كل إصلاح لا ينطلق من الاهتمام بتربية المرأة على ضوء الكتاب والسنة مصيره الفشل المحتوم
كل إصلاح لا ينطلق من الاهتمام بتربية المرأة على ضوء الكتاب والسنة مصيره الفشل المحتوم
محمد شركي
وجه لي فضيلة الأستاذ المحترم الدكتور الأخضر أبو علي عضو المجلس العلمي المحلي لمدينة بركان مشكورا مأجورا دعوة كريمة لحضور أمسية ضمن أيام الأسبوع الثقافي السنوي الذي تنظمه مدرسة الإمام مالك لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة أحفير. ولقد خصصت أمسية اليوم الأحد 11/03/2012 لسماع وصلات شعرية تشرفت بإلقائها بين يدي جمهور هذه المدرسة الرائدة . ولقد ميز هذا الجمهور الحضور المكثف للعنصر النسوي، خصوصا وأن شعار الأسبوع الثقافي هو : « المرأة وحفظ كتاب الله عز وجل « . ولقد علمت من فضيلة الأستاذ الداعية السيد الخضر أبوعلي أن عدد الحافظات لكتاب الله عز وجل قد تجاوز المائة حافظة بمدينة أحفير التي لم تكن بها حافظة واحدة قبل انطلاق مشروع هذه المدرسة المباركة . ولقد روى لي فضيلته كيف تمت مواجهة هذا المشروع الرائد عند انطلاقه من طرف جهات لا يمكن إلا أن تنعت بأنها جهات تقف في وجه النهوض بالمرأة الأحفيرية التي قررت رفع التحدي ضد الأمية والجهل . ولقد اختارت هذه المرأة المعروفة تاريخيا بتمسكها الشديد بمكارم الأخلاق ، وبأصول الحشمة والحياء والوقار المقتبسة من ديننا الإسلامي الحنيف أن تعود إلى هذه الأصول عن وعي بعدما كانت ترتبط بها عن فطرة وعادة . اختارت المرأة في مدينة أحفير على الحدود الشرقية للوطن بناء مجدها على أساس الوحي ، فشمرت لحفظ لكتاب الله عز وجل ، واجتهدت في ذلك وفق قواعد الحفظ والضبط المطلوبة في التعاطي مع كتاب الله عز وجل . ولقد برعت في حفظ كتاب الله تعالى ، وصار الحفظ بين الإناث في هذه البلدة الطيبة موضوع تنافس . فإذا ما كانت النساء في جهات أخرى تتنافس الدنيا وزينتها ، فإن النساء الأحفيريات يراهن على المشروع الإسلامي الحضاري البناء من خلال حفظ كتاب الله عز وجل الموجه لكل خير. وأنا أتابع حديث فضيلة الداعية السيد الأخضر أبو علي عن تجربة النساء القرآنية في مدينة أحفير، استحضرت موضوع الإصلاح الذي هو حديث الساعة ، بعد انطلاق الربيع المغربي المناهض للفساد . والحقيقة أن كل إصلاح لا يبدأ من نواة المجتمع التي هي الأسرة ، وتحديدا من قطبها الذي هو المرأة يكون مصيره الفشل . فلو استقصينا الفساد الذي نخر ولا زال مجتمعنا لوجدنا أن سببه هو فساد أصاب نواة المجتمع ، وأصاب تحديدا قطبها المركزي ألا وهو المرأة . فالمرأة هي صانعة المجتمع تصنع الرجال والنساء على حد سواء صناعة خاصة. وهذا الأمر لا يماري فيه إلا جاهل أو متجاهل لدور المرأة أو منكر له . لقد تربى نبي الله موسى عليه السلام في بيت آسية زوجة الفرعون المؤمنة التي لقنت موسى عليه السلام مكارم الأخلاق قبل أن يتحمل الرسالة . والحقيقة أن تربية موسى كانت صناعة إلهية سخر الله تعالى لها المرأة الفاضلة آسية زوجة الفرعون الطاغية . فكم من بيت طاغية قيض الله تعالى له امرأة صالحة ، فكانت مفتاح الخير الذي غلّق أبواب الفساد والشر. والبيوت في كل عصر ومصر لا تخلو من نماذج الفراعنة الصغار أو الكبار الذين يعيثون في الأرض فسادا ، ومع ذلك يهيء الله عز وجل لهذه البيوت النساء الفاضلات اللواتي يشعن التربية السليمة في الناشئة الصالحة ، والتي تكون رأسمال المجتمع الصالح ،الذي يلعب الدور الرائد في إصلاحه بعد فساد. فإذا كان عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ، فإن المرأة التي تعد هذا العالم هي أشد على الشيطان من ألف عابد أيضا. وعندما تختار المرأة النهل من كتاب الله عز وجل مباشرة ، فإنها تختار تربية الأجيال على الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها . وشأن المرأة التي تعتمد القرآن الكريم مرجعية لتربية الأجيال شأن تلك التي تفضل أن ترضع أبناءها ألبانها عوض الألبان المصنعة ، فشتان بين المرضعتين الأولى تمد رضيعها بالخلايا الجذعية الحاملة للخصائص والجينات ، والثانية تكتفي بمجرد تغذيته. ولقد هز مشاعري ما رواه لي فضيلة الداعية الأستاذ الأخضر أبو علي بخصوص حفل أقيم لطفل نابغة بمدينة بركان صبيحة هذا اليوم بمانسبة ختمه حفظ موطأ الإمام مالك رحمه الله ، وعمره لا يتجاوز الحادية عشرة. إنه الطفل أسامة ، وهو اسم على مسمى ، إنه هزبر الحفظ ، وهو مفخرة مدينة بركان في زمن موات ذاكرة المتعلمين في مؤسساتنا التربوية التي لا زال يتعاقب على وزارتها الوزراء في سلسلة إصلاحات ضالة ، ويجرم اللاحق منهم السابق ، ويلعن بعضهم بعضا . إن الذي جعل الطفل أسامة نابغة ـ حفظه الله من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ـ أبواها وبالأخص أمه الفاضلة التي أرضعته النبوغ، كما أرضعته ألبانها . إن إصلاح ذاكرة ناشئتنا التي أفسدتها برامجنا التربوية الفاشلة لا يمكن أن يتم إلا عبر الأسلوب الذي نهجته أم أسامة مع ولدها فارس الحفظ في سن الحادية عشرة . ولا يمكن أبدا أن نصلح مجتمعنا من خلال أسلوب تخلي النساء عن أبنائهن لغيرهن من مربيات الرياض المضطرات لطلب عيشهن ، واللواتي لا يعنيهن أمر الناشئة بقدر ما يعنيهن طلب العيش . ولا يمكن أن نصلح مجتمعنا أيضا عن طريق ترك الناشئة لتربية الشوارع ووسائل الإعلام . إن أم أسامة قد أعدت نفسها أولا بكتاب الله عز وجل ، وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، ثم نقلت الإعداد إلى شبلها . ولو كانت مشغولة بالمسلسلات ، وبرامج الطبخ ، وبرامج الموضات والتقاليع ، والغياب عن بيتها ، لما استطاع شبلها أن يختم موطأ الإمام مالك في حين لا يستطيع أقرانه في مثل سنه أن يحفظوا قطعة محفوظات ذات أبيات تعد على رؤوس الأصابع .ولقد اقتدت أم أسامة بأم الإمام مالك رحمه الله تعالى ، فأعطت حافظا واعدا بالخير الكثير. وأخيرا أؤكد مرة أخرى بأن كل إصلاح لا ينطلق من الاهتمام بتربية المرأة على ضوء الكتاب والسنة فمصيره الفشل المحتوم . وستعد نساء مدينة أحفير وبركان ، وكل مدينة تختار نساؤها المرجعية القرآنية أبطالا يقودون مسيرة الإصلاح التي تحلم بها الأمة بعد ديجور الفساد المقيت .
Aucun commentaire