آن الأوان لعقد لقاء وطني من أجل تقييم ما يسمى بيداغوجيا الإدماج
آن الأوان لعقد لقاء وطني من أجل تقييم ما يسمى بيداغوجيا الإدماج
محمد شركي
عندما اختارت الوزارة الوصية عن قطاع التربية والتعليم إجراء إصلاحات على المنظومة التربوية، أخذت بأساليبها الخاصة في الاستشارة ، وهي واثقة من أنها الأساليب الصحيحة ، ولا يخامرها أدنى شك في ذلك ، إلا أن ردود الأفعال على أرض الواقع على مشاريع الإصلاح المعتمدة ،و التي تبنتها تعكس بوضوح وجود قناعة كبيرة لدى شريحة طويلة عريضة من الذين تعنيهم المنظومة التربوية بأن أساليب الوزارة في الاستشارة بخصوص مشاريع الإصلاح ليست موفقة. فالوزارة مقتنعة كل الاقتناع بأن ما يسمى بيداغوجيا الإدماج خيار صحيح وموفق ، وأن ردود الأفعال عليه خصوصا الرافضة له عبارة عن مجرد رغبة في عدم انخراط في هذا » الصحيح الموفق « . وحتى عملية تقييم هذا الذي يعتقد بأنه صحيح وموفق ،كانت عبارة عن تقييم من طرف واحد هو الخصم والحكم في نفس الوقت. فالوزارة أوفدت لجانا مركزية محسوبة على الخبرة الدولية والوطنية من أجل خلق أتباع لهذه الخبرة جهويا لغرض ممارسة الإشهار لفائدة هذه البيداغوجيا التي لا زالت في حاجة ماسة إلى شهادة شرعية لحمل صفة بيداغوجيا. وهذا الأسلوب في التقييم يعرف في ثقافتنا الشعبية بأسلوب العروس التي تسأل عن عذريتها ، فتشهد أمها وخالتها والجالسات قبالتها ، أو شهادة السنور الذي إذا سئل : من الشاهد على براءتك ؟ يجيب : ذيلي . فمن المعلوم أن التقييم هو عبارة عن عملية تثمين ، وأفضل تثمين يكون من لدن من لا علاقة له بالشيء المستهدف بالتثمين. فصاحب الفول في ثقافتنا الشعبية حين يسأل عن فوله يقول دائما : » الفول طياب » وبموجب ذلك لا تصح شهادة فوال في فوله ، بل الشهادة التي يعتد بها هي شهادة آكل الفول . فالوزارة إذا ما كانت بالفعل تريد تقييما دقيقا وموضوعيا لبضاعة المقاول البلجيكي فعليها ألا تسأله عن بضاعته ، أو تثق في شهادته ، أو في شهادة سماسرته الذين يسمون أنفسهم أصحاب الخبرة الدولية والوطنية وفي بطونهم ريع البيداغوجيا الموهومة . فهل يستطيع من أصاب ريعا من هذه البضاعة أن يشهد فيها شهادة حق ، والريع في بطنه ؟ ولقد سمع السماسرة في عدة جهات من المملكة من النقد ما يكفي لحمل الوزارة على مراجعة اعتماد هذه البضاعة المستوردة ، والمطبقة بطريقة استعجالية تماشيا مع الطابع الاستعجالي لإصلاح الرباعية. فإذا كانت المواد الغذائية المصدرة على سبيل المثال تستوجب الفحص الكيميائي لمعرفة نسب المواد الضارة فيها ، فأولى أن تعرض المواد المحسوبة على البيداغوجيا على الفحص لمعرفة ما يضر فيها . أما إذا كانت الشهادة الوحيدة التي تأخذ بها الوزارة هي شهادة المصدر أو المسوق ، دون أدنى احتفال بشهادة المستورد أو المستهلك ، فالتقييم سيخرج عن إطاره. والذين سموا أنفسهم خبراء هذه البضاعة ، وهم طرف مستفيد من ريعها من الضروري أن تحوم الشكوك حول شهادتهم فيها . فلفظة خبير كما سبق لي أن قلت لأحد هؤلاء الخبراء تعني عند علماء اللغة العليم بما خفي . فالذين يسمون أنفسهم خبراء ما يسمى بيداغوجيا الإدماج لا شك أنهم يعرفون ما خفي منها . وما خفي لا يمكن أن يكون إيجابيا فقط . فهل يجرؤ هؤلاء الخبراء على الكشف عما خفي من سلبيات هذه البضاعة ، وفي بطونهم ريعها ؟ فلهذا لا بد من ملتقى وطني يؤطره الباحثون من مختلف الفئات والتخصصات من الذين لا علاقة لهم بريع هذه البضاعة ليكون التقييم موضوعيا ودقيقا. فالمنظومة التربوية المغربية ليست سائبة أو في حكم السائبة بل منذ كانت ، ومنذ فجر الاستقلال ، والباحثون المتخصصون يحرسونها كلما همت الوزارة باستيراد الجديد في المجال البيداغوجي. ولقد أهدر حبر كثير ، وظهرت مؤلفات عديدة في الساحة الوطنية منذ الاستقلال ، وكل ذلك يتعلق بالمنظومة التربوية تقييما أي تثمينا ، وتقويما أي تسديدا . فكيف تعرض الوزارة اليوم عن كل الباحثين والمختصين ، وعن تقييمهم ونقدهم لما يسمى بيداغوجيا الإدماج ؟ فكليات علوم التربية عندنا ، ومركز تكوين المفتشين التربويين ، ومراكز تكوين الأساتذة على اختلاف فئاتهم ، والمفتشون التربويون ، والمدرسون الممارسون ، ورجال الإدارة ، فيهم باحثون لا يمكن التشكيك في ما يحملون من شهادات علمية ، ولا التشكيك في خبراتهم ، لهذا لا بد أن ينعقد لقاء وطني يجمع بين كل هذه الفعاليات من أجل تقييم ما يسمى بيداغوجيا الإدماج عوض أسلوب الدعاية الإعلامية التي يقوم بها مقاول هذه البيداغوجيا ، وسماسرته وحدهم . والوزارة تحاول رصد ردود الأفعال على تنزيل هذه البيداغوجيا ميدانيا ، وقد كشفت التحريات عن رفض العديد من الجهات في الوطن الانخراط في هذه البيداغوجيا ، علما بـأن بعض أسباب الرفض تعود إلى أسلوب الوزارة نفسها في تدبير ما يتعلق بهذه البضاعة من قبيل توفير العدة حيث أعلنت عن مواعيد إنجاز أسابيع الإدماج دون أن تكون العدة جاهزة خلال المرحلة الأولى. وأكثر من ذلك جاءت العدة ناقصة حيث لم توفر الوزارة دليل الإدماج لكل من يعنيهم الأمر ، ولا هي وفرت العدد الكافي من الكراسات للمتعلمين ، واكتفت في بعض الجهات بنموذج واحد من الدليل يتناوب عليه عدد من المدرسين كما عاينت ذلك بأم عيني في المقاطعة التي أشرف على تأطيرها ومراقبتها . وسكتت الوزارة عن كيفية أساليب التقويم سواء تعلق الأمر بالمراقبة المستمرة أم بالاختبارات والامتحانات مع تطبيق ما يسمى بيداغوجيا الإدماج . وأكثر من ذلك تزامن أسبوعا الإدماج خلال المرحلة الثانية مع فترة إنجاز فروض المراقبة المستمرة أو الاستعداد للاختبارات المؤسسية الموحدة بالنسبة للسنة الثالثة الإعدادية . ولا يمكن تجاهل الارتباك الذي أحدثه تنزيل هذه البيداغوجيا حيث لا زال التلاميذ لا يفهمون التعامل مع أمور يشتغلون عليها لا تتعلق بالمراقبة المستمرة والاختبارات أو الامتحانات . ولا زالت المقررات الدراسية للعديد من المواد تحتاج إلى إجماع وتوافق حول إعادة ترتيبها باعتماد التخطيط الدقيق لتوافق هذه المقررات تنزيل هذه البيداغوجيا التي صيغت بطرق لم تراع المقررات المعتمدة ، وأكثر من ذلك فرضت عليها تعديلات شكلية ليس غير. وفي الأخير نقول لا بد مما ليس منه بد ، وهو ضرورة عقد اللقاء الوطني الموسع لتقييم ما يسمى بيداغوجيا الإدماج عوض الاكتفاء بحوار الخرسان ، حيث يتحدث المقاول البلجيكي وسماسرته عن الفتوحات والانجازات المتعلقة ببضاعته ، ويتحدث الذين نزلوا البضاعة المستوردة على أرض الواقع عن فشل وانتكاسات . ولا بد للباحثين المتخصصين المحايدين من الفصل بين المقاول وسماسرته من جهة ، وبين المنزلين للبضاعة والمحتكين بها من جهة أخرى حرصا على صيانة المنظومة التربوية .
4 Comments
و لكنك تقول بأن البعض رفضها من غير أن يطبقها فإذن تطالب بتقويم ماذا؟لأن التقويم يكون بعد الإنجاز
ثم إن الأكثرية التي طبقتها تراها مفيدة جدا
رجاء لا تخلطوا بين الموقف من الشيء و تقويم الشء
إن المشهد النقابي سيب كل شيء
من اجل القيانم يتقويم موضوعي لبيداغوجيا الادماج يجب اولا معرفة اسباب الرفض: هل هي تربوية/بيداغوجية/ديداكتيكية صرفة؟ ام هي لوجستية/مادية؟ ام هي نقابية/مطلبية؟ الخ
المتتبع للساحة التربوية والمتمعن في جميع بيانات النقابات وشكاوى الرافضين يخرج بالخلاصات التلية.
الرفض كان غالبا للاسباب التالية:
اولا…ايديويلوجية بالقول ان هذه البيداغوجيا مستوردة مع العلم انه لا يوجد عندنا مراكز للابحاث ولا فرق علمية لصياغة بيداغوجيا بديلة. حتتى ان بعض المزايدين يزعمون ان في منظومتنا التعليمية كفاءات كبيرة قادرة على ذلك مع العلم انها لا تنتج طيلة السنة لا كتبا ولا ابحاثا علمية ومنهجية ولا اظن ان احدا سيمنعها ان هي قامت بذلك وقذمت مشروع بيداغوجيا صالحة -كما يشاع- للسياق المغربي .
ثانيا….نقابية /مطلبية بحيث ان البعض لا يرفض بيداغوجيا الادماج لانها كذا وكذا ولكنه يرفضها لانه يريد لي ذراع الوزارة او الاكاديمية او النيابة لتحقيق بعض المطالب النقابية.
ثالثا….لوجستية حيث يركز بعض الرافضين على تاخر الكراسات او قلة الدلائل او…وهي وان كانت صحيحة ولكنها لا علاقة لها لا بالبيداغوجيا ولا بمالاتها.
رابعا….نفسية حيث وجد البعض انها تغير عاداتهم البيداغوجية المبنية اساا على الاتباع الحرفي للكتاب المدرسي او لما يسمى تجاوزا بالمقرر وانها ستضيف اعباءا جديدة لاعبائهم الاصلية.
خامسا…تكوينية.حيث يشتكي البعض من ضعف التكوين والتتبع والتاطير محملا سبب رفضه لعدم استيعاب منهجية بيداغوجيا الادماج لمؤطري الدوات التكوينية ولقصر مدتها…
يمكن ان يكون هناك من يرفض او ينتقد بيداغوجيا الادماج لاسباب بيداغوجية صرفة ..ولكنهم لا يبسطوا امام الجميع هذه الاسباب علما ان الكثير عبر عن الرفض حتى قبل ان يطبق. اذن قبل ان نقوم بتقويم وطني لا بد من معرفة سبب الرفض من اجل ان يقدم هذا اتلتقويم اضافة نوعية لمجال البيداغوجيا.
شكرا لكم
السلام عليكم
بصغتي أستاذ، أرى أن الأخ شركي محق وإن الكثيرين من نساء ورجال التعليم يشاركونه الرأي، بل بصفتي الممثل الجهوي للجامعة الحرة للتعليم أأكد لكم أن الأغلبية الساحقة من هيئة التدريس الممارسة في القسم لم تعمل بهذه المقاربة وأوفتنا بعرائض في الموضوع بينت فيهاأسباب مقاطعتها لبيداغوجيا الإدماج في الوفت الراهن مطالبة إرجاءها إلى حين توفير الضروف الملائمة.
وبين قوسين، ألاحظ حملة شنعاء تشن دائما ضد النقابات وكأن النقابيين ليسوا نساء ورجال التعليم. فمن لايثق لا في النقابات ولا في الأحزاب ولا في … ولا في….: لاثقة فيه.
يحي عابدي
الممثل الجهوي للجامعة الحرة للتعليم بالجهة الضرقية
المنظومة التربوية في المغرب تحتاج إلى تشخيص من طرف الأقرب ثم الأقرب و ليس من قبل الأبعد ثم الأبعد، لأن خبيرهم هذا أصبح الأساتذة معه منهمكين فقط في تعبئة شبكات و أوراق تأخذ من وقته و جهده ما يؤثر على مردوديته طيلة المرحلة، بل أحيانا يشعر التلاميذ بأن شيئا ما تغير لدى مدرسهم خلال مراحل الإدماج، فالأستاذ لا بد له من عربة لحمل الكراسات و كذلك دفاتر تتبع التلاميذ و أصبحنا ولله الحمد لا هم لنا سوى تعبة الشبكة و تعبة دفاتر التتبع التي لا نفع فيها سوى لدور النشر و لسماسرتهم الذين جنوا منها أموالا طائلة .
ولحد الساعة لم يجرؤ أي مسؤول عن الإجابة عن هذا السؤال : ماهو هدفكم بالضبط من هذه البيداغوجية؟ و هل أنتم جادون في إيجاد مخرج لهذه الأزمة، لأن الشعب بدأ يشعر بوجود مؤامرة على التعليم العمومي الذي أصبح ينتج فقط الإنسان المغربي المتوسط في أحسن الأحوال