وقفَة ٌمَع شِعَار الرأي والرأي الآخر
يُعد الإعلام بأنواعه المُختلفة الوسيلة الأكثر تأثيرا على المجتمعات في عصرنا اليوم، بل الإعلام هو الموجه الأول والمصدر الوحيد الذي من خلاله يتلقى الإنسان معلوماته الأساسية ليلاً ونهاراً، والمؤسسات الإعلامية في عالمنا اليوم تختلف فيما بينها اختلافا جذريّا كلٌ حسب سياستها المُعلنة أو المخفِية، كما أنها تختلف من حيث أهدافها وغاياتها.
فمنها المؤسسات الهادفة التي تتبنى الإعلام الهادف وهي قليلة جدّاً، ومنها المؤسسات الربحية فقط وهي الأكثر، ومنها من يجمع بين الأمرين. أما الإنسان المتلقي والمستهدف الأول في تلك المعركة الإعلامية فهو أيضاً يختلف من شخص لآخر كل حسب هوايته ومُيوله الفطرية والمكتسبة؛ ولكن الإعلام هو المنتصر في النهاية برغبة الإنسان أو بغير رغبته؛ لأن الإنسان لاخيارله في تلك المعادلة.
ومع أن ممارسة شعار الرأي والرأي الآخر ليس هو حديث العهد كما يُصورِه لنا إعلامنا اليوم إلا أن المفارقة تكمن أن أصبح هذا الشعار وسيلة سهلة لمن أراد النيل من الآخرين ولقمة سائغة لتصفية حسابات أخرى ربما كان الأنسب تفهُمها في أمكنة أخرى خارج الساحات الإعلامية.
وممارسة شعار الرأي والرأي الآخر جعلت الإنسان ينسى مُراقبة الله عزوجل والتي من المفترض أن يستشعرها الإنسان في كل زمان ومكان، ذلك أن رقابة الله عزوجل فوق جميع الرقابات الأخرى لأنها نابعة من نصوص ربانية وأخرى نبوية توجه المسلم في جميع حركاته وسكناته، ويُسأل عنها، ويراقب عليها، لأن هناك رقيباً يطلع على جميع أقواله وأفعاله خفاياها وعلانيتها،
هذا ومع أن ممارسة شعار الرأي والرأي الآخر من القيم والمبادئ الأساسية التي يمارسها الأفراد والمجتمعات على حد سواء، على الرغم من الاختلاف والتباين في مفهومها وفلسفتها بين مجتمع وآخر، وبين فكر وغيره إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي لها تأثيرها السلبي في استخدام هذا الشعار بحجة أن ذلك من حقوقهم ومن تلك العوامل- الضعف الشخصي وضعف التربية، إذ الجو الأسري لم يجعله يجيد استخدام هذا الشعار على الوجه المطلوب، ومنها الشعور بالنقص؛ لأن بعض الناس عندما يرون إنجازات الآخرين تثور ثائرتهم مما يجعلهم جاهزين مسبقا للتعدي على الآخرين، ومنها ضعف المستوى العلمي، ومنها ضعف الوازع الديني، وعدم استشعار مراقبة الله عزوجل وكأنه لاحساب ينتظره بعد هذه الدنيا،
أما الإنسان المتعلم تجده يبدى رأيه ويفكر بشكل جيد ومستقل ويستشير ويُبادر إلى بذل النصيحة والتوجيه على عكس الآخرين،
ومع ذلك كله لا يعني أن الإسلام قد أغفل الجوانب الأخرى للإنسان، وأحقيته في ممارسة شؤونه الخاصة والعامة، فالإسلام كما وضع الضوابط لممارسة ذلك الشعار، فهو أيضا أعطى أحقية ممارسته لحقوقه وواجباته فهو- أي الإسلام- لم يدع إلى احتكار عقل الإنسان ولم يمنعه من تحقيق رغباته المحمودة، ولذلك أعطى الإنسان أحقية ممارسته بالاجتهاد في المسائل الشرعية غير المنصوص عليها والأمور الدنيوية الأخرى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة العامة للمسلمين،وممارسة الشورى وتطبيقها، والنقد والتعليق على الأمور العامة التي لاتختص بها طائفة معيّنة أو جماعة ما، والتي يجب أن يكون فيها مجال الرأي والرأي الآخر واسعاً جدا.
وحرية النقد السليم والنقد الهادف يكونان فيها سيدي الموقف، وهذا كله من شأنه أن يُصلح الأمور ويُعالجها إلى الأحسن، فهذا الحق من صميم كرامة الإنسان، ويزيد تماسك المجتمع وتجعله أكثر قدرة على مواجهة الأزمات والكوارث.
ضوابط مُمارسة شِعَار الرأي والرأي الآخر
1- رعاية المصلحة العامة، إذ أن الإسلام اهتم كثيرا برعاية المصالح العامة؛ لأنه من أهدافه جلب المصالح وتحصيلها ودرء المفاسد ودفعها” درء المفاسد أولى من جلب المصالح” ” إذا اجتمع المانع والمقتضى قدم المانع” ” إذا اجتمع الحلال والحرام قدم الحرام” : سواء كان ذلك في المصالح الدنيوية أو المصالح الأخروية الخاصة والعامة،، وقد أمر الشارع بالإصلاح وأثنى على المصلحين في غير موضع، فقال تعالى على لسان نبيه شعيب حين كذبه قومه : إن أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيبُ”(1) فبين أن قصد دعوته ليس إلا الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الأدلة الواضحة لرعاية المصالح العامة قوله تعالى ” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم”(2) حيث نهى الله سبحانه وتعالى عن سب آلهة المشركين نظرا للمفسدة التي تترتب عليه وما يمكن أن ينتج عنه من إضرار بالمصلحة العامة، وقد يكون سب آلهة المشركين رأيا شخصيا إلا أنه منهي عنه حتى ولوكان ذلك الرأي صحيحا نظرا للمفسدة التي تترتب على ذلك.
2- عدم إثارة الفتن أو التجريح أو التشهير.
إن ممارسة شعار الرأي والرأي الآخر لا يجب أن تكون في أي حال من الأحوال منطلقا لتشويه سمعة الآخرين أو النيل منهم، أو المساس بحياتهم الخاصة، أو السخرية بهم، أو الصاق التهم بهم ورميهم بما ليس فيهم، إن استخدام تلك الوسائل للنيل من الآخرين من شأنه أن يُعرض المجتمع للخطر الذي من المفترض أن يعيش في وئام وصفاء، وأن يكون مجتمعا متعاونا متآلفا، وهذا لا يمكن أن يتحقق في ظل جو مشحون بالشتائم وقذف الآخرين، أو النيل من كرامتهم ونحو ذلك، وفي ذلك يقول الله تعالى :” ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً”(3) و قال أيضا: ” يا أيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنّ خيرا منهنّ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” (4) وقوله تعالى” إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون”(5)
وفي الحديث ” سباب المسلم فسوق وقتاله كفر”(6) وفي الحديث الآخر ” فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا”(7) وفي الحديث الآخر أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قالوا: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ ، قال: إن كان فيه ماتقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ماتقول فقد بهته”.(8)
3- الموضوعية والمصداقية والتوثيق، والتجرد عن الهوى. وهي أن يتجرد الإنسان خلال ممارسته لهذا الشعار عن العوامل الخارجية التي يمكن أن تبعده عن الحقيقة والعدالة على حد سواء لقوله الله تعالى” فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا” (9)، وقوله تعالى” فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيُضلك عن سبيل الله”(10)،
وقوله تعالى. ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين”(11)
4- أن لايتضمن ممارسة هذا الشعار التهكم أو التهجم على شعائر الدين أو مُقدساته، أوالسخرية أوالتشويه بالدين أوالتعرض لثوابته العامة، أو ماهو معلوم من الدين بالضرورة كالقضايا العقدية مثلا، أومقاصده العُليا.
Aucun commentaire