العلاقة بين الحكومة والشعب
العلاقة الحالية بين الحكومة والشعب لا يمكن إصلاحها بعمليات تودد من الحكومة، ولا بعمليات خضوع أكثر من الشعب؛ إنما هي بحاجة إلى حل شامل لكل أبعاد المشكلة. تتمثل المشكلة في الشخصية المغربية الحديثة، تلك التي لم تعد تهتم بالوطن، ولا بمصالح الآخرين، وتلك المشكلة حدثت نتيجة تدني مستوى الأداء الإعلامي ومستوى التربية، ونتيجة أيدلوجية تبنتها الحكومة في ظاهرها الخير، وتبنتها في فترة لم يكن أمامها طريق أخرى، لكنها أثمرت هذه الأنانية المفرطة والاتكالية والسلبية التي لا حدود لها.
فالشعب ينتظر أن تقوم الحكومة له بما يريد، والحكومة تنتظر أن يقنع الشعب بالفتات الذي يتمكن أحيانا من الحصول عليه، وأن يرضى بما يتم توفيره له، وعليه أن يشكر الحكومة على ما تبذله من أجله.
هذا الشعب الذي يريد من الحكومة أن تقدم له الوظيفة والطعام والشراب والمسكن، والسيارة شعب لا يصلح لأن يكون شعبا في العصر الحالي، وتلك الحكومة التي تفكر بعقلية مضى عليها عدة قرون لا تصلح لأن تكون حكومة في العصر الحالي. إذن على الشعب أن يستقيل من وضعه المهين، وعلى الحكومة أن تستقيل من وضعها المشين. فليذهبا معا في آن واحد.
ولنأت بشعب جديد ذي فكر جديد، وذي شخصية جديدة، لنأت بشعب يفكر ويناقش، ويهتم بالآخرين، ويسعد بما يقدمه لإخوانه سعادته بما يحصل عليه هو لذاته (… حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) حتى تتحقق الأخوة الحقيقية.
ليكن عندنا جيل من جديد قادر على التفكير الواعي، ومواجهة المشكلات والعمل على حلها بدلا من النوم وانتظار أن تقوم الحكومة التي اكتهلت بحل تلك المشكلات، في حين أنها تعجز عن فعل ذلك كله أو بعضه.
ليكن عندنا جيل يستطيع أن يبتكر ويفكر وينتج ويبدع؛ حتى يستطيع أن يوفر أعمالا لنفسه ولغيره، ويستطيع أن يطور هذه الأعمال بما يضمن له ولغيره حياة طيبة؛ فيعود النفع عليه وعلى المجتمع معا.
ليكن عندنا جيل لا ينتظر من يقوم بمراقبته في عمله، فهو يتقن عمله على أساس أن هذا واجب عليه، لا خوفا من المراقب أو المدير (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) فالشاب يراقب ضميره ويحاسبه ضميره.
ليكن عندنا جيل يحترم الكبير حتى إذا أخطأ، لكنه لا يتابعه في خطئه، بل يعدل ويصحح، وليكن هذا الجيل مؤمنا بقدرات غيره إيمانه بقدرته هو نفسه، فيترك الفرصة للناشئة من إخوانه أبناء المجتمع أن يجربوا ويفكروا، ويضيفوا، فلا يقف الأمر عند الحد الذي وصل إليه هو نفسه.
ليكن عندنا جيل مؤمن بالوطن، ومستعد لأن يعطي الوطن، وأن يسهم في تقدمه ورقيه، لا أن يفكر فقط فيما سيأخذه من هذا الوطن، لا يحسب كم أخذ من الوطن فقد أخذ الكثير، ولكن يفكر في كيفية رقي الوطن؛ فإن أي تقدم أو رقي للوطن هو رقي للمواطن نفسه.
ليكن عندنا جيل لا يخجل من الاعتراف بالخطإ إذا وقع فيه، فلا يحاول أن يبرر الخطأ ويقضي وقتا طويلا في البحث والتفكير عن طرق التخلص الظاهري من هذا الخطأ، وتصوير ما قام به من خطإ على أنه صواب. بل بكل احترام للذات وتواضع يعترف بخطئه، ويعمل على تصحيح هذا الخطإ.
ليكن عندنا جيل يحترم قدرات الآخرين ويفيد منها، وإن كانوا صغارا؛ فليس من العيب أن نتعلم من الكبار أو الصغار؛ إنما العيب أن نظل في أماكننا دون أن نتقدم خطوة للأمام، ناهيك عن التراجع إلى الخلف خطوات.
ليكن عندنا جيل يؤمن بالوطن وبحقه عليه؛ فكما أنه نشأ في هذا الوطن، وحمل اسمه، وتعلم وتربى فيه؛ فإن له عليه حقوقا يجب أن يؤديها. ولا يفكر كما يفكر بعض من تفوقوا في مجالات متنوعة ثم وجدوا فرصة العمل والحياة الأفضل في بلاد أخرى، فآثروا أن يقوموا بخدمة تلك البلاد على أن يعودوا لخدمة بلدهم.
إذا تحقق عندنا هذا النوع من الشعب، فإنني على ثقة تامة من أن الحكومة ستكون جزءا من هذا الشعب؛ إن لم يكن جميع أفرادها فعلى الأقل معظمهم؛ فإن الحكومات جزء من أبناء المجتمع، ولديها ثقافة هذا المجتمع، فالمجتمع الاتكالي حكومته في معظم الأحوال اتكالية، والمجتمع المنتج والمبدع حكومته في معظم الأحوال منتجة ومبدعة، والمجتمع الأناني حكومته في غالب الأحوال أنانية. وهكذا، فقد انتهت العصور التي كانت الحكومات تأتي إلى المجتمع من الخارج، وأصبحت الحكومات من الداخل، فإذا تغير الشعب تغيرت الحكومة. ولكن….
من يملك تغيير الشعب؟
من يملك إعادة بناء الشخصية الاجتماعية للشعب؟
من يقدر على إعادة الانتماء إلى أفراد الشعب؟
أليست الحكومة هي التي تملك هذا؟ عدنا إلى الدائرة المغلقة من جديد!!
لكن الأمل موجود.
Aucun commentaire