استهداف الإسلام من أجل تنفيذ أجندة علمانية رأسمالية
من المعلوم أن ما حدث ، وما يحدث في العالم العربي من انتفاضات إنما يعزى إلى استبداد الأنظمة وفسادها ، وتنفيذها للأجندات الأجنبية على حساب مصالح الشعوب العربية . ومعضلة هذه الانتفاضات أنها صارت هدفا لمجموعة من الأطراف وعلى رأسها القوى الأجنبية التي تريد الاستفادة منها، كما كانت تستفيد من قبل من أنظمة مستبدة تحظى بدعمها ، وعلى رأس الدعم السكوت عن استبداد وفساد هذه الأنظمة . كما تحاول الأنظمة المستبدة الفاسدة نفسها الاستفادة من هذه الانتفاضات ، إما من خلال اتهامها بالخيانة والإجرام لتبرير استخدام العنف الذي لم يغب طيلة فترة استبداد هذه الأنظمة كما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا ، أو من خلال استبدال أقنعة الأنظمة الفاسدة بأقنعة مضللة كما هو الحال في تونس ومصر ، أو من خلال إفراغ هذه الانتفاضات من مدلولها عن طريق تسويق العلاج المرهمي لجروح بالغة العمق كما هو الحال في باقي الدول العربية . كما تحاول أطياف سياسية فاسدة كانت تشارك الأنظمة الفاسدة في أدوار مسرحية هزلية استغلال هذه الانتفاضات وركوبها لتمديد عمرها ، وتشبيب شيخوختها الملفوظة من طرف الشعوب . والملاحظ أن هذه الانتفاضات صارت هدف كل الأطراف ، والكل يريد ركوبها من أجل تحقيق مصالحه المفضوحة . وأمام تضارب المصالح بين هذه الأطراف نشأ الصراع بينها ، واندلعت الحروب الإعلامية بينها ، وهي حروب دعائية من أجل التغطية على المصالح المكشوفة لهذا الطرف أو ذاك . ومن ضمن الأطراف المتصارعة من أجل الاستفادة من الانتفاضات التنظيمات الحزبية والجماعات السياسية . ولقد كان الصراع بين هذه الأطراف في أوج بعض الانتفاضات كما هو الحال في تونس عندما عاد المعارض الإسلامي راشد الغنوشي ،فاستقبله أتباعه في المطاربالترحاب ، كما استقبله العلمانيون في نفس الوقت بالاحتجاجات . والغريب أن انتفاضة تونس لم تشغل العلمانيين عن عودة الغنوشي المضطهد من طرف النظام البائد. وواصل العلمانيون حقدهم على الغنوشي ، وهو حقد كانوا يتقاسمونه مع النظام البوليسي الساقط . وسرعان ما طفا الصراع الإسلامي العلماني إلى السطح في مصر ، وبلغ أوجه عندما عادت التجمعات إلى الشارع المصري للمطالبة بتعجيل تنفيذ مطالب الانتفاضة المصرية . ولم يشغل الطرفان الإسلامي والعلماني الخطر الذي يتهدد الانتفاضة في الخارج والداخل ، ولم تشغلهم محاكمة رموز النظام البائد عن إدارة الصراع بينهم بقوة وبعنف . وكل طرف يشكك في نوايا الطرف الآخر ويتهمه .
ولا يقتصر الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس ومصر بل يمتد إلى باقي الأقطار العربية التي تعرف انتفاضات أو شبه انتفاضات . والغريب في هذا الصراع أنه أخذ شكل حرب المواقع قبل معرفة مصير الانتفاضات . ويبدو الإسلاميون والعلمانيون وكأنهم كانوا يتحينون الفرصة لإدارة الصراع فيما بينهم ، فوجدوا الفرصة السانحة في الانتفاضات فركبوها . والسر وراء ظهور هذا الصراع بين هذين الطيفين المتناقضين هو الوضع الذي أملاه الغرب على الأنظمة الفاسدة ، والمتمثل في قمع الطيفين معا في السابق إبان الحرب الباردة ، أو بشكل أدق قمع ما كان يعتبره تطرفا دينيا أوعلمانيا ، ذلك أن معظم الأنظمة العربية كانت تدير حربا قمعية ضد من كانت تعتبرهم متطرفين من الإسلاميين ، أومن العلمانيين اليساريين على حد سواء. وتاريخ هذه الأنظمة حافل بالمحاكمات الظالمة ضد الطيفين معا . ومع انهيار الاتحاد السوفياتي ، وتبخر العلمانية الشيوعية اختلقت العلمانية الرأسمالية عدوا من الإسلاميين بعدما استفادت من تجربة المقاومة الأفغانية ضد العلمانية الشيوعية ، وصارت تتخوف منها ، وتخطط لإجهاضها وهي التي كانت من قبل تساندها من أجل إدارة حربها الباردة. ولم يهدأ بال العلمانية الرأسمالية حتى استبدلت عدوتها العلمانية الشيوعية بعدو جديد هو الإسلام ، وطبخت أحداث الحادي عشر من شتنبر من أجل تبرير غزو أفغانستان التي كانت مسرحا للصراع بين الإسلاميين والعلمانية الشيوعية في حرب استباقية من أجل القضاء على النموذج الإسلامي الطالباني الذي كان من المتوقع أن يتوجه إلى العلمانية الرأسمالية بعد دحر العلمانية الشيوعية . وازداد خوف العلمانية الرأسمالية من النموذج الإسلامي الجهادي خصوصا في منطقة الشرق الأوسط حيث يوجد الكيان الصهيوني المستنبت . وكانت الأجندة الغربية المصدرة إلى الأنظمة العربية المستبدة لقيادة عملية استئصال وقمع الحركات الإسلامية خصوصا المقتنعة أو المتعاطفة مع فكرة الجهاد من أجل القضاء على الكيان الصهيوني. وجاء تطبيق الأجندة الغربية في الوطن العربي من خلال مسرحيات هزلية على غرار مسرحية الحادي عشر من شتنبر.
والغريب أن الطابور الخامس العلماني الشيوعي في الوطن العربي ، وبعد انهيار المعسكر العلماني الشيوعي الذي كان يدعمه، لم يجد صعوبة في الاندماج مع المعسكر العلماني الرأسمالي ضد الحركات الإسلامية ، وصار العلمانيون اليساريون المناضلون بين عشية وضحاها يرددون مقولة العلمانية الغربية في الإسلام والإسلاميين بعدما كانت مقولتهم في العلمانية الرأسمالية تصم الآذان لعقود من السنين ، وكانوا يتهمون الإسلاميين بالتآمر عليهم مع العلمانية الرأسمالية . وبمجرد انهيار المعسكر السوفياتي لم يعد العلمانيون اليساريون العرب يجدون غضاضة في التحالف مع العلمانية الرأسمالية لتبرير حقدهم على الإسلاميين . وهكذا صار العلمانيون اليساريون العرب يرددون مقولات العلمانية الرأسمالية نكاية في الإسلاميين من قبيل مقولة الإرهاب ، وكانوا أسرع من يتهم الإسلاميين بهذه التهمة من أجل كسب ود العلمانية الرأسمالية بعدما قضت العلمانية الشيعية ، ولم يعد لهم غطاء يحميهم . وهكذا صار العلمانيون اليساريون العرب يطبقون نفس الأجندة الأجنبية التي تطبقها الأنظمة العربية الفاسدة من أجل استئصال شأفة الإسلاميين . ومن المعلوم أن العلمانية الرأسمالية بعد انفرادها بقيادة العالم فكرت في عولمة نموذجها العلماني ، لهذا اختلقت عدوها من الإسلاميين ، وأدارت حربا معه لتعلن انتصارها عليه ، وتحقيق حلم تعميم العولمة ، وهو ما لم يستقم لها لحد الآن . لهذا دخلت على الخط في ما يتعلق بالانتفاضات العربية توجسا من وجود النفس الإسلامي الجهادي فيها الشيء الذي يعني انهيار أجندتها الكامل. والمتتبع لتردد العلمانية الرأسمالية في دعم الانتفاضة الليبية على وجه الخصوص يدرك مدى تخوف هذه العلمانية من التيار الإسلامي غير الخفي في الانتفاضة الليبية ، وهو ما يعني ظهور التيار الجهادي بشكل جديد ومن خلال وصفة غير وصفة طالبان .
ونفس الموقف تقفه العلمانية الرأسمالية من الانتفاضات العربية الأخرى خصوصا في اليمن حيث الظروف مواتية لتسويق تهمة الإرهاب الإسلامي . والعلمانية الرأسمالية هي التي تقف وراء الصراع الحالي المندلع بين الإسلاميين والعلمانيين في الوطن العربي ، وهو صراع من المنتظر أن يأخذ أبعادا غير الأبعاد الحالية خصوصا بعدما يتضح الأمر في الدول العربية التي ستنتهي فيها الانتفاضات بشكل أو بأخر، إما بغلبة إرادة الشعوب العربية المنتفضة ، وإما بتنفيذ الأجندة الأجنبية . ولا نستغرب اشتداد الحرب الإعلامية بين العلمانية العربية والإسلاميين ، وهي حرب بدأت مباشرة بعد الانتفاضات ، ولم تهدأ حتى في أوج هذه الانتفاضات . وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن المستهدف في الصراع بين العلمانيين والإسلاميين في الوطن العربي هو الدين الإسلامي لأن الأجندة الأجنبية تريد ذلك من أجل توفير الجو المناسب في العالم لعولمة نموذجها العلماني المنتصر بعد الحرب الباردة .
Aucun commentaire