الاستبداد السياسي والفساد العقدي يبرران طغيانهما بقد تهمة الخيانة لكل من يفضحهما
منذ اندلاع أول ثورة لما يسمى ربيع الشعوب العربية ، وكل الأنظمة السياسية المستبدة التي استهدفتها الثورات العربية ،ومن يوليها من سماسرة الفساد العقدي لا تتردد في اتهام شعوبها بالخيانة لتبرير طغيانها واستبدادها أمام العالم. وليس من قبيل الصدف أن تجمع الأنظمة المستبدة المنهارة أو السائرة في طريق الانهيار على تهمة تخوين واحدة مفادها أن ما تسميه القوى الدينية الظلامية هي المحركة للثورات الشعبية . وما دام في كل وطن عربي معارضة دينية تقليدية فإن الأنظمة بمجرد اندلاع الثورات الشعبية فيها تسارع إلى اتهام هذه المعارضة التقليدية وتحملها مسؤولية هذه الثورات . ومع اتفاق الأنظمة المستبدة على توحيد هذه التهمة ونسبتها للممارسة الدينية الإسلامية فإنها اختلفت فيما يخص نعت المعارضة الدينية بالنعت الذي يلبي حاجتها ويموه على حقيقة استبدادها المسبب لانهيارها وسقوطها . فتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة هي التهمة التي وجدها كل من النظام الليبي واليمني جاهزة لمواجهة الثورتين الليبية واليمنية استرضاء واستعطافا للغرب ، ولكنها سرعان ما تهافتت وتحولت ب 180 درجة من تهمة الانتماء لتنظيم القاعدة إلى تهمة الأجندة الغربية الصليبية الصهيونية في ليبيا نظرا لموقف الغرب من النظام الليبي ، وبقيت التهمة على حالها في اليمن نظرا لموقف الغرب من النظام اليمني . فالنظامان الليبي واليمني فاسدان ولكن الغرب يفضل فساد على فساد حسب مصالحه ، وهو غرب بلا مبادىء ولا صداقات دائمة ولا عداوت دائمة ولكن بمصالح دائمة . وتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين هي التهمة المواتية للنظامين الفاسدين في مصر وسوريا ، وهي التهمة المغازلة أيضا للغرب بسبب حساسيته ضد الإسلام السياسي خصوصا الذي يتبنى فكرة المقاومة وتحرير فلسطين . وعلى غرار تحول موقف النظام الليبي ب 180 درجة فالنظام السوري أبى إلا اتهام الإخوان المسلمين بتطبيق أجندة غربية صهيونية معتمدا على دعم الفساد العقدي الرافضي في إيران ومن يعمل لحسابها في المنطقة العربية ، وهو فساد يقوم على أساس الطعن في عقيدة الإخوان المسلمين السنية المناقضة للعقيدة الرافضية . وتهمة التواطؤ مع العقيدة الرافضية هي التهمة التي أسعفت النظام في البحرين لمواجهة المعارضة الهاجس المقلق . وعلى غرار ذلك يحاول كل نظام عربي تبرير حراك شعبه من خلال ذريعة أو شماعة المعارضة التي يحركها الخارج الذي قد يكون الغرب صديق الأمس وعدو اليوم ، أو عدو الأمس وصديق اليوم ، أو عدو الغرب الوهمي المسرحي الذي يحقق أهدافه عن طريق ركوب العداوة معه لتضليل الشعوب العربية واستغفالها . وليست المعارضة الدينية في البلاد العربية أقل مكرا من الأنظمة العربية الفاسدة ذلك أنها ما إن تحركت الشعوب العربية بعفوية سببها الحقيقي تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن الفساد السياسي حتى أعلنت هذه المعارضة تبنيها للحراكات الشعبية بل وركوبها من أجل قطف ثمار لا تمت بصلة لهذه الثورات . فما يقال عن المعارضة الرافضية في البحرين ينطبق على كل معارضة دينية سنية في غير البحرين حيث تسللت هذه المعارضات الدينية المغرضة إلى الحراكات الشعبية ، وحاولت صبغها بصبغتها لحاجة في نفس يعقوب . وبالفعل تحقق لبعض هذه المعارضات ما كانت تحلم به من اعتراف بها لم يكن من قبل ، ومن تكوين أحزاب سياسية لم تكن موجودة من قبل ولا كان يسمح بتكوينها . وهكذا التقت مصالح الأنظمة الفاسدة مع مصالح المعارضة الدينية المغرضة الفاشلة في الوطن العربي على حساب حراكات الشعوب . وكما تقد الأنظمة الفاسدة تهم الخيانة لثورات الشعوب الثائرة ضد الفساد من خلال نسبتها للمعارضة الدينية ، فإن المعارضة الدينية تقد التهم لكل من لا يجاريها في ركوبها الحراكات الشعبية واستغلالها من أجل تحقيق أهدافها المكشوفة . وكما أن المعارضة الدينية لها منظرون يستغلون الدين لشرعنتها ، فإن الأنظمة الفاسدة بدوها تقتني منظرين مأجورين يستغلون الدين من أجل إضفاء الشرعية الدينية عليها لتميد عمرها ، حتى صار ت الأنظمة التي كانت تسبح بحمد العلمانية بالأمس القريب تبالغ في إظهار التدين اليوم أمام الشعوب الرافضة لها علما بأن إظهار التدين قبل فوات الأوان يعرض أصحابه للسخرية كما يروى عن الرئيس السوداني السابق الذي أراد إظهار التدين في ضيافة الإسلاميين فدعا معهم بقوله : » أكل طعامكم الملائكة « . فما أكثر ما يكشف التظاهر بالتدين عن نكت من هذا القبيل كما نقلت وسائل الإعلام صلاة عيد مغشوشة لبعض رموز النظام السوري . ولا يكاد تلفزيون النظام الليبي يخلو من المنظرين الدينيين المأجورين الذي حلوا محل المنظرين الإيديولوجيين الذين كانوا يفسرون آيات الفكر الضال في الكتاب الأخضر . وأخيرا أختم بالقول مسكينة هي الشعوب العربية التي قهرها الظلم والفساد فثارت في وجههما ولكنها لسوء حظها وجدت نفسها أمام ذئاب كاسرة أنظمة فاسدة ، وغرب لئيم ، وصهاينة أشرار وشرق أوربي وأسيوي مغرض ومصلحي، ورافضة متربصين ، وسماسرة العقائد الفاسدة المنافقين ، و جماعات التدين المغشوش ، والجماعات الشاذة فكريا وأخلاقيا، كل متربص بها ، وكل يدعي الوقوف إلى جانبها وحقيقة الأمر أن الكل يتحين الفرصة من أجل قضاء مصالحه المكشوفة المفضوحة
Aucun commentaire