الامتحان التجريبي حق أريد به باطل
دأبت وزارة التربية الوطنية على إصدار مذكرات تتضمن تعليمات لا تراعي واقع الحال ، وببلاغة ـ إذا جاز أن نصف خطاب المذكرات بهذا الوصف ـ لا يطابق فيها الكلام مقتضى الحال . لقد سبق للوزارة الوصية أن أصدرت على سبيل المثال مذكرة مع دليل لما يسمى تقييم الأداء المهني ، وما كادت هذه المذكرة ودليلها ينزلان إلى الساحة حتى استقبلا بالرفض القاطع فسكت الوزارة عن المذكرة ودليلها وحسن سكوتها لحصول الفائدة لديها بأنها جاءت بما لا يراعي واقع الحال ، وأن سحبه من الساحة أجدى وأنفع .
وأصدرت الوزارة كذلك مذكرة خاصة بتعيين مرشدين تربويين بغرض الالتفاف على مطلب هيئة التفتيش المتشبثة بفتح أبواب مركز تكوين المفتشين ، وتوفير الأعداد اللازمة من رجال ونساء الهيئة بعد سنوات مركز التكوين العجاف ، ولم يظهر لحد الآن أثر لمذكرة التكليف بالإرشاد . وعلى غرار المذكرات التي لا تراعي واقع الحال أبرقت الوزارة إلى النيابات الإقليمية عبر الفاكس المذكرة رقم 61 بتاريخ 26/03/2010 في موضوع : تأطير تنظيم الامتحان التجريبي بالسنتين الأولى والثانية من سلك البكالوريا بتوقيع الكاتب العام للوزارة . ومعلوم أن النيابات تختلف أحوالها باعتبار المجال الجغرافي ، وباعتبار واسائل الاتصال والإبراق ، فما كل المؤسسات التربوية تصلها المراسلات كما تصل إلى النيابات عبر جهاز الفاكس ، وهذا يعني أن المذكرة لا يمكن أن تصل إلى من يعنيهم الأمر إلا بعد حلول الأسبوع الثاني من شهر أبريل على اعتبار أن الفترة ما بين 27 مارس و04 أبريل كانت عطلة ما يسمى بالفترة البينية الثانية .
وعندما نطلع على تعليمات هذه المذكرة نجدها تحدد فترة إنجاز الامتحان التجريبي في الأسبوع الأول من شهر مايو مما يعني أن المدة الفاصلة بين تاريخ إنجاز هذا الامتحان وتاريخ إعداده هي أسبوعان علما بأن المذكرة 61 تشترط على الإدارة التربوية إرسال أظرفة المواضيع المقترحة من طرف المدرسين إلى النيابات الإقليمية أسبوعين قبل تاريخ إجراء الامتحان ، كما تشترط على التفتيش التربوي تسليم المواضيع المنتقاة أسبوعا قبل موعد الامتحان ، مما يعني أن عملية اقتراح المواضيع من طرف المدرسين ، وعملية فرزها من طرف المفتشين تستغرق مدة أسبوعين حسب منطوق المذكرة ، وتبقى الإدارة التربوية متبوعة بعملية الاستنساخ وإجراءات التنظيم كما نصت على ذلك المذكرة في وقت لا حيز له في شهر أبريل إلا أن تكون المذكرة مزحة من مزح فاتح أبريل تشكر عليها الوزارة . من الواضح استحالة تنفيذ مقتضيات هذه المذكرة باعتبار تاريخ إصدارها وتاريخ وصولها إلى من يهمهم الأمر مع اختلاف ظروف الوصول من نيابة إلى أخرى .
وإذا ما أخذت في الاعتبار مواصفات الامتحان التجريبي التي أصرت المذكرة على أنها نفس مواصفات الامتحانات الإشهادية بما في ذلك مواصفات مراعاة الأطر المرجعية التي هي من الدقة بمكان ازدادت القناعة بأن الجهة التي أصدرت المذكرة بعيدة كل البعد عن واقع المنظومة التربوية . ومن المعلوم أن مدة الدراسة خلال الدورة الثانية من هذا الموسم الدراسي لا تتجاوز85 يوما منها 14 يوما خلال شهر فبراير ، و24 يوما خلال شهر مارس ، و23 يوما خلال شهر أبريل ، و24 يوما خلال شهر مايو إذا كان شهر دراسة وليس شهر انقطاع عن الدراسة كما جرت العادة في العديد من المؤسسات التأهيلية . وإذا ما كانت الامتحانات الإشهادية الوطنية ، والجهوية الموحدة خلال الأسبوعين الأول والثاني من شهر يونيو حسب المقرر الوزاري 117 بتاريخ 25/08/2009 فإن هذا يعني أن توقيت الامتحان التجريبي توقيت ناشز بامتياز علما بأن المتعلمين دأبوا على اعتبار موعد الامتحان التجريبي هو موعد إعلان عن انقطاع الدراسة فضلا عن كونهم لا يستجيبون لاجتياز هذا الامتحان بالجدية المطلوبة حيث يكتفون بسحب أسئلة الامتحان وتوقيع محاضر الحضور والانصراف مباشرة بعد ربع ساعة مما يجعل الامتحان التجريبي مجرد عبث لا معنى له خلاف عبارة المذكرة الوزارية المثمنة والممجدة له .
ومن الغريب أن ترد في هذه المذكرة عبارة تحريض الإدارات التربوية على العبث بالمذكرة التنظيمية الخاصة بنقط المواظبة والسلوك حيث تقول العبارة : » وتتخذ هذه الامتحانات طابعا ملزما بالنسبة لجميع المتعلمات والمتعلمين على أساس أن يتم على الأقل اعتبار مشاركة التلميذ (ة) وجدية تلك المشاركة في هذه الامتحانات عند تحديد ومنح نقطة المواظبة والسلوك بالنسبة للمترشحين لامتحان السنة الختامية لسلك البكالوريا ، مع إشعار المعنيين من التلاميذ بذلك » ولا يخفى ما لهذه العبارة من تجاوز لمقتضيات مذكرة نقط المواظبة والسلوك ، وما توحي به لفظة على « الأقل » ، إذ لفظة على « الأكثر »ستكون بموجبها عواقب مقاطعة الامتحان التجريبي أكبر. كما أن إنزال العقوبة بتلاميذ السنة الختامية دون السنة الأولى يعتبر عيبا وخللا مسطريا .
وهكذا نلاحظ الطابع الارتجالي لإصدار مذكرة الامتحان التجريبي من حيث الصياغة ، ومن حيث تقدير زمن الإجراءات الخاصة بالامتحان التجريبي اقتراحا وانتقاء وتنظيما وإعدادا. ولعل الجهة التي أصدرت المذكرة لا تعرف شيئا عن واقع الحال في المؤسسات التربوية حيث يلهث الأساتذة خلال الدورة الثانية من أجل إنهاء المقررات الدراسية في وقتها الواقعي وهو 85 يوما يعني 11 أسبوعا إلى متم شهر مايو دون انقطاع وليس في الوقت الوهمي كما جاء في الميثاق الوطني وهو17 أسبوعا .
ولسنا نزايد ، ولا نبالغ إذا ما اعتبرنا الوزارة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن انقطاع الدراسة بعد الأسبوع الأول من شهر مايو إذا ما مضت في إجراء الامتحان التجريبي خلال هذا الأسبوع ، وهو ما يعني انصراف التلاميذ قبل إنهاء المقررات ، ومواجهة الامتحانات الإشهادية مع بداية شهر يونيو دون استعداد ، وبأرصدة تعلمية ناقصة . وبهذا تكون الوزارة قد ضحت بالامتحانات الحقيقية من أجل امتحانات بيضاء قد لا تكون معيارا دقيقا أو صحيحا لقياس جاهزية واستعداد المتعلمين الحقيقيين لمواجهة الامتحانات الإشهادية . ويجدر بالوزارة أن تسأل وتستشير من له علاقة بواقع المنظومة عوض اعتماد آراء وإجراءات من يقبع في المكاتب المكيفة بالوزارة والتي لا تعكس درجة الحرارة الحقيقية في واقع المنظومة المعيش .
Aucun commentaire