إلى كل راغب في التشريف ناسيا التكليف والحساب
أقول : لما تولى عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين رضي الله عنه أمر المسلمين ظل يبكي لما وقع على عاتقه من مسؤولية جسيمة ، فقالت فاطمة زوجه : » دخلت عليه وهو في مصلاه ، ودموعه تبل لحيته ، فقلت أحدث شيء ؟ فقال : إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ففكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والغازي ، والمظلوم المقهور ، والغريب الأسير ، والشيخ الكبير ، وذي العيال الكثيرة ، والأموال القليلة ، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم فخشيت أن لا تثبت حجتي عند الخصومة ، فرحمت نفسي فبكيت »
إلى كل الراغبين في المسؤولية أقدم نموذج الذي جاءته المسؤولية ، ولم يطلبها ومع ذلك بكى مشفقا منها.
يا من يهشون ويبشون ، ويفرحون بعد استجداء المسؤولية ، والحصول عليها عن طريق الزبونية والمحسوبية والحزبية والطائفية والرشوة والغش والتدليس. يا من تحرضهم زوجات السوء على الإلحاح في طلب المسؤولية من أجل الاستفادة من الامتيازات ، من المساكن ، والسيارات ، والمتاع ، والأسفار…… من مال الأمة الحرام . يا من تدخل عليهم زوجات السوء ، وهم في أسوأ حال مع الخمور، والفجور لاهية قلوبهم وهم يفرحون ويحتفلون بالوصول إلى مناصب لا حق لهم فيها لا يهمهم فقير جائع ولا مريض ضائع ، ولا مظلوم مقهور ، ولا أحد ممن أبكى عمر بن عبد العزيز، ولا خطر ببالهم خصمهم بين يدي الله عز وجل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، ولا خطرت ببالهم الحجج المفقودة عند الخصومة ، ولا عرفوا البكاء والدموع بسبب ذلك . إن زوجات السوء لن تسأل سؤال فاطمة زوج عمر بن عبد العزيز عن بكاء زوجها بل تسأل عن سر الابتهاج بالحصول على تشريف وامتياز المسؤولية قبل تكليفها ووزرها. لقد رأيت طالب مسؤولية من اللاهثين وراءها لسنين طويلة بكل الوسائل بما فيها استبدال الجلد الحزبي ، يركب سيارة رباعية الدفع بميم حمراء كما يقال يوم أحد ، وقد أجلس إلى جانبه زوجة سوئه ، وهو يقطع طريق قريته ليقول لقومه انظروا ما أنا عليه من نعمة يا أبناء عمومتي البلداء ، وهو لا يدري أنه إنما يركب عربة رباعية الدفع هو وزوجة سوئه نحو نار جهنم والعياذ بالله .
إنه لا يعلم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قد أطفأ قنديل الأمة وأوقد قنديله الشخصي لما تحول حواره مع أحد أعوانه من حديث عن الأمة إلى حديث عن أحواله الشخصية . إن السيارة ذات الميم الحمراء لا تركب يوم العطل ، ولا يجوز أن تركب فيها الزوجة أو الولد أو الأقارب ، إنها سيارة الأمة .وهو لا يعلم أن من ولي شيئا من أمور المسلمين ولقي الله وهو غاش لهم ولأمانته حرم الله عليه الجنة بعد أن يكون خصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيا معشر اللاهثين طلبا لمسؤولية لا تطيقونها اتقوا الله عز وجل ، لقد بكى من المسؤولية التي قلدها ولم يطلبها عمر بن عبد العزيز ، ولكنكم تهشون وتفرحون لها وقد استجديتموها ، وأرقتم بسببها ماء الوجه ، ومنكم من دفع عرضه ثمنا لها فويل لكم من خصام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وويل لكم من يوم لا حجة لكم بين يدي الله عز وجل .
Aucun commentaire