Home»Enseignement»التوجيه التربوي: الاختيارات والقرارات

التوجيه التربوي: الاختيارات والقرارات

0
Shares
PinterestGoogle+

التوجيه التربوي: الاختيارات والقرارات

بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس. بتاريخ 18 فبراير 2012؛

تقديم:

يجمع المتتبعون والمهتمون بمنظومة التربية والتكوين على أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين يعد  مرجعا إيجابيا وأساسيا من حيث الجوانب التي تناولت نظام التوجيه التربوي والمهني في دعامته السادسة المؤطرة للعمليات الإدارية والتربوية للتوجيه التربوي والمهني، حيث يعبر عن وجود إرادة تربوية وسياسية للنهوض بهذا القطاع الحيوي، حتى يسهم في تحقيق تنمية تربوية واقتصادية واجتماعية مستدامة.

وانطلاقا من الفلسفة التربوية التي تبناها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فقد أولى أهمية كبرى للتوجيه التربوي والمهني، حيث صرح، في الدعامة السادسة، بأن « التوجيه جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين، بوصفه وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول وملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية والمهنية… ».

كما أوصى الميثاق الوطني للتربية والتكوين على أنه « يستبعد العمل بنسب النجاح المحددة مسبقا كشرط للانتقال من سلك تربوي إلى آخر ». و » يستند تدرج المتعلمين إلى استحقاقاتهم فقط، بناء على تقويم مضبوط وعلى اختياراتهم التربوية والمهنية… ».

وبعد ما لا يقل عن عشر سنوات، وبعد تشخيص الواقع التربوي والتكويني، تم وضع برنامج استعجالي طموح، يمتد على مدى أربع سنوات، ويعتمد الميثاق الوطني للتربية والتكوين مرجعا أساسيا ومنطلقا للإجراءات والتدابير المعتمدة، تتغيى تسريع وتيرة إصلاح منظومة التربية والتكوين، فخص التوجيه التربوي بالمشروعE3P7   « وضع نظام ناجع للإعلام والتوجيه »، من أجل تمكين التلميذ من وسائل التوجيه نحو تكوين يتماشى مع ميولاته. كما خص نظام التقويم التربوي بالمشروع   E1P11    » تحسين نظام التقويم والإشهاد »، الذي يهدف إلى تحسين جودة التعلمات وضمان مصداقية وموثوقية الشواهد.

وهكذا يتبين أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكذا البرنامج الاستعجالي أوليا اهتماما بالغا للتوجيه التربوي والتقييم التربوي، حيث يبدو ارتباط واضح وجلي بينهما، ففسح المجال للميولات والرغبات، وتمت ملامسة العلاقة بين الاستحقاقات والنتائج المدرسية والاختيارات التربوية والمهنية.

فما هي طبيعة النتائج المدرسية؟ وما هي العوامل المحددة لهذه النتائج؟ وما هي اختيارات التوجيه المدرسي والمهني والجامعي المتاحة للتلاميذ بمختلف عتبات التوجيه؟ وما هي العوامل الحاسمة والمحددة لقرارات التوجيه؟

سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة الفرعية المؤطرة للإشكالية المحورية التي تطرح التوجيه المدرسي في علاقته ببعض العوامل التي تحد مجال الاختيار والقرار ، وذلك اعتمادا على معطيات ميدانية وانطلاقا من  واقعنا التكويني والتربوي.

I.     معطيات ميدانية حول النتائج المدرسية واختيارات التوجيه:

1.    واقع النتائج المدرسية:

من المعلوم أن التعلمات ترتكز أساسا على ثلاثة مكونات: القراءة والكتابة والحساب. ومن المعلوم كذلك أن هذه المكونات تنشأ وتنمو داخل ثلاث مواد دراسية رئيسية: اللغة العربية واللغة الفرنسية والرياضيات.

وانطلاقا من الواقع التربوي والمدرسي، وبناء على النتائج المدرسية المنخفضة التي يحصل عليها التلاميذ في هذه المواد، خصوصا في الاختبارات الموحدة المشكلة لمواضيع الامتحانات الإشهادية، نلمس دور المعاملات، المطبقة عليها، الحاسم  والمحدد للمعدلات الدورية والسنوية في حياة التلاميذ الدراسية.

2.    واقع اختيارات التوجيه:

من المعلوم أنه يتاح إلى التلاميذ ما يناهز أربعين اختيارا موزعة، عددا، حسب عتبات التوجيه والمستويات الدراسية. لكن يتم تسجيل، عبر مختلف المستويات متجمعة، ما يناهز  %   70 من هذه الاختيارات تعتبر شعبا خاصة، أي تخضع لعملية الاختيار الأولي، يعني تتطلب نتائج مدرسية جيدة   !!!  .

II. العوامل الحاسمة والمتحكمة في قرارات التوجيه:

قبل اتخاذه قرار التوجيه يستحضر التلميذ أجوبة موضوعية على سؤال أساسي ومحوري حول مدى توفره على نتائج جيدة تؤهله للتوجيه إلى نوع الدراسة الذي يقع عليه اختياره، مستحضرا في ذات الآن مدى حظوظه للفوز بمقعد، خصوصا، بالشعب ذات المقاعد المحدودة.

1.    النتائج المدرسية:

من المعلوم أن النتائج المدرسية تلعب أدوارا حاسمة في اتخاذ قرارات التوجيه سواء تعلق الأمر بالتلاميذ أو بلجان الاختيار الأولي المتعلق بالشعب الخاصة، أو بمجالس الأقسام والتوجيه أو بخصوص ولوج المؤسسات المهنية ومؤسسات تكوين الأطر.

2.    نظام الحصيص:

تشكل الشعب الخاصة ما يناهز   %   70 من الاختيارات المتاحة للتلاميذ بمختلف المستويات الدراسية متطابقة ومتجمعة. ويتوجه إلى هذه الشعب نسبة هزيلة من التلاميذ، نظرا للنتائج المدرسية المرتفعة التي تتطلبها، ونظرا لمحدودية عدد المقاعد المخصصة لها التي ترتبط أصلا بالبنية التحتية والموارد المادية والبشرية بالمؤسسات التعليمية المحتضنة لهذه التخصصات الدراسية.

كما تخضع جميع التخصصات المهنية والتكوينية بمؤسسات تكوين الأطر ومؤسسات التكوين المهني إلى نسب مئوية محدودة لا تفي بأغراض أغلب المترشحين.

3.    محدودية اختيارات التوجيه:

حيث شروط النتائج المرتفعة، وقيود نظام الحصيص متشددة، تطبق على أغلب الاختيارات، فإن عددا قليلا جدا من الشعب والمسالك الدراسية يبقى متاحا لجل التلاميذ، ما يؤدي، من جهة، إلى حرمان نسبة كبيرة من التلاميذ من ولوج هذه التخصصات الدراسية، ويؤدي، من جهة أخرى، إلى اكتظاظ وتكدس الأقسام غير الخاضعة لأي قيد أو شرط. لذا، نجد أقسام الجذعين المشتركين العلمي والأدبي، وشعبتي العلوم التجريبية والآداب والعلوم الإنسانية، ومسلكي العلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض، تشكو اكتظاظا مهولا.

أما بمؤسسات تكوين الأطر والمؤسسات الجامعية فيختزل التوجيه في الالتحاق حتما بالكليات ذات الاستقطاب المفتوح، الشيء الذي يؤدي إلى تراكم أعداد هائلة من الطلبة بساحة وقاعات ومدرجات هذه المؤسسات التكوينية، ما يجعل التساؤل أمرا حتميا حول مردوديتها.

III.                    الآثار والانعكاسات:

إن شروط النتائج المدرسية المرتفعة، وقيود نظام الحصيص، ومحدودية اختيارات التوجيه، تضيق مجال الاختيار، وبالتالي، تحد من حرية القرار لدى التلاميذ وتؤثر سلبا على العملية التربوية والتكوينية، وتنعكس على مسارات الدراسة والتكوين لدى التلاميذ/الطلبة وذلك كما يلي:

1.    توجيه التلاميذ/الطلبة إلى تخصصات دراسية لا يرغبون فيها، وبالتالي لا يتحمسون لمتابعة الدراسة بها، ما يمكن أن يؤدي بهم إلى الفشل الدراسي، ثم الانقطاع عن الدراسة، ومغادرة الأسلاك الدراسية، ليجدوا أنفسهم عرضة لموبقات الشوارع والضياع؛

2.    عزوف أعضاء مجالس الأقسام والتوجيه عن المساهمة في المناقشة والمداولات، حيث القرارات تنزل أوتوماتيكيا نظرا لاختزالها، غالبا، في شعبة واحدة لا ثانية لها.

3.    كثرة طلبات إعادة التوجيه من طرف التلاميذ وأولياء أمرهم، أملا في الحصول على الشعبة التي ضاعت منهم، رغم رغبتهم وترشحهم لمتابعة الدراسة بها، وهم يعلمون مسبقا أن تغيير التوجيه يخضع لنفس الشروط والقيود التي واجهتهم سابقا؛

4.    كثرة طلبات التلاميذ وأولياء أمرهم للالتحاق بالتعليم الخصوصي، الذي يلبي لهم رغباتهم بغض النظر عن الشروط والقيود المطبقة على الشعب والمسالك الدراسية التي يرغبون فيها، تلك الاختيارات التي واجهتها المدرسة العمومية بالرفض؛

5.    كثرة حركية التلاميذ بين المؤسسات التعليمية أملا في الحصول على مقعد بالتخصص الدراسي الذي يرغبون  فيه، ما يخل بإجراءات الدخول المدرسي، ويؤدي إلى تأخر انطلاق السنة الدراسية، الشيء الذي يسهم في هدر الزمن المدرسي؛

6.    ارتفاع عدد التلاميذ/ الطلبة بالشعب والمسالك الدراسية ذات الولوج الحر، ما يؤدي إلى اكتظاظ الأقسام، ليصبح مشكل الكراسي يقض مضجع الأطر التربوية والإدارية في كل حصة دراسية: تحويل الطاولات، نقل المقاعد، وما يتبع ذلك من إزعاج وفوضى في الممرات وقاعات الدرس وهدر للزمن المدرسي، وما يؤثر سلبا على إلقاء الدروس والعملية التربوية برمتها، من حيث التأطير وتتبع مختلف الأشغال والإجابة على مختلف الأسئلة وتنشيط الدروس وإدارة المناقشات والقيام بالأشغال التطبيقية بالمختبرات وتنظيم الخرجات الدراسية، الشيء الذي ينعكس، حتما، على المردودية المدرسية، ويسهم في انخفاض مستوى التحصيل الدراسي، ما يؤدي لاحقا إلى الفشل والهدر المدرسي وهدر الطاقات المادية والبشرية؛

خاتمة:

حيث الاختيارات والقرارات تخضع لشروط وقيود تستعصي على أغلب التلاميذ، الذين يرغبون في متابعة دراستهم بالشعب الخاصة، وأغلب الطلبة يودون ولوج مؤسسات مهنية ومؤسسات تكوين الأطر، لكن يواجهون بعقبات اختيارات محدودة، ما يجعلهم يشعرون بقرارات مفروضة، فيتوجهون مكرهين إلى تخصصات قد لا تتوافق وميولاتهم الشخصية، ولا تستجيب لا لطموحاتهم ولا للأهداف التي يرسمونها لأنفسهم، فإنه بات من الضروري، تجنبا لهدر الطاقات المادية والبشرية، العمل على:

1.   رفع الشروط والقيود على جميع الاختيارات لتستجيب قرارات التوجيه لرغبات جميع التلاميذ ويصبح التوجيه فعلا حرا، وتجسيدا، فعلا، لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص التعليمية؛

2.   توحيد المعاملات والتركيز بشكل متكافئ على جميع المواد الدراسية؛

3.   اعتماد روائز متخصصة للكشف، علميا، عن ميولات التلاميذ وقدراتهم الفكرية ومهاراتهم الجسمية واليدوية؛

4.   اتسام المواضيع الاختبارية بالمواصفات العلمية الضامنة لموضوعيتها وجعلها في متناول التلاميذ وقياس وتقييم مستوياتهم المعرفية الفعلية؛

5.   الرفع من الطاقة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية المحتضنة للشعب الخاصة، وتوسيع بنياتها التحتية، وتوفير أجنحة داخلية بها، وتجهيزها بالوسائل الديداكتيكية اللازمة، وتوفير الأطر التربوية والإدارية الضرورية والمؤهلة أكاديميا ومهنيا؛

المراجع:

v    الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، المغرب؛

v    البرنامج الاستعجالي-2009،2012- المغرب؛

v    المذكرة رقم 90 بتاريخ 21 ماي 2007، وزارة التربية الوطنية، المغرب؛

v    د. العربي وافي، أي تعليم لمغرب الغد؟ الطبعة الأولى 2005، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.

بقلم: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *