Home»International»بعد القرار 1754… أي مصير ينتظر الصحراء المغربية؟

بعد القرار 1754… أي مصير ينتظر الصحراء المغربية؟

0
Shares
PinterestGoogle+

استأثر القرار رقم 1754 الذي صودق عليه بالإجماع في مجلس الأمن الدولي باهتمام الباحثين والسياسيين ورجال الإعلام، لكن جلّ هذه القراءات لم تشتغل عليه من زاوية نظرية تحليل الخطاب مقاربة واستنطاقًا، بكون القرار الجديد حول قضية الصحراء هو أداة اتصال مؤسساتية تستهدف إعادة ترتيب علاقات مجلس الأمن مع هذه القضية في أبعادها السياسية والقانونية. وعليه، فمقاربتنا لهذا القرار ستعتمد آليات نظرية تحليل الخطاب وآليات الاتصال السياسي، سعيًا لبلورة الآفاق الإستراتيجية لمستقبل الصحراء المبني على تحليل واقع الصحراء بإكراهاته وتجلياته.
وانطلاقًا من هذا القرار نتساءل: كيف تعامل الخطاب الرسمي المغربي مع هذا القرار؟ ما هو مضمونه؟ كيف حدد هذا القرار موقف مجلس الأمن من قضية الصحراء؟ ما هي الآليات التي طرحها هذا القرار لحل هذه القضية؟ عن أي تقرير مصير يتحدث هذا القرار؟ ماذا يقصد القرار بقبول الطرفين مفاوضات بدون شروط مسبقة؟ على أي أسس ستتم عملية التفاوض؟ هل الحل السياسي المقترح من طرف مجلس الأمن هو في صالح المغرب أم لا؟ ما علاقة هذا القرار بالمبادرة المغربية؟ وكيف سيتفاوض المغرب مع جبهة البوليساريو وعلى أي أساس؟ ماذا يقصد القرار بالشعب الصحراوي؟.

تفكيك مضمون الخطاب

سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة من داخل القرار وليس من خارجه، وذلك باعتماد آليات تحليل الخطاب الذي يحول هذا القرار إلى أرقام إحصائية سنقاربها فيما بعد، ونشير أن هذا القرار الذي صدر يوم 30 أبريل 2007 جاء قصيرًا من حيث تركيبته اللغوية المتكونة من 419 كلمة سنقدمها على الشكل التالي:

المفهوم ———- التكرار ——– النسبة المائوية

الأمين العام————–6 ——————- 1.43
مساعدة الطرفين———-6 ——————- 1.43
مجلس الأمن———— 5 ——————- 1.19

المفاوضات————- 3 ——————- 0.71
شعب الصحراء الغربية—3——————– 0.71
الصحراء الغربية——- 2——————– 0.47
المفاوضات————3——————— 0.71
حل سياسي عادل دائم مقبول— 2 ————– 0.71
تقرير مصيره———- 3——————– 0.71
المأزق الراهن——— 1——————– 0.23
المقترح المغربي——-1——————— 0.23
مبادئ ميثاق الأمم المتحدة—– 1————— 0.23
إيجاد حل سياسي—— 1——————— 0.23
قراراته السابقة——- 1———————- 0.23
جبهة البوليساريو—– 1———————- 0.23

يتبين من هذا الجدول هيمنة مجموعة من المفاهيم، أهمها الأمين العام ومجلس الأمن والطرفين وشعب الصحراء الغربية وتقرير المصير والمفاوضات. ويجسد حضور هذه المفاهيم في هذا القرار بهذا الشكل أننا أمام قضية سياسية بين طرفين هما المغرب والبوليساريو سيلعب فيها الأمين العام ومجلس الأمن دور الوسيط لإيجاد حل سياسي لهذه القضية، وهو أمر طبيعي.

سياق هذا القرار

جاء تصويت مجلس الأمن الدولي عن هذا القرار بعد تقديم المغرب أمام أعضائه المبادرة المغربية للتفاوض حول نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء في 11 إبريل 2007؛ لتقوم بعد ذلك جبهة البوليساريو بتقديم مقترح آخر إلى الأمين العام في نفس الشهر.

ونشير أنه بقدر ما كانت المبادرة المغربية من أجل الحكم الذاتي هجومًا مغربيًّا ذكيًّا على المستوى الدولي، بقدر ما أحيت قضية الصحراء وأعطت لجبهة البوليساريو فرصة العودة بقوة إلى الواجهة بعد أن قطعت أشواطًا في التلاشي والنسيان وهو ما استغلته الجزائر والانفصاليين جيدًا لصالحهما.

ملاحظات أولية

يتبين من المقاربة الأولى لقرار مجلس الأمن أن فئة المفاهيم التي احتلت موقعًا أساسيًّا هي: الأمين العام تكررت 6 مرات ونسبة 1.43%، ومساعدة الطرفين 6 مرات أيضًا، ومجلس الأمن 5 مرات ونسبة 1.19%، وتقرير المصير 3 مرات ونسبة 0.71%، وشعب الصحراء الغربية 3 مرات، والمفاوضات 3 مرات والصحراء الغربية 2 مرتين ونسبة 0.47%.

ومن خلال هذه المفاهيم نقول: إن ما تردد على لسان عدد من المسئولين المغاربة وما كتب في عدد من المنابر الصحفية فيه نوع من المغالطات والتأويلات لهذا القرار. ذلك أن المحلل لهذا القرار سيقف على مجموعة من الأفكار والقضايا سكت عنها بعض المسئولين والإعلاميين المغاربة، بل قاموا بتأويلها، ومن أهمها:

أول ملاحظة مثيرة في هذا القرار الذي صوّت عليه مجلس الأمن في موضوع الصحراء هي عدم تعرضه بتاتًا للمبادرة المغربية حول الحكم الذاتي، بل تحدث القرار عن "المقترح المغربي" ورحّب "بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدمًا بالعملية صوب التسوية".

وهذه نقطة إيجابية تسجل للمغرب؛ لأنه لأول مرة يعترف مجلس الأمن بالجهود المغربية في ملف الصحراء. لكن هذا القرار غُضَّ الطرف عن قبوله أو رفضه للمبادرة المغربية حول الصحراء التي تعتبر وثيقة مهمة يمكن أن تكون أرضية للتفاوض.

وعكس ما ردده المسئولون المغاربة حول إقرار هذا القرار القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن بشأن الصحراء وخصوصًا القرار الأممي رقم 1495 الصادر شهر يوليو 2003، فإن القرار الجديد أقر في مقدمته: "إن مجلس الأمن إذ يشير إلى جميع قراراته السابقة بشأن الصحراء الغربية"، وهو ما يؤكد ولو بكيفية غير مباشرة أن هذا القرار يستمد مرجعياته من جميع القرارات السابقة بشأن الصحراء الغربية. وهذا ما يفسر الحضور القوي لصيغة مفهوم مجلس الأمن بـ6 ترددات. هذا الأخير الذي أكد أنه يلتزم مجددًا مساعدة الطرفين على التوصل إلى "حل سياسي عادل ودائم ومقبول بين الطرفين". ولهذا جدد مجلس الأمن الدولي ضرورة الاحترام التام للاتفاقيات العسكرية التي تم التوصل إليها مع بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في "الصحراء الغربية".

والغريب في الأمر أن قرار مجلس الأمن لم يحدد أسس هذا الحل ولا طبيعته في ظل تناقض موقف الطرفين، وقد أشار هذا القرار أن هذا الحل يجب أن "يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة ومقاصده". وهو ما يعني أن مجلس الأمن سيعتمد إطار حل جديد للتفاوض عليه بين الطرفين تحت رعاية الأمين العام، وهو ما سيعيد مسألة الصحراء إلى الدرجة الصفرية من جديد. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل ماذا سيكون مصير المبادرة المغربية حول مشروع الحكم الذاتي؟ ماذا يمكن للمغرب أن يقدمه من حلول أكثر مما طرحته مبادرة مشروع الحكم الذاتي التي تبقى أقصى ما يمكن تقديمه كإطار لحل قضية الصحراء؟ وعلى أي قاعدة سيقبل المغرب التفاوض مع البوليساريو؟ خصوصًا بعد أن أهاب مجلس الأمن في النقطة 2 من القرار بالطرفين "أن يدخلا في مفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية".

وهنا نتساءل ما معنى التفاوض دون شروط مسبقة بالنسبة للمغرب والبوليساريو؟ أيمكن للمغرب أن يتفاوض دون فرض شرطين أساسين حولهما إجماع وطني؛ وهما إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية الوطنية، الأمر الذي أكدته المبادرة المغربية في المادتين 2 و6.

أي تفاوض بين المغرب والبوليساريو؟

إن الشرطين السابقين هما بمثابة خطين أحمرين بالنسبة للإجماع الوطني المغربي، وهو ما يثير التساؤل: ما هو منطلق هذا التفاوض وعلى أي أسس؟ وهل المغرب سيدخل للتفاوض مع البوليساريو كدولة أم كحركة انفصال؟ أم كممثل للشعب الصحراوي؟ وهل سيقبل البوليساريو التفاوض مع المغرب كدولة احتلال أم كدولة ذات سيادة على الصحراء؟ وهل سيقبل المغرب التفاوض مع هذه الجبهة على أساس تقرير المصير الذي حضر في نص القرار بـ3 ترددات، ومع من سيتفاوض المغرب ومع أي جهة من البوليساريو؟ وما هو موقع اللوائح في هذا التفاوض؟ وماذا إذا قرر البوليساريو نتيجة ضغوطات الجزائر ومناوراته إفشال المفاوضات، وذلك عبر التشبث بتقرير المصير أي الاستقلال؟.

تقرير المصير في هذا القرار

من الصيغ الفضفاضة التي جاء بها هذا القرار حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، الأمر الذي يجعل المهتم يتساءل: ماذا يقصد القرار بالشعب الصحراوي خصوصًا أن جبهة البوليساريو لا تمثل كل الصحراويين؟. ألا يُعَدّ هذا خرقًا للقانون الدولي الذي يعطي للمفهوم شروطًا معينة لا تتوفر في البوليساريو؟… ماذا يقصد بتقرير المصير؟ وماذا يعني هذا المفهوم عند المغرب وعند جبهة البوليساريو؟ خصوصًا أن لمفهوم تقرير المصير عدة دلالات ومعانٍ. فما هو مبدأ تقرير المصير في القانون الدولي والذي فهمه كل من المغرب وجبهة البوليساريو بطريقته الخاصة.

التعريف المتداول لهذا المفهوم هو أن أي شعب من الشعوب له الحق الكامل أن يختار ويبني حاضره ومستقبله السياسي والثقافي والاقتصادي بنفسه دون تدخل أجنبي، ودون ضغوط داخلية أو خارجية وفي جو ديمقراطي وحر. وإذا أردنا أن نفهم معنى حرية الشعوب في تقرير مصيرها دون تلاعب بالتعاريف الحقوقية، فإن حق الشعوب في الاستقلال يتضمن حق تقرير مصيرها.

وفي هذا الصدد نشير إلى حرص القانون الدولي على تأكيد حق تقرير المصير للشعوب في أن تختار بشكل حر ومستقل عن أي فئة أو جهة أخرى خارجية، النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تريد. ويتجلى حق تقرير المصير في مظهرين خارجي وداخلي. فهو في مظهره الخارجي يعنى بتحديد الوضع الدولي للدولة أو الشعب من حيث اكتساب الاستقلال أو المحافظة عليه (اكتسابه للشعوب المستعمرة والمحافظة عليه للشعوب المستقلة) أو من حيث اندماج الوحدة السياسية مع وحدة أو وحدات أخرى ضمن أحد أشكال الاندماج التي يعترف بها القانون الدولي. وهو يعطي الوحدة السياسة الحق في أن تسلك الطريق التي تشاء في علاقاتها الخارجية من دون تدخل خارجي من قبل الشعوب أو الوحدات السياسية الأخرى؛ إذ لها أن تنشأ أو توقف علاقاتها الدبلوماسية وأن تنضم أو أن تنسحب من المنظمات والهيئات الدولية.

أما من حيث مظهره الداخلي، فإن حق تقرير المصير هو حق أغلبية الشعب داخل الوحدة السياسية المقبولة وفقًا لمبادئ القانون الدولي في ممارسة السلطة (دولية أو إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي)؛ لإقامة شكل الحكم والمؤسسات الوطنية بصورة تتلاءم ومصالح هذه الأغلبية ولا يتضمن حق تقرير المصير الداخلي حق الانفصال؛ إذ ليس للأقليات حق تقرير مصير يمكنها من أن تحتج به للمطالبة بانفصالها عن إقليم الدولة. ذلك أن ما يرتبه القانون الدولي هو أن تصان حقوقها عن طريق التزام الأغلبية واحترام حقوق الإنسان. وأعتقد أن هذا هو مفهوم تقرير المصير الذي نصت عليه المبادرة المغربية بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء.

وترى الجماعة الدولية أن حق تقرير المصير يمارس عمومًا عن طريق الوسائل الودية والديمقراطية التي يُعَدّ الاقتراع العام أهمها ويفضل أن تتم ممارسته بإشراف الأمم المتحدة أو تحت رعايتها، وعلى أساس أن لكل شخص صوتًا واحدًا بغض النظر عن أصله وعرقه ودينه ولغته… ومن خلال القرار يتبين أن تقرير المصير يختلف دلاليًّا من المغرب إلى البوليساريو، فتقرير المصير في الخطاب الرسمي المغربي لا يعني الانفصال، بل الانضمام إلى الوطن الأم. وعلى هذا الأساس فتقرير المصير في مفهوم المغرب هو ما تضمنته المبادرة المغربية حول نظام الحكم الذاتي الذي قدم إلى مجلس الأمن. بينما تذهب البوليساريو والجزائر إلى إعطائه دلائل الاستفتاء الذي يؤدي إلى الانفصال. وهذه نقطة مهمة لم يحسم فيها القرار الأممي.

ولعل هذا هو ما جعل المغرب وجبهة البوليساريو يعلنان ارتياحهما للقرار، فقد اعتبره كل طرف نصرًا على الآخر، في الوقت الذي يفهم من صيغة القرار أنه جاء لترسيخ نوع من التوازن بين المغرب والبوليساريو لا غالب ولا مغلوب؛ ولذلك عمل مجلس الأمن في قراره السالف الذكر على عدم اعتماد مقترح المغرب حول الحكم الذاتي ومقترح البوليساريو، وإنما طلب منهما التفاوض حول حل سياسي دون شروط مسبقة.

أهداف القرار

توزعت أهداف هذا القرار بين:

أ – مساعدة الطرفين التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول.
ب – تقرير مصير الشعب الصحراوي.
ج – تهيئة شروط مفاوضات مباشرة بين الطرفين دون تسميتهما وهو ما يعني أن كفتي المغرب والبوليساريو أصبحتا متساويتين.
د – إيجاد حل سياسي مقبول من قبل أطراف النزاع حول الصحراء.

ولتحقيق هذه الأهداف أقر القرار أن المفاوضات ستتم تحت رعاية الأمين العام ومجلس الأمن، مع مطالبة الدول الأعضاء إلى تقديم الدعم الملائم لهذه المفاوضات وطالب التقرير من الأمين العام تقديم تقرير أمام مجلس الأمن قبل حلول 30 يونيو 2007.

وهنا نشير إلى صعوبة إيجاد حل سياسي لقضية معقدة دامت أكثر من 32 عامًا في مدة شهرين، خصوصًا أن القرار لم يشر إلى الجزائر لتكفّ عن تدخلها المباشر ودعمها المطلق لجبهة البوليساريو. هذا الدعم الذي يعرفه الكل حتى أعضاء مجلس الأمن. ويكفي أن نقدم دليلاً واحدًا هو النقد اللاذع لوزير الخارجية الجزائري وللممثل الدائم لها بمجلس الأمن لفرنسا وللولايات المتحدة الأمريكية ولأسبانيا؛ بسبب تأييدهم المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي ووصف المبادرة بالجدية والمصداقية.

آفاق قرار مجلس الأمن الدولي

بالنسبة للمغرب، فقد عبّر الخطاب الملكي منذ خطاب العرش لسنة 2004 عن رغبة المغرب في إيجاد حل سياسي نهائي ومتفق عليه بالنسبة للخلاف المفتعل، وأكد أيضا أنه لن يدخر جهدًا في التعامل مع الأمم المتحدة والدول المجاورة وغيرها من شركاء المغرب من أجل بلوغ هذا الهدف. وقد جاءت المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء المكونة من ثلاثة محاور و35 مادة واضحة في هذا الصدد، أكد فيها المغرب في المحور الأول من مبادرته المكونة من 10 مواد التزامه بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي في تعاون تام مع الأمم المتحدة لوضع حد للمأزق الراهن؛ ولذلك انخرط المغرب بتقديم مبادرة للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء في إطار سياسة المملكة ووحدتها الترابية الوطنية (المادتان 1 و2)، مبادرة تمكن كافة الصحراويين سواء الموجودين في الداخل أو الخارج تدبير شئونهم بأنفسهم من حلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية متمتعة باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات (المادة 5). وقد شدد المغرب في هذه المبادرة "أن نظام الحكم الذاتي المنبثق عن المفاوضات سيخضع لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين طبقًا لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة".

أما في المحور الثاني المتعلق بالعناصر الأساسية للمقترح المغربي، فقد أكد المغرب أن مشروع الحكم الذاتي المغربي يقوم على ضوابط ومعايير معترف بها عالميًّا ومستمد من الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة جغرافيًّا وثقافيًّا (المادة 11). وقد منح هذا المشروع اختصاصات واسعة للصحراء في إطار الحكم الذاتي: برلمان وحكومة ورئيس حكومة ومجالس اقتصادية واجتماعية ومؤسسات.

أما في المحور الثالث فقد أقر المشروع مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله. وفي هذا المحور حدد المغرب أن الحكم الذاتي سيكون موضوع تفاوض واستفتاء حر ضمن استشارة ديمقراطية. وسيتم هذا الاستفتاء طبقًا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن؛ ليكون بمثابة ممارسة حرة من لدن السكان لحقهم في تقرير المصير (المادة 27). وسينتج عن هذا الاستفتاء مراجعة دستور المغرب بهدف إدراج نظام الحكم الذاتي فيه.

يتبين إذن من المبادرة المغربية أن للمغرب إرادة قوية وواضحة لحل النزاع المفتعل حول الصحراء، وعبر عن التزامه لمنح الصحراويين حق تقرير المصير؛ وذلك للانضمام إلى الوطن الأم. وعلى المغرب أن يستعد جيدًا للمفاوضات التي ستكون شاقة وصعبة فيها العديد من المناورات والمكائد السياسية ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، فالأمر لن يكون بالسهل وباليسير، بل إن التفاوض مع البوليساريو هو التفاوض مع الجزائر التي تُعَدّ عائقًا لإفشال أي تقارب بين الصحراويين ووطنهم الأم.

أما بالنسبة لمجلس الأمن: يجب أن تتوفر الإرادة السياسية عند أعضائه الدائمين للضغط على الجزائر قبل البوليساريو لقبول التفاوض بحسن نية والاستفادة من الطرح المغربي لنظام الحكم الذاتي الذي يمنح للصحراويين صلاحيات واسعة لتدبير شئونهم. وما دام جلّ أعضاء مجلس الأمن قد اعتبروا المبادرة المغربية مبادرة جادة وذات مصداقية، فيجب أن يفرضوها كإطار للتفاوض مع الطرف الآخر.

وتعتبر الجزائر التي تغاضى القرار الأممي عن ذكرها طرفًا أساسيًّا من الأطراف المهمة إن لم نقل الفاعلة الأساسية. ذلك أن البوليساريو لا وجود له دون الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي والعسكري واللوجستي الجزائري. ويجب على مجلس الأمن وأمينه العام أن يفهما جيدًا أنه من المستحيل أن ينجح أي تفاوض أو تمرير أي حل سياسي دون إدماج الجزائر فيه. وعلى الجزائر أن تختار بين الإرادة في تحقيق تقرير شعب بدون أرض والإرادة في تحقيق المغرب العربي الكبير على أرض الواقع.

أما جبهة البوليساريو: توجد هذه الحركة اليوم بين مفترق طرق، وعليها أن تستغل العرض المغربي الذي يمنح كثيرًا من الصلاحيات للصحراويين. وأن يقتنع البوليساريو بأن قرار مجلس الأمن في موضوع الصحراء لا يتضمن حق تقرير المصير الداخلي وحق الانفصال؛ إذ ليس للأقليات حق تقرير مصير يمكنها من أن تحتج به للمطالبة بانفصالها عن إقليم الدولة. ذلك أن ما يرتبه القانون الدولي هو أن تصان حقوقها عن طريق التزام الأغلبية واحترام حقوق الإنسان. وأعتقد هذا هو مفهوم تقرير المصير الذي نصّت عليه المبادرة المغربية بشأن نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء.

الأكيد أن القرار الأممي الجديد قد أخرج قضية الصحراء من حالة الجمود لإعطائها دينامية جديدة وذلك عبر المفاوضات المباشرة بين أطراف الصراع، لكن هذا التفاوض سيضع المغرب على محك حقيقي وتحديات جديدة تفرض على الدولة المغربية أن تقنن ضبط المفاهيم القانونية والسياسية والاستثمار في مناهج التفاوض الإستراتيجي واعتماد الموارد البشرية المؤهلة؛ لأن ما سيأتي لن يكون سهلاً على المغرب وعلى أكثر من صعيد. فعداوة 32 سنة لن يمحوها شهران من التفاوض أو قرار أممي دون أن تتوفر الإرادة السياسية القوية عند كل الأطراف المعنية بملف الصحراء، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تقتنع بأن من مصلحتها الجيوسياسية والإستراتيجية أن تجد حلاًّ لهذا الصراع المفتعل والذي أصبحت فيه الصحراء إحدى الفضاءات المفضلة للإرهابيين.

———————————————————————

أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق ـ جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وخبير دولي في تحليل الخطاب السياس

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. استاد
    21/05/2007 at 20:06

    يقول باشلارد « إن تاريخ العلم هو تاريخ اخطائه » وأنا أقول بأن تاريخ الصحراء هو تاريخ اخطاء الدولة المغربية .المتتبع لهدا الملف يلحظ جيدا الانزلاقات التي وقع فيها الحكم المغربي مند البداية من تقاسمها مع مورطانيا الى استرجاعها الى رفض مبدا تقرير المصير الى قبوله والزج ببعض من رفضوه في السجن الى رفض التفاوض مع البوليساريو الى التفاوض معه. مواقف عديدة لقضية واحدة وفي كل مرة هناك تنازل .اننا نتغنى بالانتصار والحققيقة هي عكس دلك كانت الوليساريو تحتضر لولا هدا المشروع . ان قرار الأمم المتحدة قرار يلزمنا بالتفاوض ونحن كنا دائما نرقض هدا .انه يقول بتقرير المصير ونحن كنا دائما نرفض هدا . الحكم الداتي نوع من تقرير المصير كما نقول نحن في المغرب ولكن للجزائر عبر صنيعتها البوليساريو راي مخالف فهل نبقى دائما ننحني ونتراجع الصحراءمغربية ولاننتظر قبولا لما طرحناه .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *