حوار: الأحلام والطموحات، محاولة للفهم

أدار الحوار / إيمان ملال ( طالبة جامعية ومهتمة بالفكر
والفلسفة )
أجاب عن الأسئلة / أمل بولقسيل ( طالبة جامعية و مهتمة
بالفكر والفلسفة )
مررت ببابها القديم (الماسنجر) وجدتها هناك، وعلى إحدى
نوافذ البيت القديم علقت لافتة » لولا
الطموح لماتت الأحلام ».. بعد التحية والسؤال عن الأحوال كان لي معها الحوار
التالي :
إيمان
: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تشرفني استضافتك الآن ، لمناقشة موضوع أو أكثر
تحت ظل الفكرة العامة التي تقول بأن لكل إنسان حلماً، وبأنه ملزم بطريقة ما، بفعل
كل ما باستطاعته حتى يحققه. فهل تسمحين بداية بطرح سؤال مبدئي وهو : ما هي الأحلام والطموحات بالنسبة إليك ؟
أمل :
وعليكم السلام والرحمة والإكرام. شكرا جزيلا عزيزتي إيمان. بداية، علينا أن نفرق بين مفهومي حلم وطموح. كلنا نطلق العنان لمخيلاتنا
وننطلق في إطلاق الأحلام، لكننا لسنا جميعاً نملك طموحات . فالواحد منا يقول
أحلم بكذا وكذا وقد يقول أطمح إلى كذا.. وكلا التعبيرين صحيح، لكنهما لا يحملان
ذات الحمولة المفهومية. الطموح يقترن بالعزيمة والهمة، الطموح هدف والأهداف خريطة،
وتكتيك ، والأحلام قد تأخذ شكل هدف أو طموح أو فلنقل قد تظهر بمظهرهما لكنها ليست
بقوتهما. فالحمار يحلم بالرسيم والقرد بالموز، والطيور بالديدان، لكن الإنسان يطمح
ويهدف ويحلم، إنها تركيبة وخلطة تميز الإنسان عن غيره من الكائنات.
إيمان
: من خلال ما قتله، يظهر أنك حاولت إيصال فكرة مفادها أن الإنسان الحالم لا يرقى
لمستوى الإنسان الطموح، هذا حسب ما فهمت، وذلك من خلال المثال الذي استقيته،
وأيضاً قلت بأن قوة الطموح تفوق قوة
الحلم، وأنا من وجهة نظري الشخصية أرى أن الفرق الحقيقي بين الحلم والطموح لا يمكن
إدراكه ببساطة وفي مرحلة أولى، إلا بعد أن يتحقق أو لا، فالتسمية إذن ترتبط بمدى
إمكانية تحققه. مثلاً أنا كانت لدي أحلام كثيرة، من بينها حلم أن أصبح رسامة
مثلاً، في مرحلة معينة اضطررت للتخلي عن أحلامي على حساب واحد فقط، فكرست كل وقتي
للرسم لأني رغبت فيه بشدة، وفي النهاية أصبحت رسامة ولم أصبح كاتبة رغم انه كان من
بين احلامي ان اصبح كاتبة. هنا يحق لي القول، وبعد أن يسألني أحدهم عن مسيرتي مثلاً، أقول بأن الرسم كان طموحاً
ولم يكن حلماً، ولهذا لم أحقق كل أحلامي. برأيك هل هذا هو السبب الذي يكمن وراء
عدم تحقيقنا لكل ما نحلم به ؟
أمل :
صحيح، الحكم على الهدف وإدراجه ضمن خانة الطموح أو الأحلام لا يتأتى إلا في مرحلة
لاحقة أي بشكل بعدي؛ حينما يكون قد تشكل وبالضبط في مرحلة الغربلة، التي تستبق
مرحلة الوعي التام بالطموح الذي يصبح وبكيفية متدرجة مشروع حياة. وما حدث معك، حدث
ويحدث وسيحدث مع كل آدمي. ويظهر ذلك جليا في أحلامنا ونحن بعد صغار انتقلنا إلى
دنيا الكبار. الطفل منا كان يسرح وينطلق من غير قيود ممتطيا البساط، تجد خياله في
كل مكان، وتجد له في كل موضع حلما وفي كل كوة يدا، منا من حلم بأن يصير طيارا،
ومنا من حلم بأن يكون طبيبا كأبيه، منا من كان يسر بمناداته الدكتور فلان، أو
المهندس فلان… تعددت الأحلام والهدف هذه المرة لم يكن واحداً، لكن إذا ما
انتقلنا من وضعنا ونحن صغارٌ وغادرنا عالم الصغار وطرقنا باب أحلامنا ونحن كبارٌ، سنفهم
فلماذا ميزت بين الحلم والطموح، ولماذا تساقطت أحلامك مثلا واستقريت على طموح، أو
فلنقل انتقلت من مرحلة الأحلام إلى مرحلة الطموحات، من الطفولة إلى الشباب، على
مدى سنوات عمرك جمعت أحلاما وطويت أخرى، حقيبتك كانت ملأى، لكن الواقع فوق الأحلام
وأقوى منها، في حين أنه ضعيف أمام الطموحات.
إيمان
: في ضوء ما قلت، وبما أنك ذكرت ضعف الأحلام أمام الواقع وقوة الطموحات أمامه،
سأحاول أن أربط كلامك هذا بواقعنا الحالي بما أنك أتيت على ذكره، ماهي نظرتك
للأمور قبل وبعد اندلاع الثورات العربية وكيف من الممكن أن تؤثر في أحلامنا كشباب
عرب ؟
أمل :
الخوض في هذا الموضوع سيجرنا إلى الحديث في موضوعات أخرى ذات صلة. لكني سألخص لك
وجهة نظري كمتتبعة للأحداث. الملاحظ أنك سميت الأحداث الأخيرة في تونس ومصر بمسمى
ثورة، علما أن الثورات لها قادتها وإيديولوجياتها، وهو ما لا يتوفر في هاتين
المظاهرتين، الأمر مثير حقا، ويحق لنا أن نندهش فقد عاصرنا ثورتين فريدتين من
نوعهما لم يشهد التاريخ لهما مثيلا. قادها شعبين، بطرق سلمية، وأطلق عليهما مسميات
تحيل على الإعمار والسلام وذات نزعة خيرة تخاطب الجانب الأجمل والأعمق في الإنسان
مسميات من قبيل الياسمين، الفل.. عكس ما هو متعارف عليه عن الثورة حيث رائحة الدم
والبارود والأشلاء والعصيان، ثورتين قادهما شباب محمل بطموحات، انتقاها واختارها
وارتضاها لنفسه من قائمة أحلام الطفولة الكثيرة، طموحات هؤلاء الشباب انتصرت على
الواقع وقزمته، وحققت ما كان الجن الأحمر يخاله مستحيلا، لذلك، سأقول لك والثقة
تملأ نفسي، شباب تونس ومصر ألهمونا وأعطونا درسا مجانيا وحيا وعمليا في معنى
الطموح.
إيمان
: من خلال حديثك السابق عن الفرق بين الحلم والطموح، قد يشعر القارئ أننا بصدد
الجزم، أو بالأحرى الإعلان عن حقيقة عامة مفادها أن الطموح دائماً يتحقق، وأن
الحلم أبدا لا يتحقق، وقد يبدو له أيضا أن هناك عملية إقصاء لفكرة التحقق فيما يخص
الأحلام عامة، إذا كان الأمر كذلك فما حاجتنا لتسميتين تبدوان للعامة وجهين لعملة
واحدة؟
أمل :
مبدئيا أنت محقة، قد يبدو ذلك فعلا. لكن لاحظي معي أنني قرنت الطموح بالنضج، وجعلت
الأخير خادما مطيعا للأول. الفرق بين الأحلام والطموحات لا يحدده معيار التحقق من
عدمه بل قيمة ما سيتحقق. أن تترك سريرك كل صباح، وعلى فمك ابتسامة عريضة، ونشاط راقص،
بل وقبل ذلك أن تفتح عينيك على فترات في ليلة واحدة لترقب طلوع الشمس وتستوثق من
الوقت بانتظار أشعة الشمس الدافئة التي تعني لك معانقة العمل وحرث حقل طموحاتك
وزرع المزيد من الأشجار وسقي ما فيه منها وتعهدها بالرعاية، لأمر مختلف كليا عن أن
تسحب من السرير سحبا وتنتزع منه انتزاعا، في حين إحدى عيونك مفتوحة والأخرى مغلقة،
وفمك يتأفف برتابة كشريط مسجل لا يتغير.
إيمان : وأخيراً وليس آخرا، ولختام هذا الحوار أسألك
مايلي : برأيك هل كثرة الأحلام تفيد المرء أم أنها تكتفي بجعله يعيش لحظات سعيدة في خيالاته، ربما لن تكون من نصيبه في احد
الأيام، وأتمنى منك ربط الفكرة بما قلته سابقا عن أن الطموح يتحقق بعد ان تلغى الأحلام، و من جانب
رياضي محض، باستحضار الإحتمالات حيث سيمكن القول إن كثرة الأحلام سترفع من احتمال
تحقق أحدها ليمكننا القول إنه كان طموحا ؟
أمل : لن أبالغ إن قلت « اذكر لي أحلامك
أقول لك من أنت »، وباعتقادي الحلم (أبو) الطموح ارتباطا بالطفل أبو الرجل.
وكلما كانت الأحلام كثيرة كان الإنسان قريبا من إحراز طموح في مرمى الذات، وكلما
كان التركيز على طموح يتوافق مع إمكانيات المرء ومواهبه واستعداداته كان احتمال
تحقيقه ونجاحه أقوى.
إن
الخلاصة التي نتمنى من العلي القدير أن يكون قد ساعدنا على الخروج بها من هذا
الحوار المتواضع الذي يعتبر تجربة فريدة من نوعها بالنسبة إلينا، كعاشقتين لفعل
التفكير والحوار الفكري والفلسفي الهادف، وراغبتين في إطلاع الآخرين على أفكارنا
التي صنعتها تجاربنا وإن لم تكن كثيرة الكم، غير أنها ذات أهمية كبيرة في تشكيل
وعينا بوجود العالم ومن ثم بوجودنا، وهذه الخلاصة تتمثل في كون الأحلام والطموحات
ترتبط كليهما بمرحلتين مختلفتين من حياة الإنسان، فالأحلام تحضرنا بقوة في مرحلة
الطفولة ثم المراهقة، حيث يكون هناك نوع من غياب الوعي والمعرفة الحقيقية بالرغبات
والإمكانيات التي نملكها، وبالطبع لعد وجود حدودٍ تحد تفكيرنا، في حين الطموحات
تأتي بعد المراهقة حين يكون الإنسان قد شكل وعيه الخاص، ورسم خارطة العبور
لإنجازات كان يسميها قبل ذلك أحلاماً، متسلحاً بمعرفته التي، لن نقول عنها أكيدة،
ولكنها معرفة موثوق فيها، بحدود الإمكانيات التي تملكها والقدرات التي لا يمكن أن
تتجاوز طاقاتنا.
يقول الشاعر: ليس الطموحُ إِلى المجهولِ من سَفَهٍ … ولا السُّمُوُّ
إِلى حقٍ بمكروهِ
فالعيشُ حبٌ لما استعصَتْ مسالكهُ
… تجاربُ المرءِ تدميهِ وتعليهِ




Aucun commentaire