وجهة نظر مفتش مؤطر للتكوين الخاص ببيداغوجيا الإدماج
من حق الرأي العام آباء وأولياء وغيرهم أن يعرف حقيقة ما يسوق في الحقل التربوي لأبنائهم . ومن حق الجميع أن يعبر عن وجهة نظره فيما يسوق بعد معرفته جيدا بطبيعة الحال . الجميع يعلم أن منظومتنا التربوية لا زالت رهينة سلسلة من تجارب الإصلاح الفاشل ، الشيء الذي يعني أنها لم تعرف بعد مسارها الصحيح المؤكد النتائج. فبعد عشرية إصلاح لم تحقق أهدافها ، جاءت رباعية الإصلاح المستعجلة بسبب ما يهدد المنظومة التربوية من إفلاس. وفي ظرف رباعية الإصلاح ، وبموجب مخططها الاستعجالي جاءت بيداغوجيا الإدماج كخيار من أجل الإصلاح المنشود . ولقد صرح مقاول بيداغوجيا الإدماج البلجيكي كزافيي روجرز حين زار أكاديمية الجهة الشرقية خلال الموسم الفارط بأنه خير أصحاب القرار التربوي بين بضاعته ، وبضاعة غيره من مقاولي البيداغوجيا ، مما يعني أن بيداغوجيا الإدماج لم تكن قدرا محتوما ، وإنما كانت خيارا عن وعي وقصد . ومما جاء على لسان المقاول البيداغوجي البلجيكي أنه نصح أصحاب القرار التربوي بأمرين هامين هما : التدرج في تطبيق بيداغوجيا الإدماج سنة بعد أخرى ، وتكييف المناهج الدراسية لمواكبتها، إلا أن أصحاب القرار التربوي عندنا استعجلوا تعميم هذه البيداغوجيا في السلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي بسبب طبيعة رباعية الاستعجال ،لأنهم لا شك سيحاسبون أمام أصحاب القرار السياسي بعدما طالبوا بصبيب مالي ضخم من أجل نجاح رباعية الإصلاح المستعجلة وحصلوا عليه . ومع مخالفة أصحاب القرار التربوي مضطرين لنصح المقاول البلجيكي، كان لا بد من أن يعرف تنزيل بيداغوجيا الإدماج صعوبات ومشاكل كشفت عنها حلقات التجريب ، والتعميم على حد سواء. ومعلوم أن التجريب في الغالب يكون من أجل معرفة الشيء المجرب قبل تعميمه ، إلا أن ما حدث لبيداغوجيا الإدماج أن التعميم جاء مباشرة بعد موسم واحد من التجريب دون أن تؤكد نتائج التجريب إمكانية التعميم . ومعلوم أن تنزيل هذه البيداغوجيا على سلكين مجموع سنوات الدراسة فيهما تسع سنوات اقتضى إمكانيات مادية ومعنوية ضخمة سواء على مستوى التجريب أم على مستوى التعميم .كما أن تنزيل هذه البيداغوجيا على مناهج أعدت بخلفية غير خلفيتها زاد من صعوبة التجريب والتعميم . ومما زاد الطين بلة أن الوزارة الوصية لم تفكر في حلقات التكوين على هذه البيداغوجيا في نهاية الموسم الدراسية الفارط من أجل تلافي هدر الزمن المدرسي وزمن التعلم الحاصل في بداية هذا الموسم حيث تزامنت حلقات التكوين على بيداغوجيا الإدماج مع انطلاق الموسم الدراسي على حساب الزمن المقدس للمتعلمين . وأكثر من ذلك تعاني بعض الأكاديميبات نقصا كبيرا في عدد المؤطرين، الشيء الذي أثر على إيقاع حلقات التكوين ،علما بأن الأفواج الخاضعة للتكوين تتناوب عليه ، مما سيؤثر على انطلاق عمليات ما يسمى بأسابيع إرساء الموارد الدراسية ، وأسابيع إدماجها. وأكثر من ذلك أن الوزارة الوصية إلى غاية هذه التاريخ لم توفر ما يسمى دليل الأستاذ ، وكراسات المتعلمين ،مع أن الدراسة قد انطلقت مع أسابيع إرساء الموارد . وأكثر من ذلك لا زالت النصوص التنظيمية المتعلقة بموسم التعميم غائبة ،علما بأن أساليب التقويم المصاحبة لهذه البيداغوجيا تختلف عن أساليب التقويم الحالية الشيء الذي يجعل استصدار المذكرات الوزارية أمرا مفروضا الآن وليس بعد مرور وقت على مباشرة المدرسين لتطبيق بيداغوجيا الإدماج. ومعلوم أن حلقات التكوين تكشف عن ضرورة التخطيط لما يسمى أسابيع إرساء الموارد من أجل أسابيع الإدماج وتقويمه ومعالجة ما يعتريه من تعثرات ، وهو أمر يتطلب إعادة النظر في التوزيع السنوي والدوري للمقررات والبرامج التي تقدم في غياب التخطيط ، وهو أمر لا بد من توافق عليه بين الجميع حتى لا تسود الفوضى هذا التخطيط خصوص بالنسبة للمستوى الدراسي الذي ينتهي بامتحان إشهادي والذي يتطلب تقويما على غرار تقويم بيداغوجيا الإدماج . وإذا كانت هذه بعض الإكراهات التي تصاحب موسم تعميم بيداغوجيا الإدماج ، فإنه من المبكر الحكم عليها كتجربة إصلاحية ، وإن كان عدم التزام شروطها التي اقترحها واضعها أو مقاولها يدفع نحو القناعة بأنها ستواجه مشاكل خلال التنفيذ ،لأن الغاية من التجريب خلال الموسم الماضي لم يكشف عن إيجابياتها وسلبياتها ، ولم تضمن نتائجها ضمن مصوغات التكوين خلال هذا الموسم المخصص للتعميم . وقد يضطر أصحاب القرار التربوي مرة أخرى لاعتبار موسم التعميم استمرارا للتجريب ، أو ربما سيقتنعون بنصائح المقاول البيداغوجي البلجيكي فيعلنون التطبيق التدريجي لبيداغوجيته ،مع التغيير التدريجي في المناهج بعد انتهاء مدة التعاقد مع أصحاب التأليف المدرسي بنهاية هذا الموسم ، وهو الإكراه الذي منعهم من الأخذ بنصيحة كزافيي روجرز كما صرح بعظمة لسانه في قاعة عبد العزيز أمين بأكاديمية الجهة الشرقية . والمؤسف جدا أن الوزارة بادرت بما أسميه » الممضوغات » أي بالوجبات التي تقدم خلال التكوين عوض توفير العدة وعلى رأسها دليل الأستاذ وكراسيات المتعلمين ، إذا ما كان التعميم سيسير على وتيرة التجريب .فلو أن الوزارة بدأت بالعدة قبل الإطعام لكان ذلك خيرا لها وللخاضعين للتكون . والأشد أسفا أن بعض من أوكل إليهم أمر الإطعام وجدوا الفرصة سانحة للعبث بالمبالغ المخصصة له ، ويتعلق الأمر بنوع من اللصوصية المكشوفة ،والتي يظن أصحابها الذكاء بأنفسهم ، وهو في الحقيقة منتهى الغباء الذي يجر عليهم التهم ويجعلهم عرضة للسخرية . ومن المؤسف جدا أن سلوك هؤلاء صرف الأنظار عن قضية التكوين وقيمته ومدى نجاعته إلى قضية الإطعام ، وستظل نكتة حبة ونصف من الكفتة للفرد الواحد تتداول بين أطر التدريس والتفتيش في الجهة الشرقية ، ولعنتها تلاحق من تطفل على التدبير ، ولم يعرف قدره ولم يجلس دونه شفقة على نفسه ورحمة بها . وإذا كان الإعلام الرسمي قد دأب على نقل اللقطات الإشهارية الخاصة ببعض اللحظات المتعلقة بالدخول المدرسي ، فإنه غاب تماما عن حلقات التكوين الخاص ببيداغوجيا الإدماج ، كما غابت الموائد الإعلامية المستديرة التي ترفع شعار العام زين ، وتستضيف المتملقين الذين يبهرجون الحقائق ، ويحولون الفشل إلى نجاح كما يحول السحرة المعدن البخس ذهبا إبريزا . ولم تكلف الوزارة نفسها عناء شرحها لخيار بيداغوجيا الإدماج كإصلاح أمام الآباء والأولياء ، في زمن وعي الآباء والأولياء ، وزمن الشفافية والوضوح ، والديمقراطية ، والحرية ، ودولة الحق والقانون . ولنا موعد آخر مع هذه البيداغوجيا التي تعلق عليها وزارتنا الآمال لإصلاح منظومتنا التربوية في الشق العملي التطبيقي للحكم عليها بكل موضوعية ، وحتى لا نتهم بالمزايدة أو الدعاية المضادة ، فنحن مغاربة لا تقل وطنيتنا أو غيرتنا على المنظومة عن وطنية وغيرة أصحاب القرار التربوي.
3 Comments
يقول المغاربةك »العشاء الزين من العصر يبان » ويقول الفرنسيون: لا يجب وضع العربة قبل الثيران ». هذا الإصلاح لن يختلف عن سابقيه، والسؤال هو : من سنحاسب ؟
السلام عليكم كل من يسوق لهذه البضاعة العفنة فهو منتفع اما ماديا مثل بعض المفتشين والمسؤولين عن الاطعام واستنساخ المطبوعات التافهة أو مستفيدا داخل الحجرة بالقاء هذه الوضعيات على المتعلمين وتركهم يلهون للخروج الى الساحة لارتشاف الشاي او الحديث مع الزملاء اومساعدة المدير وخلافه ولن تجد ابدا من يمتلك ضميرا حيا يساند هذه البيداغوجيا القذرة.
متى يدرك الأوصياء على قطاع التربية والتكوين انه لم تبق رقعة في جسم التعليم لشكة حقنة جديدة، مشروع يجر مشروعا وشعار في أعقاب شعار فمن الأهداف إلى الكفايات إلى الإدماج ، من مشروع المؤسسة إلى مدرسة النجاح، من الميثاق إلى المخطط الاستعجالي وهلم جرا، فهل يصلح العطار أو مقاولو المشاريع البيداغوجية ما أفسده الدهر، وكأني أسمع التعليم وهو يردد مع المتنبي:
فصرت إذا أصابتني سهام****تكسرت النصال على النصال