صفوف الإذلال
أينما حللتَ تفجعُكَ صفوف آدمية. وحيثما ولَّيت وجهك فثَمَّ تدافع وزحام..وحشد من الناس بلا نظام. الناس مصطفون قبالة شبابيك من حديد.. بمكتب ليس فيه غير موظف وحيد. صفوف لأداء فاتورة الكهرباء.. وصفوف لفاتورة الماء. وأخرى لضرائب شتى ولكلام الهاتف..والناس بين متأفف ومستند لحائط وواقف. وإذا أردت استلام راتبك الشهري في بنك أو بريد.. في بلدك السعيد، فاعلم أيها المواطن المحبوب..أن الصف عليك هو المكتوب.
مسنون وحوامل..وعجزة وأرامل.. وانتظار مُمل بلا طائل.

لكنك تسأل في فضول: إن كانت صفوف الانتظار قدَرنا المقدور.. فهلاَّ كانت صفوفَ بشاشة وحبور؟ ليس أكثرَ من كراسي للجميع.. لا وثيرة ولا من الطراز الرفيع. ليس المطلوب أرائك وحجُب مطرَّزة..يكفي الناسَ عباراتٌ محفِّزة. ظل ظليل وشربة ماء..لمرضى السكري ومن أصابه العياء. ثم ماذا لو أرسلوا الجُباة إلى البيوت..ماذا لو حصَّلوا غنائمهم في سكوت؟ ماذا لو قللوا من الوثائق..ماذا لو فعلوا المطلوب في دقائق..صدقوني ليس الأمر معجزة..وجهٌ طليق ومواعيدُ منجَزَة. لن تخسر شيئا سيدي المدير..لو استقبلت قاصديك بحفاوة وتقدير. ماذا لو ابتسم عميد الشرطة..أكان التبسم سُبَّة في عمله أم غلطة؟
و أغرب مما في الخيال..ومما حكته الجدَّات للعيال..أن الوقوف لساعات طوال..يزيد في حماس الرجال..فيصرون على مواصلة النضال. وحين يؤدي المواطن ما عليه..ويُسْلِم ماله بيديه، ويرجع خاوي الوفاض..كئيبا أصابته كل الأمراض، تنهال عليه التهاني العظام..أنْ أدى الواجب وبلغ المرام.

هذا والمعطلون في كل المنازل..وهمُّهم من أعظم النوازل. لا يخلو منهم بيت ولا دار..وربما اجتمعوا عند جدار. فماذا لو عهِدوا إليهم بإدارات ومكاتب..ومنحوهم أجورا ورواتب، فاشتغلوا بجد وصرامة..فلا رِشًى أو قرابة. لا ريب حينها يا سادة.. أن يَهْنأ العيش عيشُ الكرامة.