Home»National»فضول أهل الزوجين سبب مباشر في خراب العلاقة الزوجية

فضول أهل الزوجين سبب مباشر في خراب العلاقة الزوجية

0
Shares
PinterestGoogle+

 

فضول أهل الزوجين سبب مباشر في خراب العلاقة الزوجية

محمد شركي

من المعلوم في عقيدة الإسلام أن  العلاقة الزوجية هي آية من الآيات الدالة على وجود الله عز وجل وعلى نعمه على خلقه لقوله تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )) . فما من نفس إلا وخلق الله تعالى لها  النفس التي تسكن إليها . وكلمة نفس في العربية تدل على الجسد والروح معا . والسكينة بين الزوجين  إنما مصدرها المودة ، وهي الحب في أعلى مراتبه حتى يتحول هذا الحب الكبير إلى رحمة ،  وهي عبارة عن رقة مؤلمة تعتري صاحبها فتحركه إلى قضاء حوائج من يحب . وبناء على ما أودع الله عز وجل  من مودة ورحمة في العلاقة الزوجية ، فإنها لا يمكن أن تنفصم عن المودة والرحمة ، وتتحول إلى بغضاء وشدة. وكل علاقة زوجية لم تؤسس وفق إرادة الله عز وجل ، فمصيرها الاضمحلال، لأنه ما كان لله دام واتصل . ووجود الله عز وجل كطرف ثالث يشهد على العلاقة الزوجية وفق ضابطي المودة والرحمة ، وفي إطار الإيمان ، يجعل هذه العلاقة مقدسة ، وبالتعبير القرآني هي ميثاق غليظ . ومن المؤكد أن الميثاق الغليظ من المستحيل أن تنفصل عراه. وما نعت الطلاق في دين الله عز وجل بأبغض الحلال إلا  لأنه  انفصام للميثاق الغليظ الذي لا يجوز فيه انفصام . وكان من المفروض أن نعت الطلاق بأبغض الحلال في دين الإسلام  يجعله عند المسلمين مبغضا ، ولا يشيع فيهم كما هو واقع حالهم اليوم . ولقد أخبرني أحد الإخوة العدول أن  نسبة  أبغض الحلال فينا قد ارتفعت بشكل  يثير القلق الكبير ،لأن الأزواج لم  يعد لديهم وعي بحقيقة الميثاق الغليط . ولا يكاد عش زوجية يبنى حتى  يزول سريعا . ونسبة الطلاق خلال  فترة مرور سنتين أو يزيد بقليل هي النسبة العالية حسب شهادة الأخ العدل. ولما سألت العدل عن سر تفشي ظاهرة الطلاق فينا ، أخبرني بأن أكبر سبب هو  تورط أهل الزوجين الفضولي في حياتهما. وكلمة فضول تمت بصلة إلى الفضل وهو الزيادة. وفضول أهل الزوجين عبارة عن تجاوز لما ينبغي لهم من تدخل في حياتهما . فالزوجان بموجب شريعة الإسلام  مسؤولان  عن  علاقتهما الزوجية التي  لا تنعقد إلا بشرط العقل والبلوغ . ولا يعقل أن يظل الزوجان البالغان العاقلان تحت وصاية أهلهما وهما في بيت الزوجية . والقرآن الكريم  حد حدود علاقة أهل الزوجين بهما إذ قال الله تعالى : ((  وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ))  فالنسب هو القرابة ، والنسيب هو القريب  والمماثل والمشاكل.  والمصاهرة هي القرابة أيضا من فعل صهر إذا قرّب وأدنى ، ويدل هذا الفعل أيضا على الإذابة . فالله عز وجل  قرب وأدنى بين الناس عن طريق العلاقة الزوجية حيث  يصير الناس أنسابا وأصهارا يزوج بعضهم بعضا أو يصهرون إلى بعضهم. وعن طريق علاقة الزواج يصير للإنسان أهل جدد ، من فعل أهل  إذا أنس . وتبدأ دائرة الأهل بالعلاقة الزوجية وما يترتب عنها من نسل، فيقال أهل الرجل لزوجته وأبنائه ، ثم يصير أهله  كل من تربطه بهم علاقة المصاهرة والنسب  بسبب علاقة الزواج . ويسمى أهل الرجل الذين يعولهم وهم الزوجة والأبناء عائلة . والأسرة ربما سميت كذلك لأن علاقة الرجل بأهله أو بعائلته تأسره أي تلزمه . وعلاقة النسب أو المصاهرة   لا بد أن تفضي إلى التقارب والتآلف لا إلى التنافر وصدق المثل القائل :  » القريب من تقرب لا من تنسّب  » أي من تقرب بالمودة المفروضة في العلاقة الزوجية لا من انتسب  فقط . ولا يبيح القرآن الكريم لأهل الزوجين التدخل في حياتهما إلا من أحد الوجوه وهو ما جاء في قوله تعالى : (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا )) فعلم الله تعالى وخبرته ، وهي العلم بما خفي اقتضت أن يكون دور أهل الزوجين هو التحكيم  في حال الخوف من وقوع الشقاق ، من فعل شقّ  أي قطع إذا تعلق الأمر بالمحسوس ، وهو الفراق أو الطلاق عندما يتعلق الأمر بالمعنوي  وهو توتر العلاقة الزوجية . والحكم الوارد  الذكرفي الآية الكريمة هو القاضي أو الفاصل أو المنفذ للحكم ، والمطلوب في حكمه أو قضائه هو أن يقضي بشرع الله عز وجل بين الزوجين، أي بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقضي بهواه . ومعلوم أن تحكيم الأهواء وهي متضاربة بالضرورة بين أهل الزوجين لا تنهي شقاقا ولا تمنعه ،بل تكون سببا مباشرا في حدوثه . والتزام أهل الزوجين بدور التحكيم أمر مفروض ، وتجاوز هذا الدور هو فضول ممنوع ، وهو حشر أهل الزوجين لأنوفهم فيما لا يعنيهم من أمر الزوجين . وسبب فضول أهل الزوجين  يعود إلى سابق العلاقة  العاطفية مع أبنائهم وبناتهم حيث يلتحق الزوجان ببيت الزوجية وعاطفة أهلهما تطاردهما ـ إن صح التعبير ـ  وتصطدم  عاطفة أهل الزوجين بالمودة التي أودعها الله عز وجل  في العلاقة الزوجية ، ومن ثم ينشأ الصراع بين عاطفتين  تشتركان في هدف واحد . وعاطفة أهل الزوجين إذا ما انتقلت إلى أحدهما فبواسطة العاطفة السابقة إذ قد  ينتقل حب أهل الزوج على سبيل المثال إلى زوجته حبا فيه ، وليس حبا فيها  ، وكذلك شأن حب أهل الزوجة  مع زوجها. وإذا ما وجدت عاطفة بين أهل الزوجين فيما بينهم كأصهار ، وهي نادرة في الغالب بسبب الصراع العاطفي الذي أشرنا إليه، فإنها تكون عبر التعاطف  مع الزوج أو الزوجة ليس غير. ومعلوم أن الأبوة والأمومة والأخوة  تطبعها المبالغة في المحبة ، والمبالغة زيادة أو فضل أو فضول . وقد تكون مبالغة أهل الزوجين في حبهما سببا في فضولهم أو تدخلهم في حياة الزوجين ، والتأثير عليها سلبا  مع أن الدافع هو المبالغة في المحبة . ومن الظواهر السلبية في مجتمعنا المغرب الذي لا يتشرب الإسلام حقيقة ، ويخلط بين العادة والدين في الغالب  ، بل يتعصب للعادة أكثر مما  يميل إلى الدين حرص الأسر على استنساخ نماذجها  وتكرارها كلما بني عش زوجية جديد، حيث  يصر أهل الزوجين على فرض  نمط عيشهم وطريقة حياتهم على الزوجين الجديدين . ونظرا لاختلاف النماذج وتضاربها ، ينعكس صراعها على الزوجين الجديدين ، ولا يسمح لهما ببصم علاقتهما الزوجية بما يروقهما . ومع أن الله عز وجل ميز كل إنسان ببصمات مادية في  أصابعه  ، كما أنه بصمه بصمات معنوية في  شخصيته ، فإن أهل الزوجين يتجاهلون ذلك أو يجهلونه ،فيلحون على أن يكون الزوجان نسختين مطابقتين لهم . ومما  سمعته يوما من أحد الظرفاء أن الرجل المغربي ، والمرأة المغربية تنطلق حياتهما الزوجية بتعدد معنوي ،قوامه أن الرجل يرتبط بأم زوجته ، والمرأة ترتبط بوالد زوجها، حيث لا يجد الرجل في زوجته سوى نسخة طبق الأصل لأمها ، في حين لا تجد الزوجة في زوجها سوى صورة طبق الأصل لوالده . وقد تختلط النسخ أو يتعقد الاستنساخ،  فيحصل تعدد من نوع غريب، وشاذ حيث  تجد الزوجة في زوجها نسخة طبق الأصل لأمه ، أو يجد الزوج في زوجته صورة طبق الأصل لوالدها . ويوجد في الغالب استعداد كبير لدى الزوجين معا لإعادة إنتاج نموذج أبويهما . ومن الظواهر الشائعة عند المغاربة خاصة ، والعرب عامة تعليق صور أهل الزوجين في غرفة النوم ،مما يعني رغبتهما في حضور أهلهم معهم حتى في غرفة النوم .  وهكذا تتعطل آراء وأذواق الزوجين أمام هيمنة أذواق أهلهما . والويل كل الويل للزوجين إن تنافرت الأذواق ، وتباعد الآراء بين أهلهما . ونأمل في آخر هذا المقال أن يتنبه أهل الزوجين إلى خطورة فضولهم  وحشريتهم ـ نسبة إلى حشر أنوفهم فيما لا يعنيهم  من الحياة الزوجية للزوجين . وأن يتنبهوا إلى تهافت فكرة استنساخ تجربتهم وتجريبها على الزوجين  ، ومعاملتهما كحقلين للتجارب عوض فسح المجال لهما لتحقيق الذات بشكل سليم وصحيح  كما أراد الله عز وجل في علاقة قوامها المودة والرحمة .

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عكاشة أبو حفصة
    22/02/2012 at 15:12

    في البداية أشكركم أستاذي الفاضل على هذا الموضوع الهام الذي تطرقتم من خلاله الى فضول أهل الزوج والزوجة وحشر أنفسهم في الحياة الخاصة منذ الخطوة الأولى لمشروع الزواج . ففضول الأهل ليس متكافئ بين أهل الزوج والزوجة ففي نظري الضيق طبعا ارى أن أسرة الزوجة هي من تتدخل في حياة الزوج وزوجته باعتبار أن الزوجة تنتقل للعيش مع الزوج في بيت أسرته كما هو معمول به في مجتمعنا والقليل منهم من يفضل الإنتقال للعيش مع أهل زوجته عن طيب خاطر أو تحت ضغط الزوجة و اهلها. فإذا فضل الزوج هذه الخطوة فغالبا من نرى أن أهله يتركونه وشأنه عكس أهل الزوجة الذي يفضلون التدخل في كل كبيرة وصغيرة ومحاولة تسيير حالتهما الزوجية عبر آلة التحكم عن بعد ; والزوجة التي تنصهر مع هدا التدخل غالبا ما تؤدي الثمن غاليا. فإدا كان موضوع اليوم فضول أهل الزوجين سبب مباشر في خراب العلاقة الزوجية ماذا عن اليتامى ؟ … ألتمس منكم اتباع موضوعكم هذا بالحديث عن محاولة الصلح والتي اعتبرها في نظري الخاطئ انها مجرد ديكور خاصة في الطلاق لاجل الشقاق . ثم عن الأطفال ما بعد الطلاق المحرومون من حق الزيارة. لان من يدفع ضريبة أبغض الحلال عند الله هم الأطفال الذين يحرمون من شق العاطفة الثاني و الأساسي . وهل من كلمة توجيه للحاضن أو الحاضنة الذي يعمل جاهدا من أجل حرمان الطرف الآخر من حق الزيارة وحتى من القبلة او من الهدية .
    أشكركم أستاذي واتمنى منكم الإكثار من مثل هذه المواضيع التي تهم المجتمع ككل و السلام عليكم ورحمة الله.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *