تعدد لغات الوطن ورقيها رهين برقي ناطقيها
لازال الجدل متواصلا في وطننا حول قضية الأمازيغية خصوصا بعد دسترتهاكلغة رسمية ،حيث اخذت حصة الاسد سواء في النقاشات السياسية او عبر المنتديات المختلفة بين اتجاهين مغربي « امازيغي » ومغربي « عروبي » وصلت الى حد التخوين، مستغلين الظرف الحالي كمحاولة استباقية لجلب اكبر قدر ممكن من المكاسب استعدادا للاستحقاقات المقبلة .
ان ما يخفيه المدافعون عن اللغة الامازيغية او المدافعون عن اللغة العربية على حد سواء وتحت شعارات مختلفة ،هو اعمق بكثير لما نتصوره ،وان ركوب موجة اللغة ما هو الا بداية ومدخلا لصراعات خفية ستأخذ لامحالة ابعدا اخرى سياسية وثقافية واجتماعية وفكرية ،وحتى دينية ، وستجد من يغديها من هذا الطرف او ذاك وتحت مسميات كثيرة.
اذا كان اغلبية المغاربةباختلاف تركيباتهم الاجتماعية والثقافية صوتوا لصالح دسترة اللغة الامازيغية كلغة رسمية كما جاء فيالفصل الخامس الذي ينص على ان “اللغة العربية تظل اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها، وتطويرها، وتنمية استعمالها. وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء » دون اغفال طبعا الروافد الاخرى للهوية والثقافة المغربية ،فاين يكمن المشكل اذا؟ هل هو فعلا صراع لغوي حول طريقة كتابة اللغة الوليدة، واوجه استعمالها؟ هل هو صراع خفي لابتلاع لغة للأخرى ؟ كيف سيكون الحال ايضا مع اللغات الاجنبية الاخرى المكتسحة والمزاحمة ؟
ما يهمنا في هذا المقال ليس دسترة اللغات كمكاسب للشعب ما ،تغني تنوعه، وهو امر طبيعي في كل الدول، كما لا يهمنا كيف ستكتب او تقرا او تنطق، او كيف تستعمل في اوجه الحياة العامة، انها مسائل تقنية وبيروقراطية ،سرعان ما يتوصل المختصون في اللغات الى صيغ ملائمة تضع حدا لهذا الجدل ، ولكن ما يهمنا هو مجتمع الوطن الواحد الناطق بلغاته الرسمية المختلفة وغير الرسمية ،هل هو في مستوى تحدي المجتمعات الاخرى سواء الناطقة بلغة واحدة او عدة لغات ،للوصول الى مستواها الحضاري التي وصلت اليه ،وبالتالي استطاعت ان تفرض لغاتها على شعوب مستهلكة رغم التفوق الكبير للغات هذه الاخيرة ؟
هذا هو السؤال الحقيقي الذي يجب علينا جميعا ان نطرحه ،وكم سمعت وتابعت المتعصبين من كلا الطرفين ،التفاخر والتباهي بما انجزته في الماضي اللغة التي ينتمي اليها ،وما قدمته من خدمات للحضارة الإنسانية جمعاء في مختلف المجالات لازال العالم يشهد لها بذلك ،ناسين او متناسين من هم هؤلاء الرجال والنساء الذين رفعوا من شان لغاتهم ،انهم اجدادنا ،الذين استطاعوا ان يرفعوا من شان لغتهم ولهجاتهم سواء كانت عربية فصحة او درجة او امازيغية ريفية او سوسية ، ليس بالشعارات لكن بالكد والاجتهاد والتعاون رغم الامكانات المتواضعة المتوفرة، ولم يكن ابدا اختلافهم اللغوي هذا سببافي تقاعسهم بل سببا لاجتهادهم وتلاقحهم، وسر قوتهم.
فهل وصلنا فعلا لما وصل اليه اجدادنا حتى نسمح لا نفسنا التباهي بما انجزناه نحن لصالح لغاتنا المدسترة حتى ترقى الىمستوى اللغات العالمية الاخرى؟
اعتقد اننا لازلنا بعيدين كل البعد عما انجزه هؤلاء الاجداد، بل لازالت لغاتنا ولهجاتنا باختلاف الوانها حبيسة الوطن الذي يجمعنا ،تستهلك فيما بيننا في الشوارع والاسواق،بل زدناها اختناقا بعصبتينا ،و كم هي جديرة ان ننتقي منها احسن العبارات لمخاطبة غيرنا ،وكم هي بريئة ان ننتقي منها اسوء العبارات لمخاطبة بعضنا.
ان الصراع القائم حاليا ليس بين لغتين امازيغية وعربية ،ومستواهما وترقيتهما ،والا كانتا معا في مواجهة اللغات الاجنبية المتناسلة بينهما طوعا او كرها ،بلهو صراع وتباري بين تياري النخبة السياسية والمثقفة ،متمترسينوراء دروع بشرية امازيغية وعروبية لازالت المسكينة تلهث لاكتساب قوت يومها، في الارياف والقرى والمدن على حد سواء ،والامية لازالت تنخر عقولها ،ليس دفاعا على لغاتها ولهجاتها بل دفاعا على مغانم فئوية مستغلين سذاجتها ،باللعب على اوتارها الحساسة، بدءا من نطق لسانها.
ان زمن شراء الشعوب بالشعارات وتحت مسميات كثيرة قد ولى ،وان سذاجة الشعوب واميتها لا يعني غبائها وهي تدرك بحدسها ان « رقي لغاتها باختلاف الوانها واشكالها لن يتأتى الا برقي ناطقيها » تحت سماء الوطن الواحد.
التحدي الاكبر الذي ينتظرنا جميعا وعلى وجه الخصوص الطبقة المثقفة ،والسياسية بحكم المسؤولية الملقاة على عاتقها في القيادة ،ليس في الجدل اللغوي واستنساخ الشعارات الفارغة، وتوجيه اللوم للأخر ومسؤوليته في تخلفنا ، بل هو في تعبئة الطاقات ،واستثمارها ولن يتأتى هذا الا عبر بعث روح المواطنة والثقة في نفوس المغاربة بكل مستوياتهم، وحفزهم نحو العلم والمعرفة بدءا من محاربة اميتهم ،وتنمية مستوى عيشهم ،بدون ذلك لن نتقدم خطوة واحدة ولو دسترنا لغات العالم.
Aucun commentaire