Home»Enseignement»رد الاعتبار للمدرسة العمومية شرط أساسي لتحقيق الجودة وكسب رهان التنمية

رد الاعتبار للمدرسة العمومية شرط أساسي لتحقيق الجودة وكسب رهان التنمية

1
Shares
PinterestGoogle+

 

يعتبر الميثاق الوطني للتربية والتكوين الوثيقة المرجعية للإصلاح الذي عرفته المنظومة التربوية خلال العشرية المنصرمة ، واعتبارا لكونها تعد أرضية مشتركة بين مختلف الفاعلين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية ، فقد حقق نوعا من الإجماع على مستوى التصورات والمقاربات بين مختلف مكونات الحقول السالفة الذكر ، وبالرغم من كونه لم يتوقف ولو للحظة وجيزة للقيام بقراءة نقدية للإصلاحات السابقة وفي مقدمتها إصلاح 85 من أجل رصد الاختلالاتبغية أن لا يفسر الاختيار البيداغوجي ( المقاربة بالكفايات )بانحياز واضح لوصفة جاهزة ، فإنه لا يمكن لأي فاعل تربوي أن ينكر ما تحقق من إنجازات خصوصا مع البرنامج ألاستعجالي الذي أعطى نفسا جديدا للإصلاح بعد رصده ميزانية وصفت بالضخمة ولا شك أنها انعكست إيجابا على مستوى تأهيل المؤسسات من حيث البنية التحتية أو مدها بالتجهيزات الضرورية ، لكن ما يمكن تسجيله هو أن الإصلاح لم يطل بعد المطالب الاجتماعية المتجددةخصوصا إذا استحضرنا الخريف عفوا الربيع الذي أصبح عنوان المرحلة التي يعيشها المحيط الإقليمي والتي تمكن وطننا العزيز من تجاوزها بفضل حكمة صاحب الجلالة وتبصر كل الفاعلين السياسيين وكافة المواطنين. أما الإشكال الثاني والذي يهمنا بدرجة كبيرة من وجهة نظرنا التربوية هو أن الإصلاح لم يصل بعد إلى باب الفصل الدراسي ليبقى الفعل التربوي بهذا الأخير غارقا في التقليدانية التي عفا عنها الدهر ، هذا علما أن الوثيقة المرجعية التي تعد الخلفية النظرية للإصلاح أقرت بالوضوح البيداغوجي الذي فرض ويفرض مستلزماته وعقلانيته ( المقاربة بالكفايات)على الجميع من حيث هو تصور يتم من خلاله تحديد مواصفات المتخرج من كل سلك دراسي على عكس الإصلاحات السابقة التي كانت توصف بالاختزالية والفوقية والضيقة بل والغامضة ، حيث كان البيداغوجيون يفرضون بيداغوجيتهم ليقولوا بالقطع معها مع إصلاح جديد .

 

فإذا كان الميثاق لا يفتقر إلى إجماع النخب بمختلف أطيافها ، من سياسية ، اقتصادية، ثقافية و و و سلط معرفية فإن الاختلال المرصود يمكن مرده إلى إشكالية الأجرأة( طبقا لمقولة ما اتفقت أمتي على ضلال ) . هذهالأجرأة التي لم تتمكن بعد من رد الاعتبار للمدرسة العمومية ولدورها ووظيفتهاالشيء الذي يجعل صورتها وصورة العاملين بها مخدوشة في نظر المجتمعمما يجعل عقلية الزجر والعقاب تسود مهما كانت الأخطاء بسيطة علما أن الخطأ هو إنساني بالدرجة الأولى ، وبالدرجة الثانية لا وجود لتصور علمي يصف الفكر بالنهائية بالمطلق وإنما نقرأ في فلسفة النفي عند باشلار أن تاريخ العلم هو تاريخ أخطائه ، في حين يقابل الكد والاجتهاد والإبداع والابتكار بالتجاهل .

 

واعتبارا لإشكالية رد الاعتبار للمدرسة العمومية فإنه آن الأوان لمعالجتها اعتبارا أن المنظومة التربوية هي المرآة التي تعكس تطور المجتمع وتحضره ، وأي تفريط فيها هو تفريط في حاضر الأمة ومستقبل البلاد خصوصا وأن زمن العولمة الذي نعيشه لا يؤمن سوى بالمنظومات التربوية المواكبة لعصر العلم والمعرفة والتكنولوجيا ، وفي هذا الباب فهو زمن ليس لنا فيه اختيار الانخراط فيه من عدمه

 

إن رجل التعليم والمتعلم هما الركيزتان اللتان تشكلان المعادلة الصعبة في أي إصلاح أو تغيير ،إذ أن غياب تصور واضح لمواصفات الأستاذ وتضخم الخطاب البيداغوجي ، والاستدعاء لتكوينات شكلية ومختزلة إلى حد أقصى ولا تجد أثرا لها على مستوى الواقع أو الممارسةالصفيةهذا فضلا عن الوضعية الاجتماعية للعديد من فئات رجال التعليم والعاملين بالقطاع الذين لو استمعنا إلى نبضهم لأصابنا الخجل والتخوف من النتائج المنتظرة . فإذا كان كاستون باشلار يقر بأن عمر العلم يقاس بعمر أدوات القياس فإن عمر السياسات التعليمية والإقتصادية و… ينتهي بالهزائم وهنا تتجلى حكمة التاريخ حيث إن الفكر الذي لا يتطور لا يمكن أن يعيش ، وبما أن الفكر التربوي يشتغل ضمن واقع متحرك ، فهو الأكثر تأثيرا وتأثرا بالتطور الذي يعرفه الواقع، بل والأكثر استقبالا لمكر التاريخوإذا استعرنا المنهج الديكارتي في التعبير أضحى بوسعنا القول : إن الكائن التربوي الذي لا يفكر كائن غير موجود

 

عملا بالكوجيطو الديكارتي : أنا أفكر إذا أنا موجود .

 

تأسيسا على ما سبق يمكن الإقرار أنه لا عيب لحد في الان في المرجعية الأساسية للإصلاح ( الميثاق الوطني للتربية والتكوين ) بل الإشكال الأساسي يكمن في أجرأته بكيفية عقلانية ترتبط بالمبادئ والمرتكزات الأساسية دون تكييفها مع قواعد الفعل السياسي المتأرجح حتى لا تعكس منطلقاته وشعاراته هذا التأرجح ، هذا لأن الشعارات السياسية ظلت حبيسة بالوعي المطلبي . وإذا كانت لهذا الوعي أهميته فإن منطلقاته وإن كانت شعبويه تبقى لوحدها قليلة الفاعلية وتفرغ الفكر التربوي من حيويته الشيء الذي يستعصي معه حل معادلة رد الاعتبار للمدرسة العمومية التي اهتزت صورتها بالرغم من الأموال الطائلة التي صرفت من أجلها ، بحيث إذا كان

 

الوعي المطلبي منفعل على الدوام فإنه حداثي المطلب وأصولي التفكير.

 

لعل أجرأة الميثاق الوطني بدءا من الكتاب الأبيض مرورا بالبرنامج ألاستعجالي وانتهاء ببرلمان التربية والتكوين ( المجلس الأعلى للتعليم ) اهتمت من خلال الانحياز الواضح لتبني المقاربة بالكفايات بتحديد مواصفات المتعلم بعد تخرجه من كل سلك دراسي لكن في المقابل تم إغفال الاهتمام بفاعلية المدرس إذ أن الإشكال المطروح يتجلى فيما إذا كان المدرس مطبوعا أم مصنوعا وهذه الإشكالية تمت محاولة الإجابة عنها من خلال رصد السمات التي تشكل شخصيات المدرسين بمختلف أنماطهم (السمات النفسية ، الانفعالية ، القدرات والمهارات المعرفية وطبيعة توظيف كل ذلك في الفصل ) والهدف من هذه الاشكالية هو الرغبة في تحديد ملامح

 

شخصية المدرس ، هذه الملامح التي يمكن أن تخلق أكبر إنتاجية في الفصل والمتجلية في تحصيل المتعلمين وتعلمهم بقدر أكبر . وفي الواقع أثبت عدة دراساتتلك العلاقة بين شخصية المدرس والنتائج المترتبة عنها على مستوى المتعلمين . والملاحظ أن في غياب تحديد بنية نظرية واضحة المعالم لتدبير الموارد البشرية يتم الاقتصار على تجريب فرضيات تفتقر في غالب الأحيان إلى العقلانية وتؤطرها هموم تطبيقية وتدبيريه تتجلى في اللجوء لسد الخصاص إلى المتعاقدينوالتوظيف المباشر وتقليص البنية و وو

 

الشيء الذي ينم عن عدم الانسجام بين مصالح الوارد البشرية التي تحدد المتوفر من الموارد البشرية والخريطة المدرسية التي يغلب عليها الطابع الرقمي والكمي لتبقى مصالح الشؤون التربوية مغيبة عن الموضوع بالرغم من كونه يندرج ضمن اهتماماتها . وللإشارة هنا لسنا ضد تشغيل العاطلين لكن ينبغي أن يتم وفقمقاربة تدبيرية معينة تضمن للمعنيين تكافؤ الفرص من جهة وتضمن لهم تكوينا متينا يؤهلهم للممارسة التربوية من جهة أخرى . فإذا كان من المستحيل توظيف معطلين حاصلين على الدكتوراه في البيولوجيا أو الكيمياءفي مجال الطب لأن الأمر يتعلق بصحة المواطن وحياته فإن مجال التربية والتكوين لا يقل أهمية عن المجال السالف الذكر لارتباطه الوثيق بالتنمية وبحاضر ومستقبل البلاد . في حين يلاحظ أن الاستقطاب للتربية والتكوين يتم بناء على مقابلات شكلية بعيدا عن المعايير العلمية كروائز البسيكوتيكنيك على سبيل المثال ، ليبقى السؤال المطروح هو : ما الهدف من التعليم ؟تراكم المعارف النافعة ؟ (لكن نافعة بأي معنى)أم تعلم كيفية التعلم ؟ ( تعلم الابتكار وإنتاج الجديد في أي ميدان واكتساب المعرفة ) ام تعلم المراقبة والتمحيص ؟ ام بكل بساطة تعلم الترديد والتقليد أ؟ أخيرا أم هدفه محو الأمية ؟ يبدو أن الإجابة عن هذه التساؤلات الفرعية وغيرها تتعلق بالأساس في

 

وضعية هيأة التدريس إزاء البحث ، والحواجز الاجتماعية التي تحول دون انكباب الأساتذة على البحث لتحصيل تلك المعارف الأولية

 

وأولى هذه الحواجز هو أن الحس المشترك قد يجهل بعض المشاكل المعقدة وبالتالي لا يدري أن فن التربية علم شديد الصعوبة نظرا لتعقد العوامل الفاعلة في مجاله .وثانيها إلزام الأستاذ باحترام البرنامج المسطر والمناهج التي تملى عليه بدل منحه الفرصة لتكوين متنه الخاص بالمعارف المختصة بميدانه وذلك على غرار الطبيب الذي يكون تابعا لكليته ولهيأته أكثر مما هو تابعلوزارة الصحة العمومية.

 

منهذا المنطلق باتت الضرورة ملحة لخلق معاهد للبحث التربوييؤطرها مختصون في المجال ويستفيد من خدماتها المدرسون

 

لتكون حافزا لهم للبحث والابتكار وتشكل مرجعا أساسيا للترقية الداخلية بالامتحان عوض المهزلة التي نعيشها الان والعهدة على مديرية التقويم ومديرها الأستاذ الفاضل الساسي إذ كيف يعقل أن يفوز في إقليم بكامله أستاذ واحدواجتاز المباراة عدد كبير من المديرين والأساتذة ( نيابة تاوريرت نموذجا ) في السلك الابتدائي في حين أن النيابات الأخرى في ربوع المملكة تحصد النتائج بالمئات

 

وللتذكير ليست المرة الأولى التي تكون فيها النتائج هزيلة بالنسبة لنيابة تاوريرت ، بينما نيابة تازة مثلا تجدها في مقدمة الترتيب

 

مما يدفع الكل بالتساؤل عن تفسير لهذه الظاهرة فما دام يتعلق الأمر بامتحان الكفاءة ، فهل هذا يعني أن هناك إقليم يتمتع أساتذته بالكفاءة وهناك أساتذة إقليم معين يفتقرون لهذه الكفاءة ، وهل تعمل المديرية المعنيةعلى تمكين المعنيين من النقط المحصل عليها رفعا لكل التباس في زمن الشفافية ( أشير هنا أنني لست معنيا بهذا الامتحان حيث إنني مرتب بالدرجة الأولىالسلم 11 منذ ثلاث سنوات ربما صادفني الحظ ، لكن ترقيتي من الدرجة 3 إلى الدرجة 2 فتمت عن طريق الشهادة) وللإشارة فقد سبق لرجال التعليم بنيابة تاوريرت ( أساتذة ومديرون ) أن قاطعوا امتحان الترقية الداخلية لدورة 2010 بغية لفت الانتباه لرد الاعتبار لهيئة الإدارة والتدريس على السواء بهذا الاقليم حيث بات واضحا أن هذه المباراة لا تمت بصلة للموضوعية المتوخاة .

 

وما دمنا بصدد الحديث عن رد الاعتبار للمدرسة العمومية وللعاملين بها نطرح إشكالا آخر من بين رزنامة الإشكاليات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف ويتعلق الأمر بإشكالية تعدد الكتاب المدرسي إذ في وقت معين تعالت العديد من الأصوات داعية إلى التعدد لكن لما استبشرت أسرة التربية والتكوين خيرا بتنفيذ هذا المطلب خدمة للفعل التربوي وانسجاما مع خصوصيات كل منطقة على حده سرعان ما فوجئ الجميع بأن الأمر يتعلق بالواحد المتعدد حيث طغيان المنطق الاقتصادي ( الربح والخسارة ) المفروض من قبل دور النشر على حساب الجودة المرفوعةكشعار وهكذاانطلق المسئولون عبر التراب الوطني لتفسير هذا الاختيار وتوزيع الغنيمة بالقفز على اختصاصات مجالس المؤسسة وجعل وجودها صوري ليس إلا ،وهكذا قيل لهذه المؤسسة باعتماد مرجع المفيد وتلك باعتماد المنار و و ووهكذا دواليك وتوالت التعليمات وما على الأساتذة والمؤسسات ومجالسها إلا التنفيذ في الوقت الذي ينص فيه الميثاق الوطني صراحة باستقلالية المؤسسة دون إغفال ربط المسؤولية بالمحاسبة .

ختاما نعتبر أنما تطرقنا إليه من نقاط التي تشكل غيضا من فيض من شأن فتح نقاش حولها أن يعيد للمدرسة العمومية مكانتها الاعتبارية .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *