المقامة التعليمية
تعليمُنا يا ناس في خطر..ما عاد ينفع كلام ولا مؤتمر. بحَّت الأصوات وجفَّت الأقلام..وتبخَّرَت كل الرؤى وطارت الأحلام. فما أرى لكم يا قوم إلا المنجِّمين..يُفْتونكم في أمرِكُم فتوى العالِمين. ولقد سألتُ عرَّافا خبيرا عن حالكم..فقال عينٌ أو سحرٌ قد طالكم. ومادام أن حظكم عاثر..وتخطيطكم أبدا خاسر..فاسلكوا سُبُلا أُخَر..وانهجوا نهجا أيسر. علموا أبناءكم حِرَفا ومَهَن..فإن هم أفلحوا في عِلْمِهم فأمر حسن..وإن هم خاب مسعاهم كَفَتْهُم المِحَن. أليس ذلكم أفضلُ من أقسام مكتظَّة..

فلا أحدَ يعي ما بالأمس قد حَفِظَه؟ فهذا طالب شهادة..يتأبطها كأنها وسادة. يُدْلي بها عند الحاجة..أو يجعل لها إطارا وزجاجة. وذاك مُغرَّر به ناجح..ولا علمَ له متقَنٌ صالح. ومُعَلمٌ ساكنُ بادِيَه..يصبح ويمسي فوق صخرة عالِيَه. يرقُبُ المدينة وما حولها..يُمَنِّي النفس باقتحامها. كائن مُتَنقِّل جوَّال..بين جبال وتلال..كل ليلٍ له موَّال..ولياليه دوما طوال..يا ليالي يا ليال..أنا كائن رحَّال. ليت وزيرنا المُنَعَّم..يعلم حاليَ الأثلَم. ويجمع شملي وعيالي..ويغفر لي لَجَجَي ودلالي. ويزيد لي في راتبي..فألُمُّ عاجلا حقائبي. وأهجُرُ طَعْمَ البيض المُمَلَّح..وآكلُ أُمَّهُم وعصير البَلَح. ويهنأ عيشي فأرتاح..قرير العين في وِجَاح. ألا أيها التعليم ألا انجلي..بِلَيْلِك الطويل الأليل. فقد أفسدتَ كل ما بناه..جيل مضى وخيَّبتَ مُناه.