Home»National»ليس قطاع التربية هو القطاع الوحيد الذي أفسدته الزبونية الحزبوية

ليس قطاع التربية هو القطاع الوحيد الذي أفسدته الزبونية الحزبوية

0
Shares
PinterestGoogle+

أثار انتباهي مقال الأستاذ المحترم السيد محمد السباعي على هذا الموقع والذي تناول فيه آفة أو جائحة الزبونية الحزبوية التي يعاني منها قطاع التربية في بلادنا وتحديدا في جهتنا الشرقية ، وهي جائحة تعاني منها العديد من القطاعات ، إلا أن وجودها في قطاع التربية أخطر على الأمة لأن قطاع التربية هو الرافد الذي يمد كل القطاعات بالموارد البشرية ، وفساده يعني بالضرورة فساد باقي القطاعات . لا ينكر أحد إن كان من الأكياس العقلاء والملتزمين بقول الحق والصدق أن الأحزاب التي أوكل إليها تشكيل الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن المغربي لم تكتف بتشكيل حكومات بل قامت بزرع أتباعها في كل القطاعات لتتحول البلاد إلى ضيعات تابعة للحزب الحاكم .

ومن غرائب ما حدث أنه حتى الحرس وأعوان الكنس زرعوا بخلفية الزبونية الحزبوية لتكون القطاعات عبارة عن ضيعات بامتياز من قنة رأسها إلى أخمص قدمها . وصارت القطاعات في بلادنا ينطبق عليها القول الشائع في جهتنا الشرقية : حميدة المان ، وحميدة الرشام ، وحميدة صاحب المقهى ، ولا شريك مع حميدة في كل قواعد اللعبة . لقد سبقت السيد محمد السباعي إلى الترشح لمنصب نائب الوزير قبل سنوات خلت مع أنني لم أصدق ولن أصدق أبدا مذكرات الترشيح لهذا المنصب انسجاما مع مبدإ سوء الظن من حسن الفطن الذي أعتقد به جازم الاعتقاد . وكان يوم المقابلات زوال يوم جمعة ، وما كادت الموظفة الشابة الكاسية العارية المكشوفة السرة ـ حاشا القراء ـ تناديني باسمي حتى رفع المؤذن الآذان لصلاة العصر ، فتوجهت إلى قاعة الصلاة بمقر إجراء المقابلات ، وشهد الله أنه لم يحضر أحد لأداء الصلاة الوسطى التي بكى لفوات أوانها نبي الله سليمان عليه السلام وهو يستعرض الجياد كما تقول الأخبار ،حيث كان الجميع منشغلا بالمقابلات سواء مشاريع النواب باحقائبهم الدبلوماسية ورابطات العنق والبذلات الموحية باستحقاقات سابقة للأوان بمناصب نواب الوزير ، أو مسؤولون عن المقابلات بسجارات من النوع الممتاز ، وحتى غليونات وقد وضعت أمامهم أطباق المشروبات ، وقنينات المياه المعدنية الباردة في صيف قائظ يكاد المرشحون وقد عصرهم حر الصيف وحر المقابلات القول : شربة ماء خير من منصب نواب الوزير يا حضرات المسؤولين . دخلت قاعة المقابلة بعد أن سمعت من ذات السرة المكشوفة ـ حاشا القراء مرة أخرى ـ اللوم على تحويل وجهتي إلى قاعة الصلاة بعد أن نادت علي ، وسمعت نفس اللوم من أحد المسؤولين الذي كادت عينه تقتحمني ازدراء لأنه صدم بصاحب لحية يتقدم لطلب يد النيابة المصونة ، وهو عريس دون الحلم المطلوب خلقة وهنداما ، فلما أخبرته أن الله عز وجل قد نادانا جميعا لصلاة العصر ازداد امتعاضا وكادت نظرته الشزراء تبطش بي . وجلست إلى طاولة صغيرة تبعد عن الثالوث المسؤول بضعة أمتار جلسة المتهم في قفص اتهام ، وكان السؤال الأول عن انتمائي الحزبي والنقابي . ولما أجبت السائل أنني لا انتماء لي حزبيا ولا نقابيا ازداد حنقا علي قائلا : وهل الانتماء الحزبي والنقابي عيب ؟ وكان جوابي : كلا ، ولكنني أكتفي بانتمائي الوطني الذي أعتز به . وبعد هذه المقدمة ودردشة خاطفة لم تتجاوز السؤال عن عنوان مشروعي حول تدبير الموارد البشرية بشكل يصون أموال الدولة ، لم يدم اللقاء أكثر من دقائق معدودات ليأمرني المسؤول المجروح في انتمائه الحزبي والنقابي من طرف مرشح مشاغب مثلي فضل صلاة العصر على منصب النيابة بالخروج من غير مطرود ـ كما يقول إخواننا المصريون ـ ، وقد التفت إلى يمينه وشماله ليهمس لصاحبيه بما أرجح ـ وبرأس أمي كما يقول جيراننا ـ أنه شتم وازدراء رسم ابتسامتي خبث على شفاههما الملوثة بدخان السجائر . وبعد خروجي سألني بعض مشاريع النواب بلهفة عن طبيعة اللقاء حرصا منهم على تحسس الطريق الموصل إلى يد النيابة المصونة ، فكان جوابي : لقد عينت في نيابة الحاجة معنية بالتراب الجزائري مع وقف التنفيذ (أي خارج التغطية الوطنية ).

ومنذ ذلك الحين كلما هم أحد بالتقدم لهذا المنصب من غير تزكية حزبوية أقول له يا مسكين ستكون إلى جواري بنيابة سيدي بلعباس أو نيابة حمام بوحجر مع وقف التنفيذ بطبيعة الحال .

ولن أنسى أبدا زميلا أنكر أصلا تقدمه للمنصب ، مع أنه تقدم خلسة ، و كان حديث عهد في منصب يتطلب أربع سنوات من الخدمة الفعلية ، ولكنه لم يتجاوز فيه نصف سنة ليصير نائب وزير ، وبعد سنة واحدة مدير أكاديمية في وقت قياسي غير مسبوق . إنها الزبونية الحزبوية المنتنة عليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . لقد غضب زميلي وظن أني قد حسدته ، ويشهد الله أني لم أفعل وإنما عبرت عن مقتي لهذه الزبونية المنتنة لأنه إن لم يكن زميلي هو الذي امتطاها فسيمتطيها غيره في بلد تعلو فيه الزبونية على الكفاءة . وسامح الله زميلي الذي ظن بي الظنون ، وهو يعلم جيدا أنني أبعد ما أكون عن الحسد لموقف معه سابق لا يعلمه إلا الله وهو. ولقد تقدم بعد ذلك في مواسم عديدة لخطبة النيابة المتسللون من فئة المتزلفين دون مشاريع ولا مذكرات تنظيمية وإنما بالبطاقات الحزبوية ، وظفروا بيدها وكان شأنهم شأن من يتقدم لطلب يد فاقدة العذرية الراغبة في ستر الفضيحة والعار. ومشكلة هؤلاء أنهم يحاولون إقناع غيرهم ـ وهم أنفسهم غير مقتنعين ـ أنهم قد عقدوا القران الشرعي على العذراء المصونة في حجر والدها ، ودفعوا صداقها من الكفاءة والأهلية ، وصاروا أحق بالمنصب وأهله ظانين أن التاريخ على قدر غبائهم ينسى أو يتناسى بسرعة فائقة.إن الزبونية الحزبوية أفسدت كل القطاعات في بلادنا ، ولا إصلاح لما أفسدت إلا بتطهيرها عن طريق تغليب الكفاءات بغض الطرف عن انتمائها الحزبي ، والاكتفاء بانتمائها الوطني. فليس المحزبون أكثر وطنية من غيرهم بل ربما صح العكس في بعض الحالات حتى لا يقال لي إنك تطعن في وطنية المحزبين . فإذا كان الجلد الحزبي يتغير كما يتغير جلد الثعبان ، فالجلد الوطني لا يمكن أن يتغير.

ولقد كانت الحزبوية بالأمس القريب تدين بالولاء لدول خارجية لها نفس التوجه الأيديولوجي ، وكان ولاؤها للخارج أكبر من ولائها للوطن . ولقد انتقل الولاء الأيديولوجي بعد التغيرات العالمية التي غيرت خريطة العالم السياسية إلى ولاء مصلحي ، فتحول بين عشية وضحاها المناضلون من النضال إلى المصلحية ، ومن البروليتارية إلى الأرسطقراطية والبورجوازية ، فلعنة الله على الحزبوية المصلحية ، وعلى من غير جلده الحزبوي من أجل مصلحته الخاصة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *