كل الأمم تمتلك قيما مشتركة من تراث ، و غناء ،  و سلوكات فردية و جماعية تشكل خزانا لا ماديا يعتمد عليه في تطورهم، و توحيد رؤاهم، و ترجمة هذه القيم إلى خصوصيات تمتاز بها أمة من هذه الأمم.و في هذا المقام  أريد أن أتحدث عن القيم التي يحملها المغاربة في سلوكاتهم اليومية، و التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحملها وعاء مشترك،و هي إشكالية يعيشها المغرب و المغاربة.لذا أعطي مجموعة من الأمثلة حتى أسهل عملية ما أريد إيصاله:

   1. كثير من المواطنين في الأوساط الفقيرة تعتبر الهجرة السرية ذكاء اجتماعيا على الشخص أن يقوم به، من أجل لقمة العيش، و في حالة الوفاة يعتبر هذا الشخص شهيد لقمة العيش، في وقت نرى أن الدولة تعتبر الهجرة السرية جريمة يعاقب عليها القانون.
   2. كم نشاهد أمام الإدارات و قنصليات أوروبا بالمغرب، مواطنين مغاربة، يزدحمون، لقضاء حاجاتهم، و في كثير من الأحيان  نلاحظ أن هناك من يريد احترام الأسبقية،و بين من يريد قضاء حاجاته بطرق ملتوية.
   3. تحرص أغلبية المغاربة على تقديم ضريبة الزكاة(2.5./.)،التي تعتبر ركنا من الأركان الخمسة  للإسلام، في المقابل نلاحظ أن هؤلاء يتعاملون بشكل غير متحمس مع الضريبة على الشركات(35./.).
   4. كثير من المغاربة يعتبرون تراثنا الغنائي كنزا يجب الحفاظ عليه، في حين يعتبره آخرون ملهاة يجب القضاء عليها.
   5. يعيش المتصوفون عالما منفردا ، يحاولون التقرب من الله، و ينسجون دولة الخلافة التي لم يجدوها على أرض الواقع، و يفرون من واقعهم ، المفروض فيهم المساهمة في تغييره.
   6. عندما يسألك شخصا ما  عن توقيت الساعة، و تجيبه، غالبا ما يضيف (واش الساعة لقديمة و لا جديدة).
   7. في حديثا كثيرا ما نحمل خطاب العنف.

من خلال هده الأمثلة يمكن أن نستشف أن المغاربة يعيشون ازدواجية قيمية ، و اختلافا  في منابع تفكيرهم ، و ينسجون عالما خاصا بهم بعيدا عن الدولة،و ما تحمله من قيم، و بالتالي ينأون التفاعل مع القيم الحضارية الحديثة، و من أجل تفعيل قيم مشتركة في السلوكات ، أقترح الأمور التالية:

   1. القيام بثورة ثقافية شاملة و هادئة ، تتبناها الدولة ، تنهل من منابعنا الروحية و التاريخية و الحضارية، مع الأخذ بعين الاعتبار الإنفتاح على ثقافات حضارية أخرى، فلا ننسى أن الليبرالية الأوروبية، أخذت  الشيء الكثير من الديانة البروتيستانية، فتقديس العمل أخذ منها، و هدا ما عبر عنه « ماكس فيبر »، و بالتالي فإن قيمة دفع الضريبة عندنا يجب أن نأخذه من دفع ضريبة الزكاة، التي هي واجب،و بالتالي يجب على المواطن أن يعلم كذلك أن دفع الضرائب واجب أيضا.و للإشارة فإن مواطني الدول الإسكندنافية يتفاخرون فيما بينهم حول من يقدم الضرائب أكثر للدولة.
   2. التصالح بين المؤسسات و المواطنين و تصالح هؤلاء مع محيطهم ، من خلال تكريس نوع من الثقة،فمن يدفع الضرائب لا بد أن يعلم أن أمواله تذهب في خدمة الصالح العام.
   3. تلقين القيم الحداثية داخل المدرسة المغربية.
   4. إشراك الكل في ما تقوم به الدولة.فالمتصوف عليه أن لا يبقى سجين أفكاره الخيالية، بل عليه أن ينسجم مع ما هو موجود في الواقع،و الفقيه عليه أن يكون مطلعا على القوانين المدنية و لا يكون حبيسا لأفكار لم تعد صالحة لهذا  الزمن.
   5. تكريس القيم الجمالية داخل الأسر و في الأماكن العمومية.
   6. تحسين الوضعية السيوسيواقتصادية للفئات الأكثر فقرا.

صحيح أن المغاربة يمتلكون قيما مشتركة من قبيل إيمانهم المشترك بطبيعة النظام السياسي منذ أكثر من 12 قرنا و الذي شكل و يشكل عامل استقرار بالنسبة إليهم،و هذا ما نلاحظه في الإصلاحات الهيكلية و السياسية العميقة التي تقوم بها المؤسسة الملكية في عهد الملك محمد السادس،فقانون « مدونة الأسرة  » عرف عراقيل و مشاكل في البداية، عندما تبنته حكومة التناوب، لكن عندما تراءسته لجنة ملكية مرر بشكل سلس و بدون اعتراضات رغم جرأته مقابل مشروع قانون الذي تبنته حكومة عبد الرحمان اليوسفي.

كما أن الدين الإسلامي يشكل عاملا مشتركا، و إيمان المغاربة  بمغربية الصحراء شكل عامل وحدة و انسجام ضدا على أطماع الطامعين.و هذا كله يشكل عامل قوة.و يبقى على المغاربة أن يمارسوا سلوكات حضارية يومية مشتركة  تتماشى و القيم الحضارية المتعارف عليها، لا أن يبقوا حبيسي صراعات و مرجعيات لا أساس لها من الصحة. فالوقت لا يرحم، و الأمم التي كانت متخلفة إلى وقت قريب ،ازدادت تقدما،و المغرب محتاج إلى ثورة ثقافية حداثية هادئة تنهل من تراثنا و من تراث الإنسانية، حتى نصل الركب الذي يصبو إليه كل المغاربة أجمعين