مدونة الزمن المدرسي وزمن التعلم
إذا كانت مدونة السير، قد عرقلت السير الاقتصادي ، وساهمت في غلاء المعيشة ، ولم تحد من حوادث السير، ولا من انخفاض عدد قتلى الحوادث ، فإن من إيجابياتها أنها ألهمت وزارة التربية والتعليم ، مدونة تدبير الزمن المدرسي وزمن التعلم ، وقدمت لها نموذجا رديئا ، ومثالا فاشلا ، رأت فيه وزارة التعليم العلاج السحري للمشاكل التي يتخبط فيها تعليمنا ، وعلى رأسها الاختلالات التي تعوق عملية التعلم وتتسبب في ضعف التحصيل مع تدني جودته ، نظرا لعدم إتمام المقررات الدراسية لكثرة التغيبات … كما أشارت إلى ذلك ديباجة المذكرة 154 الصادرة بتاريخ06/شتنبر 2010 .إن ما يجمع المدونتين ،هو التملص من المسؤولية ،(مسؤولية حرب الطرقات بالنسبة لوزارة النقل، ومسؤولية فشل المنظومة التربوية بالنسبة لوزارة التعليم) فبدلا من البحث عن الأسباب الحقيقية لأزمة التعليم ، لجأت ووزارة التعليم إلى مدونة التدبير الزمن المدرسي وزمن التعلم ، بحجة تحديد المسؤوليات وتدقيقها بشكل مندمج ، وكوسيلة لإثبات تهمة تقصير رجال التربية والتعليم في الواجب ، ومسؤوليتهم عن فشل المنظومة التربوية ، كما جاء في المذكرة154 – تعريضا لا تصريحا – ( … من أهداف مقاربة تأمين الزمن المدرسي :
ترسيخ الالتزام والمسؤولية ، والوعي بتكامل ثنائية الحق والواجب ) ، والمقصود بمقاربة تأمين الزمن المدرسي ، هو آليات التتبع والتنفيذ ،أو ما يسمى بالعدة وتتلخص في أربعة مداخل هي:
(1)إرساء آليات الشفافية: المتمثلة في ما يلي :
(أ) ترقيم المكاتب وإعلان أسماء الموظفين
(ب) نشر جداول الحصص الدراسية
(ج) نشرالمقررالسنوي
(ح) نشر لوائح المستفيدين من الرخص
(د) نشر أسماء المتغيبين
(ه) نشر غلاف الزمن السنوي. فهل يمكن لهذه الآليات أن تحد من التغيبات ؟ أو تقلصه على الأقل ؟ أو ترفع من جودة التعليم ؟أو تحد من الهدر المدرسي والتغيب المبكر ؟ أو الاكتضاض؟ أو ترقى بجودة التعليم ؟ فكل من له علاقة بالعملية التعليمية ، سواء كان أستاذا أو تلميذا أو أبا أو مراقبا تربويا … يعلم علم اليقين أن هذه الإجراءات المسماة بآليات الشفافية أو العدة ، كانت مفعلة بشكل أو آخر وبدقة قبل إصدار المذكرة 154، ومع ذلك لم تحد من التغيبات ، ولم ترفع من المستوى التعليمي .إذن فالشفافية لا علاقة لها بالتغيبات ، ولا بجودة التعليم .إن التغيبات مرتبطة في تصوري بعوامل أخرى ، منها : الإرهاق الناتج عن عدد الساعات المرتفع ، وساعات الدعم المؤدى عنه ، طول البرامج مع فراغ المحتوى ، التغيير المستمر للمناهج والبرامج التربوية الشيء الذي يؤدي إلى النفور والتهرب من العمل لصعوبة مسايرة المستجدات فهما وتطبيقا ،عدم الاقتناع بمشروع الإصلاح التربوي ،عدم الرضا عن طريقة تسيير المؤسسات وتدبيرها، لانتفاء العلاقات الإنسانية (يرفض أحينا السيد المدير السماح للموظف بالتغيب لمدة ساعة لزيارة الطبيب ، فيضطر هذا الأخير لتقديم شهادة طبية ترخص له التغيب أربعة أيام أو أكثر) دون أن ننسى النسبة العالية لشيخوخة رجال التعليم ،وما يرتبط بها من أمراض مزمنة.
(2) أما المدخل الثاني في بناء العدة ، فيتمثل في آليات ضبط وتسجيل الغياب ، وقد حددت له المذكرة هدفا واضحا هو إرساء ثقافة الرصد والتتبع والإبلاغ بواسطة مجموعة من الإجراءات منها :
(1) تعبئة واستثمارسجل المواظبة
(2) إنجاز تقارير دورية لتتبع الغياب
(3) ضبط وتتبع الترخيص الممنوحة للموظفين
(4) وضع خريطة حول مؤشرات الغياب
(5) الاستثمار المعلومياتي للتقارير. وهذا يعني صرف كل الجهود والوقت لمراقبة الموظف، إلى جانب خلق جو من عدم الثقة بين الإدارة وموظفيها، قد يؤدي إلى تبادل الاتهامات والمشاحنات التي تؤثر سلبا على العملية التعليمية . وتحد من الاهتمام بالجانب التربوي .لأن الإدارة التربوية ستنشغل حتما بالأوراق والتقارير التي تثبت تفعيل آليات رصد الموظف ، وتهمل كل ماعدا ذلك ، من ضبط لحركية التلاميذ في الساحة وداخل الأقسام ، ومتابعة سلوكهم وغيابهم ، ومقابلة الآباء والبحث عن الشركاء ،وإنجاز مشروع المؤسسة ….
(3) اهتم المدخل الثالث بالمعالجة البيداغوجية ، مركزا على تحصين وضمان الزمن المدرسي عن طريق تعويض زمن التعلم الضائع بسبب التغيب وطرح عدة إجراءات ممكنة نظريا ، مستحيلة واقعيا منها : الاحتفاظ بالتلاميذ داخل المؤسسة في حالة تغيب المدرسين .فكيف يمكن تطبيق هذا الإجراء دون توفر قاعات خاصة بالمطالعة ومعيدين يشرفون عليها ؟ إن الاحتفاظ بالتلاميذ في غياب هذين العنصرين ، يعني عرقلة السير العادي للدراسة بسبب الحركة المستمرة بين الأقسام ، كما يعني التخريب والكتابة على الجدران والسلوكيات ألا أخلاقية… أما تعويض ساعات الغياب فيصطدم بالغياب الجماعي للتلاميذ وبعدم إلزامية حضورهم ، أما فيما يتعلق ببرمجة الحصص الاستدراكية لتعويض الساعات الضائعة بسبب التوقف الاضطراري ، فهي غير مقبولة من طرف الأساتذة ، لأنها تمثل بالنسبة إليهم عملا إضافيا غير مؤدى عنه، وغير مقبولة من طرف التلاميذ بحجة ارتباطهم بالدعم الخارجي المؤدى عنه . الواقع أن المدخل الثالث هو أهم المداخل الأربعة، لو توفرت له الإمكانات المادية والبشرية الكافية والإرادة الصادقة ، وقبل ذلك النصوص التشريعية المنظمة . إن ضمان سير العملية التربوية ونجاحها يتوقف على البحث عن الحلول الحقيقية لأزمة التعليم . مثل مشكل الاكتضاض ، الاختيار السيئ للبرامج إلى جانب طولها ، ضعف التأطير والتكوين ، هشاشة البنية التحتية ، توفير أساتذة احتياطيين في جميع الاختصاصات لتعويض الأساتذة المتغيبين ، توفير الأطر الإدارية الكافية لضبط التلاميذ وتتبع مواظبتهم وسلوكياتهم واهتماماتهم … توفير قاعات المطالعة الخاصة ، تبسيط المساطير الإدارية والقوانين التشريعية للصرف ، توفير هامش لاستقلالية القرار . الوفاء بالإنجازات التي وعدت بها الوزارة كالتجهيز والبنية التحتية وتوفير الموارد الرقمية والتكوين والقاعات المتعددة الوسائط … توفير الموارد البشرية المتخصصة والمتفرغة للجرأة برنامج إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال التربوي بالمؤسسة التعليمية . توفير الوسائل التعليمية والديداكتيكية و الموارد البشرية اللازمة لتأطير الأنشطة التجريبية داخل المختبرات من أجل تحسين جودة التعليم ومردود يته. إن مشكل التعليم يا وزارتنا بنيوي ،ولا يكمن فقط في تدبير الزمن وبالشكل الذي ورد في المذكرة 154فاستمعي إلى أهل الميدان فعندهم ما تطلبين إن كان القصد صادقا . بقلم عمر حيمري
3 Comments
طبعا القصد ليس صادقا وما هذه المدونات والمذكرات إلا وسائل لإلهاء الشعب المغلوب غلى امره حتى يفقد ما تبقى من جهده ويردخ بصفة نهائية.فلا حول ولا قوة الا بالله.إن الله يمهل ولا يهمل
ما رأي السيد الوزيرفي هذا التحليل البناء؟
لدينا في موروثنا الشعبي المقولة التالية : »طاحت الصومعة،علقوا الحجام ».ضرب من التخبط الشديد لدى مسؤولين لا أعتقد أنهم موصولون بالميدان التربوي.ذلك أن مثل هذه المدونة لم يكن لها وجود أو مجرد ذكر في العهد السابق، ومع ذلك كانت النتائج مرضية وكان التكوين جديا وعلى مستوى عال يعرفه جيدا الطلبة الذين واصلوا دراساتهم خارج بلدنا.أعتقد أن انحدار مستوى التكوين بنيوي يرتبط بمجالات شتى منها الاقتصادي حين كانت الدراسة تعني الرقي الاقتصادي وتغيير وضعية المتمدرس الاقتصادي ليس له وحده بل ـ وفي أحيان كثيرة ـ لأسرته أيضا. ومنها انفتاح الأفق الاجتماعي المتمثل في كون متابعة الدراسة ضمان تغيير الوضعية الاجتماعية وتحقيق المكانة الاجتماعية.ومنها أيضا الوضع السياسي المتمثل في مغربة الأطر في وقت كان فيه المتعاونون الأجانب المشارقةوالغربيون يكلفون خزينة الدولة أموالا بالعملة الصعبة، ولم يعد الحال على ما كان عليه. والأهم من ذلك دخول الخريطة المدرسية على الخط:مما حعل شجرة التعليم متثافلة تئن تحت وطأة المتمدرسين والمسؤولين عن تعليمهم ومراقبتهم، وهو أيضا ما أثقل كاهل الأساتذة باكتظاظ الأقسام لتتحول العملية التعليمية إلى مجرد جمع وضبط للتلاميذ في مكان وزمان معينيين، كما أرهق كاهله أيضا بكثرة الساعات التي يجب عليه صرفها في العملية التعليمية. وهنا لا يمكن أن نتغاضى عن الجانب الأمني الذي يشكل هاجسا مؤرقا للسلطات الأمينة والسياسية. لكنني أعتقد أنها نظرة يجاتبها الصواب كثيرا: فكيف سيتم التعامل مع هذه شجرة التعليم المهالكة وإلى أي حد يمكن مدها بالمياه والأسمدة؟ ومن جهة ثانية ما العمل إزاء شرائح كبيرة من « المتعلمين » الذين لا يحسنون الانخراط في سوق الشغل بسبب تلفيهم تعليما لا يرتبط في الغالب الأعم بالحياة المعاصرة ومتطلباتها؟
والرأي عندي أن تكون الحلول مستمدة من تغيير كثير من البرامج التي تثقل من أعباء المتعلم والمعلم والدولة فيما لا يفيد أيا منهم، وأن يتم استبدالها بمواد شديدة الارتباط بالصناعات والمهن التي تتطلبها الحياة الجديدة. و لايغيب عن بالكم أن الحديث في هذا الموضوع ذو شجون كثيرة لا يتسع لها هذا المقال، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله،وقد أدليت بدلوي وأعلنت عن قناعتي الراسخة التي لا يمكن تغيرهاالتسميات التي يطبل لها غير قليل من « المتفهقين ». والسلام