أنا أدرس إذن أنا فنان
يقال عادة عن الصحافة أنها مهنة المتاعب كل مهنة يتعب منها صاحبها و يملها بعد حين، إلا أن مهنة المتاعب الحقيقية لا على مستوى الممارسة الفعلية وإنما على مستوى المسئولية المادية و المعنية تبقى، حسب وجهة نظري، مهنة التدريس.
فالتدريس يحتم عليك التعامل، ضمن فضاء محدود وفي زمن وجيز، مع عقول فتية منفتحة على المعارف المتنوعة: ورقة بيضاء في انتظارمن « يسودها ». صحيح أن الطفل لا يلتحق بالمدرسة إلا و قد استدب بعض النضج لنموه الفكري و مع ذلك لا يخفى على عاقل محدودية الإدراك الطفولي. فمن من الراشدين لم يتفاجئ بطفل يشاحن حول مفهوم تلقاه من المدرس: « لا لا لا ….قالتها انا المعلممممممممة »
ومن هنا تأتي الخطورة، ذلك أن المدرس يبقى بشرا يحمل قناعات مختلفة و يأثر و يتأثر بالواقع المعيش. و الصعوبة، كل الصعوبة، تبدأ عندما يحدث التماهي بين وظيفة التدريس و الكائن الاجتماعي الذي يؤدي هذه الوظيفة. فترى بعضهم يعتبر المتعلمين مشروع مناضلين أومريدين، فيسقط عليهم اقناعاته الإيديولوجية و توجاهاته السياسية ناسيا -أو متناسيا- أن ذلك يدخل ضمن استغلال النفوذ الذي ما فتئ يشكو منه بل و يسخر ممن يمارسونه بدعوى ظلاميتهم أو جاهليتهم.
لكن لننتقل إلى نموذج آخر، ذاك المدرس الرسالي المتفاني في عمله، الراشد في اختياراته، المدرك لواجباته: إنه بقدر ما يستشعر جسامة المسئولية، بقدر ما يعي عظمة النتائج. تراه يزرع في فلدات الأكباد حب العلم و رفعة الحكمة، يبني عقولا كالنحل تجول في الحدائق، فتمتص أجود الرحيق و تنقل البذور بين الأزهار. هذا النمودج لا تعوزه الاقتناعات الفكرية و لا تنقصه الالتزامات الاجتماعية، ولكنه يفهم جيدا أن لكل مقام مقال.
قد يقول قائل أن هذا الصنف قد انقرض، و لكن يكفي أن نفتح أعيينا أمام الجمال حتى نراه.
Aucun commentaire