منهج أهل الباطل في تعاملهم مع أهل الحق
منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى ادم عليه السلام وما تم من رفض لأمر الله عز وجل بالسجود لآدم عليه السلام من إبليس , ابتدأ الصراع بين الخير والشر والحق والباطل حيث كان أول امتحان لإرادة الصراع في نفس ادم هو استماعه لوسوسة الشيطان بالأكل من الشجرة ونزوله إلى الأرض عقوبة له على ذلك , وتوالى الصراع بين الحق والباطل في الحسد بين أبناء ادم الذي انهارت إرادة الخير وتغلب الباطل على قابيل حيث قام بقتل أخيه هابيل لأجل قضية دنيوية لا تستحق أن يكون صراع عليها, فالصراع بين الحق والباطل قديم منذ قدم البشرية ولن ينتهي هذا الصراع إلا بقيام الساعة وانتهاء سببية وجود الإنسان على الأرض .
وان الصراع بين الحق والباطل يأخذ أشكالا وأساليب متنوعة وطرقا مختلفة في إدارة الصراع من الباطل ومن هذه الأساليب ( أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) وهذا الأسلوب ورد في القران الكريم على لسان قوم لوط عندما ضاقوا به ذرعا , وشعروا بوجود خطر حقيقي يهدد منهج حياتهم السلوكي الذي ابتعد عن الفطرة السليمة ومارس قمة الشذوذ الأخلاقي في علاقة الإنسان مع الإنسان, وقد حاول سيدنا لوط عليه السلام تقويم هذا الانحراف ودعوة الناس إلى العلاقة الطبيعية والتي يجب إن تكون بين الرجل والمرأة , ويقول الله تعالى عن ذلك( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) ) سورة الشعراء, و(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81))سورة الأعراف
فكان جواب قومه كما ورد في القران الكريم(فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (56) سورة النمل , وأيضا كما ورد جواب قوم لوط في سورة الأعراف (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) سورة الأعراف , وهذا الأسلوب قديم متجدد ينتهجه أهل الباطل من أيام لوط عليه السلام وحتى وقتنا الحالي , هذه الصورة تتكرر في كل عصر يشتد فيه ويعلو صوت الباطل، تتكرر في جميع زواياها، مع اختلاف فقط في الأوصاف والحيل لتلائم العصر المعاش, وهناك عدة مظاهر لهذا الأسلوب لا تتغير بتغير الزمان والمكان ,
ومن مظاهر أسلوب (أخرجوهم من قريتكم )
– أهل الباطل لا يوجد لديهم منطق وقدرة على حوار أهل الحق بالمنهج الموضوعي والعلمي والإنساني, إلا استخدام أدوات القوة , اللغة الوحيدة التي يفهمها ولا يتقن سواها .
– السلطة في القرية أو في المجتمعات الإنسانية في الغالب مرتبطة بمصالح متداخلة مع أهل الباطل, كون الخير والحق ينادي بمفاهيم تتعلق بحياة الإنسان على الأرض, من عدالة وحرية ومساواة وكرامة واستقامة وبعدٍ عن الفساد بأشكاله المختلفة, وهذه المعاني لا ترضي أهل السلطة في كثير من الأحيان لان تطبيقها في الواقع الإنساني قد تبعد أهل السلطة عن مواقعهم مما يخلق حالة من الاندماج التكويني بين أهل الباطل والسلطة , ويتحدون معا في مواجهة أهل الحق بكافة الأساليب والوسائل, أو قد تنطلي أساليب خداع أهل الباطل على أهل السلطة في أن أهل الحق يشكلون خطرا حقيقيا عليهم بما يحملون من أفكار تجديدية وتغييرية ,وبالتالي يتخذ أهل السلطة موقف العداء الصارخ من أهل الحق. وتأمل كلمة(أخرجوهم) فهي فعل أمر, يبين الحكم النهائي لمصير لوط عليه السلام وأتباعه وتدل على أن قائلها يتمتع بسلطة كبيرة في القرية .
– الباطل ينظر إلى الحق وأهله في قرارة نفسه أنهم فئة طاهرة , تدعو إلى الله وتمارس نشر الفضيلة بين أفراد المجتمع الإنساني,وتصحيح العلاقة بين البشر ورب العالمين, وتحاول أن تنشر الخير والهداية في مجتمعهم
فالباطل يخاف من الحق وأهله, ولهذا يحاول أن يعمل فاصل مادي بينه وبين أهل الحق حتى لا يتأثر مجتمع أهل الباطل بفكر وسلوك أهل الحق( وهذا أيضا من الضعف التي يعيشها أهل الباطل) فكلما كان أهل الحق بعيدين عن مواقع التأثير والاحتكاك كلما كانت فرصهم في التغيير ضعيفة وان هذا الفصل المادي يأخذ أشكالا متعددة في زمننا الحاضر, من إبعاد أي إنسان صالح مصلح يحاول أن يغير في فكر وسلوكيات المجتمع من مواقع التأثير سواء بفصله عن موقعه ووظيفته أو بذل كافة الوسائل والأساليب لعدم وصوله إلى هذه المواقع. لهذا يلجا أهل الباطل تطبيقا لمنهج (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) إلى إبعاد أهل الحق سواء بالطرد من الوطن أو التصفية أو الإعدام تطبيقا لقاعدة تجفيف منابع الخير.
وانظر إلى قوله تعالى يخبرنا عن رد قوم سيدنا شعيب عندما دعاهم إلى وحدانية الله, وإيفاء الكيل والميزان وعدم بخس الناس أشيائهم (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) سورة الأعراف .
وانظر أيضا إلى تآمر أهل قريش على حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)) سورة الأنفال , فالمنهج الاقصائي الذي يمارسه أهل الباطل لا يتغير بتغير الزمان والمكان من زمن لوط عليه السلام حتى وقتنا الحاضر, ومن صور المنهج الاقصائي أيضا كبت حرية التعبير في أي شأن من شؤون الحياة , لان هناك ترابط منطقي بين ضمان حرية التعبير ومحاولة اكتشاف الحقيقة، أو اللجوء إلى تزوير إرادة الناس في أي انتخابات يشارك فيها أهل الحق.
– يعتبر أهل الباطل أن القرية ( مكان السكن والإقامة والوطن ) هو ملك لهم فقط (أخرجوهم من قريتكم) فالقرية تعود ملكيتها لهم وليس لأهل الخير والحق, ولهذا يطالب أهل الباطل بإخراج أهل الحق من وطنهم لان مقياس المواطنة والانتماء والولاء بنظر أهل الباطل هو الالتزام بمنهجهم الفاسد والبعيد عن القيم والمعاني الإنسانية السامية,وعندما يتبرأ أهل الحق من منهجهم الإصلاحي والتغييري سيكون لهم المنزلة الرفيعة و الصدارة في القرية ( الوطن ) وسيكون منطق أهل الباطل في ذلك عندئذ( اسكنوهم من حيث سكنتم إنهم أناس فاسدون )ولهذا لو سكت سيدنا لوط عليه السلام عن منهجهم غير السوي لاعتبر من أسياد وزعماء ووجهاء القرية؟؟؟!!!!
أهل الباطل لا يوجد لديهم حلولٌ وسطى في تعاملهم مع أهل الحق, فإما الالتزام بالمنهج الباطل أو الإخراج والطرد من الوطن أو الوظيفة أو أي موقع تأثيري في مؤسسات المجتمع
سبب عداء أهل الباطل لأهل الحق أنهم يتطهرون وليس أنهم طاهرون, أي لا يكتفوا أن تكون أنفسهم طاهرة فقط بل يمارسون نشر الخير والطهارة والفضيلة بين أفراد المجتمع, وهذه طبيعة الإنسان المصلح الذي يدعو الناس إلى الالتزام بمنهج رب العالمين , ونشر الخير بينهم, والتنبيه إلى مخاطر الانحراف الأخلاقي والسلوكي, ومخاطر تطبيق منهج ارضي من صناعة البشر,ولهذا قد يكتفي أهل الباطل من الآخرين أنهم صالحون وطاهرون شريطة أن لا يتدخلوا في شؤون حياة المجتمع وشؤون أهل الباطل وان تكون إدارة الحياة لهم فقط بالصورة التي يرونها مناسبة, وقد يصل الأمر بأهل الباطل أن يفعلوا بعض الخير تغطية لشرورهم الداخلية, وصورتهم الحقيقية.!
إذا كانت هذا منهج أهل الباطل في تعاملهم مع أهل الحق .
فكيف يكون منهج أهل الحق ؟؟؟؟؟؟؟
1 Comment
وفقكم » الله » رائع حقا .