تلك القصة الجميلة القادمة من الخارج
لعب القصة دورا خطيرا في الحياة الدراسية للطفل بشكل عام، والتلميذ على وجه الخصوص. فبالفعل، كانت القصة ولا تزال من الأدوات البيداغوجية الرائدة في مجال التعليم والتربية والتكوين.
القصة ، تلك الرواية التي تسيل لعاب أطفالنا، وتحلق بخيالهم بعيدا عن عالم الكبار تبحر بهم إلى عوالم ساحرة خصبة زاخرة بكل ما يحرك شعورهم ووجدانهم نحو المجهول الذي وراء ما تراه العين المجردة.
مهلا ، عن أي قصة نتكلم؟
هل هذه القصة هي حدِيدّان؟ هْينة؟ علي بابا والأربعون لصا؟ علاء الدين والمصباح السحري؟
أو باقي الخرافات التي يعشقها كثير من الأطفال؟
إنها قصص تتجاوز مجرد حكايات من التراث الشعبي المغربي الذي دأب المسؤولون في حقل التربية والتعليم على اعتباره المصدر الأول والأخير للنصوص الدراسية التي تملأ مقررات أبنائنا. إنها قصص مختلفة تماما.
هذه القصص القادمة من خارج حدودنا الجغرافية قنابل موقوتة قد تتفجر في أية لحظة لتنسف بإيمان أطفالنا وإسلامهم ومعتقداتهم، على اعتبار السن الحرجة التي يمر بها قراؤها : المراهقة، وهي سن تتميز بالخيال الواسع، والتساؤلات اللامتناهية ، والعاطفة الملتهبة، والشوق إلى المغامرة والتحدي، والرغبة في تصديق اللامعقول وخرق كل حواجز الواقع.
أصحاب القصص نصارى ومبشرون سخروا علماء نفس ومربين وأساتذة وأطباء وباحثي السيكولوجيا ورسامين وكتاب وأرباب مطابع شهيرة لإنتاج قصص أبطالها بأسماء عربية قحة، أماكنها بيوت عادية، أسر مثل أسرة أمين، فاطمة، ،نادية أو كمال.
أنتجت القصص وطبعت في سويسرا وبلجيكا وفرنسا ودول أخرى، وكانت موجهة خصيصا إلى أطفال عرب، لعل وعسى أن يقرؤوها في لحظة غفلة ليجدوا إجابات على أسئلة ربما لم ينتبه لها من يحشون برامج أطفالنا التلفزية وكتبهم بـ: هل تعلم من اخترع الطائرة؟ هل تساءلت يوما من أين جاء التيار الكهربائي؟
وإذا كان عدد من دور القرآن التي لعبت دورا أساسيا بموازاة مع المدرسة في تغذية الجانب الروحي للأطفال والتلاميذ قد أقفلت -مع أننا في حاجة إلى المزيد منها-، فغالبا لم يعد يكفي التلميذ المسلم حصة في الأسبوع لسد النقص المهول الذي يعانيه في مجال التكوين الروحي والعقائدي حتى يتمتع بالمناعة الكافية لعدم تصديق أكاذيب قصص المبشرين.
لماذا إذن لم يفكر المسؤولون الغيورون على أخلاق وإسلام أطفالنا في التصدي للهجمة الخفية التنصيرية بقصص إسلامية لها نفس مقومات القصص المخربة الهدامة من بساطة الأسلوب وسلاسة التعبير وجمال الصورة؟
هل نحن لا نبدع سوى عندما يتعلق الأمر باللغات الأجنبية والمواد العلمية؟ هل من الضروري أن نخصص حصصا يومية للمسرح الكوميدي والتراجيدي وصفحات بالمئات لنصوص بعيدة كل البعد عن تاريخنا الإسلامي، ونغفل عن قصص واقعية أجمل وأعمق؟
أين قصة أصحاب الكهف؟ أين قصص الأنبياء؟ أين قصة يوسف عليه السلام؟ أليست هذه قصصا جديرة بأن تترجم وتدرس كنصوص لمادة اللغة الفرنسية مثلا؟
بل أكثر من ذلك، مثلما وصلت إلى أيدي تلاميذنا قصص معربة عن المسيح، بعناوين مضللة خادعة مثل:
– أروع القصص الرائعة التي لم يروها أحد أبدا.
– ماذا تعرف عن الله
– السعادة.
– أجمل قصة.
وغيرها من العناوين الجميلة التي تنضاف إلى عناوين المسلسلات المكسيكية التي تلعب بدورها دورا رياديا من حيث تقريب الطفل والمراهق من الكنيسة.
ولا تكاد تخلو حلقة واحدة من مشهد الكنائس ؟ بل أصبحت الصلاة في الكنائس داخل كل بيت مسلم كل يوم. مشاهد الزواج في الكنيسة، الاعترافات للأب، والدعاء أمام تمثال مريم العذراء…
إن صناع القرارات في حقل التربية والتعليم ربما نسوا أو تناسوا ، أن النصوص الهزيلة التي تتخلل كتيب التربية الإسلامية ، لم يعد يكتفي بها الطفل أو التلميذ المغربي، وغفلوا عن أن الخطاب الديداكتيكي الذي تخاطب به لم يعد يصمد أمام خطاب قادم من حيث لا نعلم.
وربما لن نبالغ إذا قلنا أن التنصير والتبشير صارا حربا خفية على عدة جبهات .
بالأمس شاهد ملايين الشباب المسلم » آلام المسيح » والآن أطفالنا يقرؤون القصص التبشيرية عن معاناة المسيح.
إن أول ما ينبغي علينا فعله، ليس هو البحث عن المصادر التي تأتي منها هذه القصص التنصيرية، أو التنقيب عن الثغرات التي تتسرب منها، بل هو إدراك حقيقة مرة لا يستسيغها المسؤولون عن نظام التربية والتكوين : برامجنا التعليمية ومقرراتنا الدراسية وما تبثه قنواتنا لا يزيد الطفل والمراهق أو التلميذ المسلم سوى هشاشة وضعفا أمام الهجمة التبشيرية والتنصيرية بل والطوفان التخريبي العالمي ككل.
إن الطفل أو المراهق، عندما يجنح به الخيال بعيدا، ويرتجف قلبه الغض، وتغلي ذاكرته الفتية بملايين الأسئلة الفلسفية عن أصل الكون ومغزى الخلق، وعندما تلتهب أعمق الأماكن داخل تكوينه الذهني بحب المعرفة والكشف عن حقائق لا يعرفها، إذا لم يجد دورا للقرآن، ولا حصصا كافية للتربية الإسلامية ولا إعلاما هاما هادفا بناءا ولا جرائد ملتزمة، قد تقذفه رياح التيه وسط الخضم الهائل من الجماعات والمنظمات والمجموعات المخربة لتحتضنه أيادي خفية تعرف جيدا كيف تستغل مثل هذه المواقف.
ولعل نشوء خلايا عبدة الشياطين والمثليين والشواذ وغيرها… ليس سوى مؤشرا على الحاجة القاهرة المهولة الماسة إلى حضن دافئ حنون يلم أطفالا ومراهقين بل شبابا لا ننكر أن بهم بذرة الإسلام، ولكن علينا أن نعترف بأنهم ضحايا عطش روحي إلى الدعوة والتنوير الذي يضيء طريقهم في زماننا هذا، زمن الحيرة الروحية والتشرذم الديني.
والله المستعان.
Aucun commentaire