الدروس الخصوصية: مكسب أم وباء
تفشت في السنين الأخيرة ظاهرة الدروس الخصوصية وتضاعفت مستغلة غياب إطار قانوني يحدد شروطها وضوابطها .إذا كان التلميذ يحتاج دائما إلى دعم وتقوية مكتسباته ، ومن حقه البحث خارج المؤسسة عن فرص لتدارك التأخر خصوصا أن هذه الدروس توفر مناخا أكثر أريحية للإكتساب والتعلم بشكل أفضل مع تكسير الحواجز الكثيرة التي تفرضها المؤسسة على المتعلم ، فإننا لا نبالغ إذا قلنا أن الظاهرة أصبحت وباء ،لأنها تجاوزت دورها وضربت أخلاقيات مهنة المدرس في الصميم .
كثيرا ما يشتكي المدرس من ضعف الأجرة وقلة ذات اليد الأمر الذي يدفع به في بعض الأحيان خصوصا في المناطق الحضرية إلى استثمار منصبه ومهنته للحصول على أموال إضافية ،بتقديم دروس خصوصية خارج نطاق المؤسسة .تكمن الخطورة في هذا السلوك حينما يلجأ المدرس إلى تقديم هذه الدروس لنفس التلاميذ الذين يدرسهم داخل المؤسسة ، وغالبا ما يأخذ ذالك طابعا شبه إجباري لأن الأستاذ يحاول الإيحاء للتلاميذ أن النجاح والحصول على نقطة جيدة مرهون بدفع المال والإقبال على الدرس الخصوصي الخارجي.قد يقول قائل وماذا بعد ؟أو:فين كين المشكل ؟
_التربية والتعليم رسالة على عاتق المدرس، عليه أداءها على أحسن وجه ،ونجاح الدرس الخصوصي في در أكبر قدر من المال على مزاوله مرتبط بالثغرات والنقائص التي يصنعها المدرس ذاته لدى تلامذته في المدرسة العمومية.وبدل الجودة المنتظرة من عمله الرسمي ، فهولا ينتج إلا الفشل ،و لسان حاله يقول من أراد النجاح والمعرفة عفوا بلا مقابل قضى ولم يقض من إدراكهما وطرا.
_التعلم حق للتلميذ يحصل عليه مجانا ويجب أن يكون جيدا .وأنا هنا لا أقصد أن الجودة مرتبطة بالمدرس فقط بل هي مرتبطة بالمنهاج ككل ،وعلى المدرس أن يؤدي ما يوكل إليه من مسؤولية على أحسن وجه دون تفريط أو تحايل.إذا كان التعلم حق فهو لا يقبل المساومة والتفاوض ،ويجب أن يحصل علبيه كل تلميد مغربي مجانا إذا قصد أبواب المدرسة العمومية.إن هذا النوع من المتاجرة بالمعرفة في نطاق المدرسة العمومية هي خطيئة لا تغتفر في حقها،وهي تضاف إلى أوجاعها التي لا تعد ولا تحصى.
_لا أتصور كيف ينظر التلاميذ والمجتمع إلى هذا المدرس الذي طالما اعتبر أنموذجا للأخلاق والسلوك في المخيال الشعبي وهو يلهث وراء المال ويحول هذه العلاقة التربوية الإنسانية التي تشكلت منذ القدم بين المدرس والتلميذ إلى علاقة ابتزاز ومتاجرة .
_أعرف اباء تلاميذ فقراء جدا ولم يجدوا أمام استفحال الظاهرة من حيلة سوى الإقتراض والتضحية بما هو أساسي (طعام شراب لباس الخ)لشراء خدمات هؤلاء الأساتذة التجار.أما الذين لا يدفعون فمصيرهم معروف ،مما يرسخ اللامساواة بين التلاميذ والحيف والجور في حق أبناء الفقراء.
إذا كانت الدروس الخصوصية لها أوجه أخرى كأن يقدمها المدرس لغير تلاميذه ،فهي أيضا لا تخلو من المساوئ لأن أوقات الفراغ مخصصة لراحته ومشاغله الحياتية المختلفة ، وذلك سيؤثر سلبا على مردوديته في عمله الرسمي وسيؤدي إلى نفوره منه واللجوء إلى طلب الرخص …الخ
إن تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية برهان قاطع على الفشل الذريع للمدرسة ،لأن الثغرات والتعثرات يجب أن تعالج داخل المدرسة وليس خارجها.
وهي ظاهرة جلية بالرصد والمتابعة و إيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء عليها …أما عوز المدرس المادي فلا يجب أن يعالج بهذه الطرق ويبقى من حقه المطالبة بتحسين أوضاعه المادية وضمان العيش الكريم بالأشكال القانونية المعروفة .
الدروس الخصوصية طعنة في ظهر المجانية ومؤشر يشجع على خصخصة التعلم ،ونحن نعرف مدى توحش الليبرالية حينما تمس حقا أساسيا كالتعلم ،وليس من شأن ذلك سوى تأكيد أطروحة بورديو في إعادة الإنتاج الطبقي…
22_07_2011
Aucun commentaire