الاخلاق واللاأخلاق
ماحملني على الخوض في هذا الموضوع، هو، ماقرأته مؤخرا في احدى الصحف، تتحدث عن اكتساح مجموعة من « الشواذ المغاربة » لاحدى الاماكن المتواجدة من القرب، من المكان، الذي ستقام فيــه طقوس وعادات التبرك والاحتفال بموسم احد الاولياء الصالحين . بالاضافة، الى مواضيع أخرى سبقتها تسير في نفس الاتجاه من قبيل، « الامهات العازبات »، » بيع الاطفال »، » الافطار العلني في رمضان »….الخ . ونظرا لاهمية هذه المواضيع كلها كأخلاق جديدة، لم نتعود عليها- نحن المغاربة – فانها ستكون حافزا لنا لكي نخصص هذه المقالة للحديث عن هذا الموضوع. لنعد الى الفيلسوف الالماني نيتشه ونحلل ماقاله بصدد الاخلاق
ان موضوع الاخلاق شائك وطويل في فلسفة نيتشه ، هذه الفلسفةالتي انتقدت الاخلاق الانسانية الوضعية، وحاولت، ان تبحث عن اخلاق معيارية كان نيتشه يراها المخرج الوحيد من المأزق الذي آلت اليه الانسانية، سواء في المانيا بالخصوص او في باقي اصقاع المعمور
لكن، كيف نفهم الاخلاق التي يراد بها الآن السير بالانسان الى الكمال ؟ اليست الاخلاق سوء فهم لوضعيات ثقافية معينة ؟
كان نيتشه، يدعو، الى ضرورة فسح طريق طويل للمستقبل الزاهر للانسان (الاروبي) عبر تصويب العقل نحو الوعي، والنضال، والجهاد، من أجل القضاء على كل الاوهام. فالحياة كفاح ضد كل الاكاذيب والخذاع التي عاشتها الانسانية وبالتالي كانت رسالته هي اهدار كل القيم الباطلة . هذه القيم التي، هي، مجموعة من المعاييرالتي اصطلح الناس عليها مصدرها الانسان نفسه. اخترعها للسير على نهجها وضمان أسباب العيش. فقيمة هذه القيم تكمن في أن الانسان هو الذي يضع القيم للاشياء ، فهي تنشأ عن موقف الفرد بالنسبة الى الاشياء أو موقف مجموعة ما من الناس حين تقف على وضع قيمة معينة لشيء ما، ومعنى هذا أنها تتوقف على الفرد وعليه يكون خالق القيم هو الانسان. ولكن بما أن المواقف الفردية تختلف من فرد لاخر، وحتى لايسود نوع من الفوضى والتجاذب وهو الشيء الذي قد لايتلاءم مع الحياة الاجتماعية، فقد كان من الطبيعي أن تحاول الناس ايجاد مصدرا اخر لهذه القيم غير الانسان
وهكذا ، انقسم الناس أحزابا: فرجال الدين، يميلون للقول بأن مصدرها مستمد من الاله لانه هو الذي منح القيم للاشياء وكان ذلك عن طريق الرسل والانبياء والكتب المقدسة، في الوقت الذي ذهب فيه بعض الفلاسفة للقول بوجود عالم أعلى من هذا العالم الارضي وفيه وضعت هذه القيم، وتلك نظرية المثل الافلاطونية . هذه الاخيرة، تفيد في أبسط معانيها أن تقويم أي شيء في هذا العالم يجب أن نقيسه بتلك القيم المثالية العليا التي أسلفنا قولها
هذه النظريات، اذن، افضت في نهايتها الى « التطرف » و »المغالات » في تقديس طابع هذه القيم كالقول مثلا، بأن هناك، شيء اسمه الخير في ذاته أو الحق في ذاته أو الجمال في ذاته وقس على ذلك . وواضح، أنه يتوجب علينا – نحن البشر- أن نسعى جاهدين لتحقيق الخير أو الحق لانه خير أو حق، بمعنى اخر، أصبحت الناس تتوخى عمل الخير لالشيء غير تحقيق فكرة الخير لان هذا الخير حسبها هي فكرة كمالها في ذاته للتطابق معه ولو كان ذلك على حسابها
هذا من جهة أما من جهة أخرى، فانه ونحن، نبحث في الاخلاق عند الفيلسوف الالماني نيتشه ليتوجب علينا أن نشير الى معنى « اللاأخلاقية » عنده الذي يتخذ مفهوما شاسعا ونعني به « التحلل من القواعد والمبادىء الاخلاقية »، أي هو الدعوة الى نوع من « الحيوانية » و »الهمجية » في علاقات الناس، ببعضهم البعض. فهو، لايعترف أصلا بالقيم الاخلاقية السائدة، ويحاول مراجعتها من جديد ليصل، في نهاية المطاف الى دحضها ووضع قيما جديدة كان يراها الاصلح والابقى للحياة. فنراه يناضل نضالا عنيفا ضد الموروث الاخلاقي الذي عملت به المجتمعات حتى صار متأصلا، راسخا فيها وكأنه مجموعة من المبادىء الازلية التي لم تعد صالحة للنقاش لدرجة قوة يقينها وصحتها
الواقع لايرتفع، لذلك « اللاأخلاقية النيتشوية » ستحاول، الخروج عن هذا التقويم السائد للسلوك الانساني باعتبارها ثورة على أوضاع أخلاق معينة سائدة في عصره ، كماعبر عن ذلك في كتابه هكذا تكلم زراديشت
وبعد، أليست « اللاأخلاقية » دعوة صريحة، لقلب القيم الاخلاقية ، التي يخضع لها هؤلاء، الشواذ المغاربة بغية الكشف عن قصور المبادىء الاساسية لسلوكهم في شكلها الحالي ومحاولة اصلاح أخطاء هذه المبادىء أو استبدال غيرها بها من أجل انسانية أفضل ؟
يبقى أن أشير، الى أننا دائما، في حاجة ، الى » معول » هذا الفيلسوف الكبير لحفر قبر لبعض من تلك القيم
محمد كيحل مدرس الفلسفة
Aucun commentaire