الجرذ الهالك عبرة لكل ذي مجد زائف
الجرذ الهالك عبرة لكل ذي مجد زائف
محمد شركي
من عدل الله عز وجل في خلقه ،أنه ينطق الظالمين من عباده بما يصدق عليهم من نعوت وصفات ،كما هو حال طاغية ليبيا الذي أسرف في غروره إلى درجة وصف بني آدم الذين كرمهم الله عز وجل بالجرذان . ويمكن قياس درجة غرور كل مغرور من خلال تأمل ما تسول له نفسه من احتقار لغيره . وطاغية ليبيا استعظم في نفسه ،واستكبر ،وعلا علوا كبيرا حتى صار يرى بني آدم مجرد جرذان. وبقياس حجم الجرذ مع حجم الإنسان تبدو درجة كبرياء الطاغية الليبي . وما دام هذا الطاغية قد سولت له نفسه احتقار خلق الله عز وجل ،فإنه أولى بما نعت به من احتقرهم ، وهو المسؤول أخلاقيا عن تسمية نفسه بالجرذ ما دامت نفسه قد رضيت لغيره بهذا النعت الدال على الحقارة . وليس من أخلاق الإسلام نعت الغير بالنعوت القدحية حتى لو كان هذا الغير عدوا مبينا . ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة حين حاول أحد الصحابة من الأنصار التهوين من شأن كفار قريش بعد غزوة بدر الكبرى ،فقال له : » بل هم الملأ » . واقتداءا بسنة الرسول الأعظم نقول لقد تكبر طاغية ليبيا في نفسه وعلا علوا كبيرا حين نعت شعبه بالجرذان ، وحق له أن ينعت بذلك النعت ليكون عبرة لأمثاله من الذين يحتقرون خلق الله عز وجل . وإذا ما كان الله تعالى يزيد المتواضع رفعة ، فإنه في المقابل يزيد المستكبر ضعة وذلا وهوانا . وأكبر عبرة لكل ذي مجد زائف نهاية الجذرالهالك الذي أهين أقبح إهانة ـ وما كان على الذين ألقوا عليه القبض أن يفعلوا به ما فعلوه لو كان فيهم مثقال ذرة من إيمان بالرغم مما كان فيه من كبر ـ ولكنها على كل حال إرادة الله عز وجل الذي إليه المصير ، والذي هو أعلم بما في النفوس ، والذي بيده قضاء يوم القيامة الذي لا ظلم فيه . وآفة الجرذ الهالك أنه كان يعاني من داء الغرور المستفحل الذي لا ينفع معه علاج حيث كان يخادع نفسه حتى أنه بجحها ،فبجحت إليه أكثر من اللازم . ولقد كان يرى في نفسه زعيما فذا لا مثيل له في الدنيا حتى أنه استنكف عن تسمية نفسه كما يسمى الزعماء ،فأطربته الألقاب الزائفة من قبيل » ملك الملوك » والزعيم ، والقائد …،كما أنه استنكف أن يسمي وطنه كما تسمى سائر الأوطان، فهو صاحب الجماهيرية دون غيره من الزعماء.
ومشكلة هذا الجرذ أنه كان إذا اجتمع حوله جمع قليل من الناس جعلهم غروره جماهير لا يحصيها العد في نظره. ولو أنه فكر لحظة من لحظات انبهاره بجمعه الضئيل في شعوب الدنيا الكبرى كما هو حال الصينين والهنود لخجل من تسمية بلده ذي الساكنة القليلة جماهيرية. فإذا كانت ليبيا جماهيرية فماذا يقال عن الصين والهند ؟ وليبيا لم تكن جماهيرية بل كانت مجرد بلد قليل الساكنة ، ولكن غرور الجرذ ونشوته ساعة إلقاء خطبه الجوفاء الفارغة جعلها جماهيرية . وهو الذي كان يسمي بفعل غرور بضع مئات من الناس الملايين ،لأنه لم يستوعب دروس الحساب جيدا بفعل داء الغرور الذي كان يعاني منه. ولم يشاهد مثل الجرذ لهالك غرورا وهو يشمخ بأنفه ويميل بخده حتى عن عظماء البشر من الساسة، لأنه كان يعيش المجد الزائف ، وهو مرض نفسي يصيب العديد من خلق الله عز وجل سواء كانوا زعماء ،وساسة ،أم كانوا مجرد بشر من يا أيها الناس كما يقال. فكم من زعيم مصاب بهذا الداء الخطير ، وهو يعيش في نفسه مجدا زائفا حتى تأتي ساعة تنكشف حقيقة زيف مجده الكاذب ،فيكون عبرة لأمثاله كما كان الجرذ الهالك عبرة لحكام زمانه. وكم من مسؤول غره المنصب الزائل ، فأصابه داء المجد الزائف ،وجعله يرى البشر مخلوقات دونه ، وربما صنفها كما صنف الجرذ الهالك شعبه جرذانا . وكم من مسؤول ينعت غيره بنعوت تحط من القدر. ويكفي أن نعرف هذه النعوت لنقيس درجة غرور هذا المسؤول. وكلما أمعن المسؤول في نعت غيره بأحقر النعوت ، كلما كان غروره واستكباره أكبر. ومعلوم أنه كلما زادت درجة الاستكبار، كلما دل ذلك على الضعة والذل والهوان ،لأن الله عز وجل الذي يقابل التواضع بالرفعة يقابل في نفس الوقت الكبرياء بالضعة
. فعلى كل مسؤول غره المنصب ،وسولت له نفسه أن ينعت غيره بنعوت الحقارة ،وهو تحت تأثير نشوة المنصب الخادع ،أن يقيس غروره وكبرياءه بما تحدثه به نفسه من استخفافا بالغير. وكم ينعت الناس بعضهم بعضا بالنعوت القدحية في حياتهم اليومية العادية ، فلا نسمع إلا عبارة » حمار أو كلب أو ضبع أو حيوان أو بهيمة ….أو ما شابه لمجرد وقوع خطأ بسيط في المرور أو غيره . والسبب في ذلك أن البشر يحملون في ذواتهم فيروس المجد الزائف الذي يسببه الغرور بالنفس. ولو تأمل كل من ينعت غيره بنعت مشين نفسه، لوجد أن غروره هو الذي أوقعه فيما وقع فيه من استعظام للنفس واحتقار للغير. ونأمل أن يتعظ كل مغرور مهما كان وضعه في هذه الدنيا بخاتمة الجرذ الهالك في ليبيا . وعلى كل من تبجح إليه نفسه أن يقارن لحظة نشوة الجرذ الهالك بلحظة وقوعه ضحية غروره بين يدي أغرار وسفهاء عبثوا به عبثا مذلا مخزيا قابل ما كان عليه من استكبار . وقاتل الله المجد الزائف . اللهم بصرنا بعيوبنا ، وأخرجنا من دار العيوب بلا عيب ، واستر علينا سترك الجميل ، اللهم عافينا مما ابتليت به أهل المجد الزائف .
Aucun commentaire