باقي الناس وهو الظاهر. وإذا كان الناس يقنعون ، ويرضون ببشريتهم  التي  خلقهم الله عز وجل عليها ، فأصحاب الطرق يتحدثون عن شيء اسمه « خمود البشرية  » كما جاء في الرسالة القشيرية  نفسها . ومما جاء في هذه الرسالة :  » باب  الوصية للمريدين  » ، وهي الشاهد عندنا على كيفية ممارسة الطرقية الإغراء على الذين تستهويهم عوالم التصوف الساحرة  ، اشتراط الصدق  في الالتحاق  بالطرقية ليصح البناء على أصل صحيح  على حد تعبير صاحب الرسالة . وهذا تمهيد ذكي ومقصود من أجل إيهام  الناس بأن علاقتهم بخالقهم مشوبة بالكذب  والنفاق ، ولا بد لها من صدق  كتصحيح لها  . وفي هذا السياق يقول صاحب الرسالة بالحرف :  » فتجب البداءة بتصحيح اعتقاد بين المريد وبين الله تعالى صاف عن الظنون والشبه خال من الضلال والبدع صادر عن البراهين والحجج ، ويقبح بالمريد أن ينتسب إلى مذهب من مذاهب من ليس من هذه الطريقة  » فهذا التشكيك الواضح في علاقة الناس العاديين بالله تعالى ،  يعد طعنا في ما عدا الطرقية ، ويتهمها بالظنون  والشبه  والضلال والبدع التي تقابل  في الطرقية اليقين  والرشاد والبراهين والحجج . ويقول  صاحب الرسالة أيضا :  » ولم يكن عصر من الأعصار في مدة الإسلام إلا وفيه شيخ من شيوخ هذه الطائفة  » وعن هؤلاء  الشيوخ يقول :  » فإن هؤلاء حججهم في مسائلهم أظهر من حجج كل أحد ، وقواعد مذاهبهم أقوى من  قواعد كل مذهب ، والناس إما أصحاب النقل ، والأثر وإما أرباب العقل والفكر ، وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عن هذه الجملة ، فالذي للناس غيب فهو لهم ظهور، والذي للخلق من المعارف مقصود، فلهم من الحق سبحانه موجود ، فهم من أهل الوصال ، والناس أهل الاستدلال  » . فهذا الكلام يعكس الاعتقاد بالمشيخة الطرقية  وبأسلوبها الباطني الذي هو أسلوب الخاصة من أصحاب البشرية الخامدة  نقيض الأسلوب الظاهري الذي هو أسلوب العامة من أصحاب البشرية  المتقدة  أو المشتعلة . ومقابل  نقل وأثر وعقل وفكرواستدلال  أصحاب الظاهر يوجد ارتقاء أصحاب الباطن من الطرقية . ومقابل  وصال أهل الطرقية مع الذات الإلهية  يوجد بعد غيرهم عن هذه الذات . ويسوق  صاحب الرسالة شواهد على تفوق الشيوخ على العلماء ، ومن ذلك تفوق شيبان الراعي الذي كان شيخا طرقيا أميا على الإمام أحمد بن حنبل  العالم الذي سأل شيبان عن حكم من سها عن صلاة من الصلوت الخمس ، فأجاب  شيبان :  » هذا صاحب قلب غفل عن الله تعالى ،فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل  » . وزعم صاحب الرسالة أن هذا الجواب جعل الإمام أحمد  يغشى عليه ،فلما أفاق  قال له الإمام الشافعي ألم أقل لك لا تحرك هذا ؟  وينسب  صاحب الرسالة للجنيد قوله :  » لو علمت أن لله علما تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا وإخواننا لسعيت إليه وقصدته «   علما بأنه لا الجنيد ولا غيره يبلغ أديم السماء إلا بسلطان كما جاء في الذكر الحكيم . وينصح صاحب الرسالة المريدين بضرورة اتخاذ الشيوخ بقوله :  » ثم يجب على المريد أن  يتأدب بشيخ ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبدا ، ويستشهد بقول أبي يزيد : من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان  » . كما يستشهد بقول الدقاق :  » الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس فإنها تورق ولكن لا تثمر « . فهذا الكلام يجعل العوام يشعرون بالإثم و الضلال ،لأنهم لا شيوخ لهم ، وأنهم أتباع الشيطان . وينصح صاحب الرسالة المريدين  بالخروج على العلائق ،وأولها الخروج عن المال، ثم الخروج عن الجاه وهو سم قاتل ،  لأن ذلك  يميل بهم عن الحق . وهذه دعوة  صريحة لإخماد البشرية فيهم ، والتي أساسها ممارسة الحياة التي وجدت لاختبارهم. وينصح صاحب الرسالة المريدين بعدم الخروج عن الشيوخ في كل ما يشيرون به عليهم ، وألا يعترضوا بقلوبهم عليهم . ويقول : « على المريد أن يحفظ سره  حتى عن زره إلا عن شيخه ، ولو كتم نفسا من أنفاسه عن شيخه فقد خانه في حق صحبته ، ولو وقع له مخالفة فيما أشار عليه شيخه ، فيجب أن يقر بذلك بين يديه في الوقت، ثم يستسلم لما يحكم به عليه شيخه عقوبة له على جنايته  ومخالفته ، إما بسفر يكلفه ، أو أمر يراه ، ولا يصح للشيوخ التجاوز عن زلات المريدين لأن ذلك تضييع لحقوق الله تعالى ، وما لم يتجرد المريد عن كل علاقة لا يجوز لشيخه أن يلقنه شيئا من الأذكار  » فهذا الكلام يجعل الشيوخ في مرتبة الذات الإلهية ـ تعالى الله عما يصفون ـ  بحيث لا يستطيع المريدون كتمان شيء عنهم  تماما كما أنهم لا يكتمون الله حديثا . وشيوخ  بهذه المواصفات لا شك أنهم  يتصرفون في المريدين تصرف الأسياد في العبيد حتى لا نقول  تصرف  الخالق سبحانه في المخلوقات ـ تعالى الله عن  كل تشبيه ـ  .  وينتبه صاحب الرسالة إلى مشكلة الاعتقاد بعصمة الشيوخ  فيستدرك بفصل يقول فيه :  » ولا ينبغي للمريد أن يعتقد في المشايخ العصمة مع حسن الظن بهم  »  . وفي هامش الرسالة تمييز من المحققين  أحمد العناية ،ومحمد الاسكندراني مفاده  أن الشيوخ محفوظين وغير معصومين ، والفرق بين العصمة والحفظ أن العصمة تمنع من جواز وقوع الذنب  ، والحفظ لا يمنع منه ، ومع ذلك فالشيوخ لا يقدح زللهم في قواعد الدين . ومن نصائح صاحب الرسالة للمريدين فيما بينهم  قوله  » ويجب على المريد في صحبته مع الفقراء أن يكون أبدا خصمهم على نفسه، ولا يكون خصم نفسه عليهم ، ويرى لكل واحد منهم عليه حقا واجبا ، ولا يرى لنفسه واجبا على أحد ، ويجب ألا يخالف  المريد أحدا وإن علم أن الحق معه ، يسكت ويظهر الوفاق لكل أحد » وهذا الكلام  يبين كيف  يجرد المريد من كل  إرادة  حتى أنه  يمكن أن يستسلم للباطل  وهو على حق ،لأن ذلك من شروط الانتماء الطرقي. وينصح صاحب الرسالة المريد بأن  يرحل طلبا للمشيخة ، فيقول :  » ومن أحكام المريد إذ لم يجد من يتأدب في موضعه أن يهاجر إلى من هو منصوب في وقته لإرشاد المريدين ثم يقيم عليه ولا يبرح سدته إلى وقت الإذن «   وهذا كلام  يدل على  ضرورة خضوع المريدين لإرادة الشيوخ في الإقامة والرحيل وما يتعلق بذلك من أحوال المعاش  . ويقول صاحب الرسالة :  » ومن خذل بترك حرمة الشيوخ فقد أظهر رقم شقاوته  » . هذه نماذج من أساليب  استدراج الناس إلى عوالم الطرقية  الساحرة . فكل من طمع في اكتشاف  هذه العوالم   الباهرة حيث الوصال مع الذات الإلهية ، فعليه أن  يعطل إرادته ، وعقله  ، ويسلس القياد للشيوخ في كل أمر ، ويكشف لهم عن خائنة  عينه وما يخفيه صدره وإلا كان خائنا . وعليه  بنكران ذاته ، ولا يرد للشيوخ طلبا خصوصا ،وأن لهم الحق في معاقبته كما يشاءون ، وبما يشاءون  .  فعندما تكون هذه هي شروط الانتماء  للطرق فكيف لا  يعبث العابثون من أمثال  مدعي المهدوية وغيره بالمغفلين ، فيتصرفون في أموالهم وحتى في أعراضهم وأجسامهم ،لأنهم يقايضون كل ذلك  بولوج عوالم  الوصال الساحرة الباهرة التي تحصل بسبب خمود البشرية ، واشتعال غيرها ؟ فالله تعالى خلق البشر لاختبارهم في بشريتهم ، والطرقية تتنكر للبشرية ، وتريد خلاف ما أراد الله تعالى . ولقد اجتاز رسول الله صلى الله عليه وسلم اختبار البشرية  بنجاح ، ولم يستنكف أن يكون بشرا، في حين يتحدث أصحاب الطرق عن خمود هذه البشرية . ولم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال كما  تطالب بذلك الطرقية،  بل  استعمل المال  في بناء المشروع الإسلامي العظيم ، وجعل الله تعالى المال جزءا من العبادة التي تعبدنا بها . فالطرقية تدعو المريدين إلى  تعطيل الاختبار والابتلاء من خلال إخماد البشرية فيهم . وأخيرا أقول لكل من  يسلس القياد لشيوخ الطرقية أن  يراجع  قواعد اللعبة بعقل أودعه الله تعالى فيه ، وأن يلتزم عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعيدا عن خرافات وأوهام الشيوخ  الذين  يعانون من عقد تضخم الأنا البشرية  ، والتنكر للبشرية التي هي قدر قدره الله عز وجل على بني آدم ، ولم  يطلب منهم أن يكونوا ملائكة كراما . وعن طريق الطمع في عوالم الطرقية الساحرة  يتخلى الناس عن عقولهم ، ويتم العبث بهم، وبأموالهم، وحتى بأعراضهم عند السفهاء من الشيوخ كما هو حال مدعي المهدوية الذي ظهر مؤخرا وهو الذي تربي  بين أحضان شيوخ الطرقية  . اللهم بصر عبادك  بالحق المبين وبالصراط المستقيم  الذي جعلته في كتابك المجيد وسنة نبيك المصطفى الكريم .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *