Home»National»عزاء قرآني لكل المؤمنين والمؤمنات الذين فقدوا حبيبا من أحبتهم

عزاء قرآني لكل المؤمنين والمؤمنات الذين فقدوا حبيبا من أحبتهم

0
Shares
PinterestGoogle+

عزاء قرآني لكل المؤمنين والمؤمنات الذين فقدوا حبيبا من أحبتهم

محمد شركي

 من عادة البشر في كل العقائد والثقافات  العزاء ، وهو أسلوب من أساليب التخفيف عن  كل من فجع في حبيب من أحبته بسبب مصيبة الموت. وتختلف أساليب العزاء باختلاف  هذه العقائد والثقافات . وفي عقيدة الإسلام  وثقافته  التي تنهل من كتاب الله عز وجل يتميز أسلوب العزاء عن غيره من الأساليب.  وقد تكررت أساليب العزاء في القرآن الكريم  بصيغ مختلفة من بينها قوله تعالى : (( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة  الدنيا إلا متاع الغرور)) . فهذه الآية الكريمة  بدايتها عزاء ، ونهايتها عزاء ، وما بين العزاء الأول والأخير تذكير بحقيقة الفوز يوم القيامة .  فافتتاح الله عز وجل  هذه الآية الكريمة باسم  » كل  » المستغرق لأفراد المتعدد يبعث العزاء في النفوس، لأن ذوق الموت عام بين الأنفس ، وإذا عم الخطب هان كما يقال ، وفي ذلك عزاء. وأضيف اسم  » كل » للنفس. والنفس في اللسان العربي تدل على أمور، منها الجسد حيث تقول العرب :  » فلان عظيم النفس  » إذا كان  عظيم الجسم ، ويسمى الدم نفسا لأن به يحيى الجسد ، وتقول العرب :  » دفق نفسه  » إذا سال دمه . وتسمى الروح أيضا نفسا لأنها الجانب المعنوي الذي يقابل الجسد. وتطلق كلمة نفس على الحقيقة ، والعرب تقول :  » نفس الأمر  » أي حقيقته . وتطلق النفس على العين ، والعرب تقول :  » أصابته نفس  » أي عين . وتطلق النفس على العظمة والهمة والعزة ، فيقال :  » فلان ليس له نفس  » أي ليس له عزة . والنفس الواردة في هذه الآية الكريمة تدل على الروح والجسد معا نظرا لملابسة الروح للجسد . ولفظة  » كل » التي أضيفت إلى  لفظة  » نفس  » النكرة راعت معناها ، فجاءت لفظة  » ذائقة   » مراعية للفظة  » نفس  » في التأنيث . والذوق أو المذاق أو الذواق في العربية  يدل على اختبار الطعم ، وهو على سبيل المثال إصابة القليل من الطعام . والذوق غير الأكل لقول الشاعر :

إذا ما الناس جربهم لبيب //// فإني قد أكلتهم وذاقا

وقد يكون الذوق بمعنى المعاناة إذ تقول العرب :  » ذاق العذاب  » إذا ما قاساه. ولفظة  » ذائقة الموت «   الواردة في الآية الكريمة تدل على معاناة  ومقاساة مصيبة الموت . أما الموت فهو مفارقة الروح للجسد ، أو بتعبير آخر مفارقة الجانب المعنوي من النفس للجانب المادي. والموت عبارة عن سكون بعد حركة ، لقول العرب :  » ماتت النار  » إذا زال حرها ، وبرد رمادها. وكذلك شأن الإنسان إذا غادرت الروح جسده ، وتوقف دمه  عن التدفق ، ويسمى النفس كما مر بنا . فالموت زوال الحياة عمن كانت فيه ،  وهو حالة خاصة بالحياة الدنيا ، ولا وجود له في الآخرة ، حيث تلازم الروح الجسد ملازمة أبدية . فعزاء البشرية في قوله تعالى : (( كل نفس ذائقة الموت )) أن الجميع  يعاني من حالة انفصام الروح عن الجسد ،لهذا لا داعي للجزع  لأن الأمر عام ،  وبذلك يكون طبيعيا كالميلاد المقابل له . ولأمر ما  نجد في بعض الثقافات أو العادات أنه يكون جزع بعض الناس بالميلاد كجزع غيرهم بالوفاة . ولا يكون الجزع مبررا إلا إذا استثني من مصيبة الموت بعض الناس ، وهو ما  لن يحصل أبدا لقوله تعالى  » (( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)) . وبعد العزاء  في  بداية الآية الكريمة يأتي العزاء الثاني  في نهايتها ، وهو قوله تعالى : (( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)) .فنعت الحياة بالدنيا يدل على دنو شأنها لهذا وصفها الله عز وجل بأنها مجرد متاع ، علما بأن المتاع  هو ما ينتفع به انتفاعا قليلا وغير دائم أو غير باق ، وينقضي عن قريب  . وإذا ما أضيف المتاع وهذا شأنه إلى الغرورـ بضم الغين ، وهو الباطل إذ تقول العرب : «   غره  » إذا خدعه بالباطل .أما الغرور ـ بفتحها ـ  فهو ممارس  الباطل ، والذي يخدع بالباطل يسمى الغرير . وعزاء الذي يغادر الحياة الدنيا أنه  لا يخسر شيئا ،لأن الأمر يتعلق بمتاع الغرور، ولا  مبرر للجزع على متاع هذا شأنه ، وفي ذلك عزاء للنفس . وبين العزاءين  يذكر الله تعالى في قوله عز من قائل : (( وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز)) وقد ورد ذكر الفوز بعد ذكر الأجور. والأجر هو المكافأة أو العوض أو الجزاء أو الثواب . والثواب في الغالب يكون إذا كان الجزاء خيرا، وإن كانت العرب تستعمله إذا كان الجزاء شرا أيضا. والأجر مرتبط بالعمل والسعي ،ويكون حسب  هذا العمل أو هذا السعي  خيرا أو شرا. وقوله تعالى : (( توفون )) يدل على إعطاء الأجر كاملا غير منقوص ، لأن العرب تقول :  » وفّى الرجل حقه  » إذا أعطاه كاملا .  وحقيقة الفوز في الآية الكريمة  مخالف  لمفهومه عند الناس في دنياهم حيث يقتصر فهم الفوز عندهم على الفوز بمتاع الغرور فقط .  والفوز هو الظفر بالخير ، وفي نفس الوقت النجاة من المكروه ، لهذا قال الله تعالى : (( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز))  فالفوز في هذه الآية عبارة عن ظفر بالجنة ، ونجاة من النار. وقد جاء التعبير عن النجاة من النار في منتهى البلاغة حيث يفيد فعل  » زح «   الدفع بعيدا ، وفعل  » زحزح  الدفع المتكرر من أجل الإبعاد. والزيادة في ألفاظ اللغة العربية تفيد الزيادة في معانيها ، لهذا يكون فعل  » زحزح  » أكثر دلالة على الدفع من أجل الإبعاد عن فعل  » زح  » . ومقابل دلالة الفوز بهذا المعنى، تأتي دلالة الخسارة  المقابل له ، وهي خسارة الآخرة الأبدية، وليس  خسارة الدنيا الفانية .  وفي هذا أيضا عزاء لمن غادر الدنيا فائزا بالمعنى القرآني ، وهو الظفر بالجنة  الخالدة ، والنجاة من النار الخالدة. وأخيرا أهدي هذا العزاء القرآني ، وهو أفضل عزاء لكل من فجع في من يحب من المؤمنين والمؤمنات .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *