من دلالات مخطابة الناس بالدارجة العربية المكتوبة
خاص
اولادنا وبناتنا يمشيوا للمدرسة ويقراوا
وينجحوا ويبنوا مستقبلهم، ولكن…( رسم لطفل
وطفلة متجهين إلى المدرسة، تحته رسم لأبوين
بدويين، تظهر بداوتهما من خلال طاقية خضراء
وضعت على رأس الأب وخمار أبيض على رأس الأم
التي جلببها الرسام جلبابا أحمر، عينا
الأبوين هائمتان مهمومتان غارقتان في تفكير
عميق…فهما حزينان، كذلك عينا وفما الطفلين،
ثم في الصفحة الأخرى مدرسة معزولة لا يرى
في فضاء الرسم سواها حاشا شجرتين مخضرتين
تصل بينهما قطعة ثوب مصفر وجهه وقد كتب
عليه: تيسير بلون أحمر…)
اليوم
بفضل برنامج تيسير لمحاربة الهدر المدرسي،
مصاريف المدرسة مابقاتش مشكل.
برنامج
تيسير كيعطينا مساعدة مالية شهرية على
كل طفل كيتابع الدراسة بشكل عادي وبلا ما
يتغيب:
- 60
درهم لكل تلميذ(ة) في القسمين الأول والثاني. - 80
درهم لكل تلميذ(ة) في القسمين الثالث والرابع. - درهم
100 لكل تلميذ(ة) في القسمين الخامس والسادس.
باش
نستافدوا من هاد المساعدة المالية خاصنا
نسجلوا اولادنا في المدرسة ونخارطوا في
برنامج تيسير.
وخاصنا
نتبعوا الدراسة ديال اولادنا وبناتنا ونحرصوا
باش ما يتغيبوش. لأن كل تلميذ(ة) تغيب في
الشهر كتحرم
الأسرة ديالو من المساعدة المالية…هاد
المساعدة المالية كنتسلموها على راس كل
شهرين من بريد المغرب. إما في مكتب البريد
القريب من محل السكنى ديالنا أو في المدرسة…هاد
البرنامج نموذجي وما كايشملش كل المدارس
وكيقتصر على 240 مدرسة ابتدائية وفرعياتها
في 140 جماعة تابعة اخمس جهات…غادييستافد
من هاد البرنامج 80000 تلميذ وتلميذة. الاختيار
ديال المدارس المستفيدة تم بعد دراسة ديال
وضعية الأسر ونسبة التمدرس ديال التلاميذ.
واختيار المدارس قامت به الجمعية المغربية
لدعم التمدرس بدون تدخل ديال أية جهة أو
أي شخص من المنطقة)
تأمل
معي هذه اللغة الجديدة التي تقرع أبواب
المدارس، وفكر ثم قدر دواعي هذا الخطاب
الدارجي العامي ، تجد أنه لأمر ما صارت
الدارجة لغة خطاب الناس، خاصتهم وعامتهم.
ثم ارجع البصر وتمثل مثل » لأمر ما جدع
قصير أنفه ». أولا على المرء أن يطمئن
الاطمئنان الكامل أن اللغة العربية لم
تكن ولن تكون سببا من أسباب انحطاط قوم
من الأقوام، وليست عائقا في التواصل مع
الناس، بل العكس صحيح تماما، فهي القادرة
على تبليغ المضامين والمعاني تبليغا بليغا
دقيقا جميلا مؤثرا. ولن يسطيع أحد من المغاربة
أن يوصل فكرة مهما كانت بدون اللجوء إلى
اللغة العربية، إلى مفرداتها وأساليبها،
فمهما حاول التهرب من اللغة العربية باستعمال
العامية أو حتى الأمازيغية فإنه يجد نفسه
عاجزا عن التعبير عن مراده، لذلك يلجأ -كرها
أو طوعا- إلى مفردات اللغة العربية وأساليبها.
هذا أمر، الأمر الثاني هو أنه لن يستطيع
أحد أن يقضي على اللغة العربية، إنها لغة
خالدة محفوظة من الله، محفوظة بما تحمله
من حضارة وآداب، محفوظة بما فيها من قوة
وجمال ودقة في التعبير، ذلكم ما يجعل النفوس
السوية مقبلة عليها أيما إقبال، قراءة
وكتابة.
إنك
إذا بحثت في كلمات الخطاب الدارجي أعلاه
رأيت رأي العين وبلا أدنى تعب أن تلك الكلمات
جميعها فصيحة:[ خاص- اولادنا- و- بناتنا-
يمشيوا ( يمشون)- للمدرسة- و- يقراوا (يقرؤون)-
ينجحوا- يبنيوا (يبنون)- مستقبلهم- و- لكن…]
لكن هذه الكلمات كما ترى دُرِّجت، ومعنى
درجت، أي استعملت استعمالا ركيكا قبيحا،
نتج إما عن قلة علم باللغة وقواعدها وزهد
في تعلمها، وإما بقصد التشويه والتشويش.
بمعنى أن تلك الدارجة وغيرها من الدارجات
التي تنشر على ظهور بعض الجرائد وبطونها،
وتبث على الأثير إنما هي لغة عربية فصحى،
لكن لضعف مستوى المتكلمين بها والمخاطبين
بها، بسبب تقاعسهم عن تعلم قواعدها والتدرب
على استعمالها استعمالا فصيحا صحيحا، استغني
عن الإعراب خاصة، فسكّنوا أواخر الكلمات
وصرفوا الأفعال تصريف العامة، وأقحمت بعض
الحروف في بداية بعض الكلمات وفي أواخر
البعض إما للربط أو لتسهيل النطق بالدارجة »
على كل طفل كيتابع… » فالكاف هنا حرف
زائد أضيف تفاديا للثقل الناتج عن تسكين
ياء » يتابع ».
إذن
على الناس أن تعرف أن ليس هناك لغة اسمها
الدارجة أو العامية العربية، إن هذه الدارجة
مستوى منحط هابط للغة واحدة هي اللغة العربية،
فمن يكتب أو يتحدث بالدارجة فهو يستعمل
اللغة العربية استعمالا ركيكا، وهو استعمال
كان في الماضي القريب مقصورا على ضعاف المتعلمين،
إننا أمام مستويين من لغة واحدة: مستوى
فصيح صحيح، ومستوى ركيك ضعيف. وفي المستوى
الأخير يتحرر المتكلم أو الكاتب من قواعد
الفصحى لضعف مستواه أو لعجزه عن ضبط قواعد
الفصحى واستعمالها استعمالا صحيحا أو لغرض
التنقيص والتشويه.
ولما
كانت الدارجة مستوى منحطا من لغة واحدة،
فلابد أن تكون هذه الدارجة درجات تتفاوت
حسب حظ الشخص من التعلم والاجتهاد، فمما
لا غبار عليه أن هناك فرقا شاسعا بين دارجة
الأمي الذي لم تطأ قدماه المدرسة، وبين
دارجة الحاصل على شهادة التعليم الابتدائي،
ودارجة الحاصل على شهادة الإعدادي، ودارجة
الحاصل على الباكالوريا، وبين دارجة القارئ
المطالع للكتب وبين دارجة من لا يقرأ ولا
يطالع وهلمجرا. بمعنى أنه كلما ارتفع المستوى
الثقافي للفرد علت دارجته وسمت لما يكتسبه
من مفردات وأساليب عربية فصيحة. وهذه الصلة
المتينة بين الدارجة والفصحى تجعل البعض
يرى أن الدارجة خادمة للفصحى وليست هادمة،
لأن الدارجة كما قلت مستوى ركيك من اللغة
العربية. غير أنه مهما سمت دارجة الفرد
فإنها تبقى موصوفة بالركاكة والهلهلة،
ذلك أن الإعراب، وهو أهم ما يستغنى عنه
في الدارجة، هو جوهر الفصحى ومكون من مكونات
قوتها، فإذا حذف الإعراب انهد بنيان اللغة
العربية وصارت ركيكة مهلهلة ضعيفة.
ولننظر
بعد هذا في أمر دارجة هذا البرنامج، لمن
توجه ؟ للأمي أو المتعلم في الابتدائي والإعدادي
أو للسادة المديرين والمدرسين؟ يظن الكثيرون
أن التدريج يسهل التواصل مع الأميين أو
من هم في حكم الأميين، لكن من الواضح جدا
أن هذا الظن بعيد كل البعد عن الواقع وعن
طبائع الأشياء، فلو تخيلنا أن الحديث إلى
الأميين ومن هم في حكم الأميين بالدارجة
يحقق جزءا يسيرا من التواصل فإنه من الحمق
أن نظن أننا نتواصل مع الأميين ومن هم في
حكم الأميين حينما نستعمل الدارجة بدل
الفصحى. لسبب بسيط هو أن الأميين لا يعرفون
القراءة، ومن يظن ذلك فهو يسخر ويتهكم على
الناس، إذ كيف تكتب لمن لا يقرأ ولا يكتب
ثم تزعم أنه سيفهم وسيتواصل معك لأنك لا
تخاطبه بالفصحى بل بالدارجة ؟ هكذا أيها
السادة يتضح لكم أن الدارجة حين تكتب لا
توجه إلى الأمي، فهو بريء منها براءة الذئب
من دم يوسف. فإلى من توجه هذه الدارجة المكتوبة
أيها السادة الأفاضل؟ إلى المتعلم طبعا،
توجه إلى من تعلم قراءة وكتابة اللغة العربية
في المدارس، ونحن في هذا سواسية، فالدارجة
المكتوبة موجهة إلى جميع المتعلمين مهما
اختلفت مستوياتهم. لكن لماذا لا نكتب لمن
تعلم القراءة والكتابة بلغة تعلمها في
المدرسة؟ أ لأن الدارجة أسهل على الفهم
من الفصحى أو لأن الكاتب أضعف على أن يكتب
بالفصحى أو لأمر آخر نجهله؟
مهما
يكن من أمر فإن التدريج يوحي إلى أن مستوى
المخاطب ضعيف هابط ، لذلك علينا أن ندرّج،
أي أن نهبط بهذه اللغة إلى مستوى يناسب
هبوط مستوى هؤلاء البشر. هكذا يُظن. لكن
هل حين نستبدل » كي » بـ « باش » و
» هذا » بـ « هاد » فنقول » باش
تستافدوا من هاد المساعدة… » يفهم أولئك
البشر ماوراء « باش » و »هاد » أو
يكفيه أن يفهم « باش » و »هاد »؟ أحسب
أنه كي يفهم المواطن المغربي مفردات هذه
الدارجة عليه أن يقضي سنوات في المدرسة
المغربية، إذ من المحال أن يعرف الأمي ومن
قُطِع عن الدراسة في طفولته أن يدرك معنى
: الهدر- يبنيوا مستقبلهم- نموذجي- ما كيشملش-
كيقتصر-نسبة- نخارطوا- كناش الحالة المدنية…هذه
المفردات كما ترى ليست من مفردات الأميين،
فهلا قلنا لهم: » باش تاخذو لفلوس سجلو
ولادكم في المدرسة » بدل » باش تستافدوا
من هاد المساعدة المالية… » وكيف نبسط
لهم بدارجتهم هذه الدارجة » نخارطوا في
برنامج تيسير » ؟ لا أعلم أن هناك كلمة
يستعملها الأمي تقابل « انخارطوا »!
وهلا قلنا لهم بدارجتهم: » هاد لفلوس
غادي تهزوها من لبوسطة » بدل » هاد المساعدة
المالية كنتسلموها على رأس كل شهرين
من بريد المغرب. هل الأمي يعرف معنى : نتسلمو
– بريد المغرب…؟!
لا
شك أيها القارئ الكريم أنك لاحظت بأم عينيك
أن هذه الدارجة ذات مستوى عال لا حول ولا
قوة للأمي كي يفهمها، فما جدوى التدريج
إذن وهو عاجز عن التواصل مع الأميين ومن
هم في حكم الأميين؟ وإذا علمت بعد هذا أن
التدريج موجه إلى المتعلم، فلماذا نحط
من قدره ونخاطبه بهذه الركاكة وهو قادر
على فهم الفصحى؟ ما الأحسن أن نقول للناس: « هاد البرنامج
نموذجي وما كايشملش كل المدارس وكيقتصر
على 240 مدرسة ابتدائية وفرعياتها في 140 جماعة
تابعة لخمس جهات »
أو » هذا البرنامج نموذجي، ولا يشمل كل
المدارس ويقتصر على 240 مدرسة تابعة لخمس
جهات »؟ ما الأقبح أن نقول : »
غادي يستافد من هاد البرنامج 80000 تلميذ
وتلميذة. الاختيار ديال المدارس المستفيدة
تم بعد دراسة ديال وضعية الأسر ونسبة التمدرس
ديال التلاميذ. واختيار المدارس قامت به
الجمعية المغربية لدعم التمدرس بدون تدخل
ديال أية جهة أو أي شخص من المنطقة » أو أن نقول: »سيستفيد
من هذا البرنامج 80000 تلميذ وتلميذة. اختيار
المدارس المستفيدة تم بعد دراسة وضعية
الأسر ونسبة تمدرس التلاميذ. واختيار المدارس
قامت به الجمعية المغربية لدعم التمدرس
بدون تدخل أية جهة أو أي شخص من المنطقة »؟
هل من المعقول أن يكون نثر »ديال » بين
كلمات وتراكيب فصحى مساعدا على الفهم والتواصل؟
انظر،
سيدي، ترى أن هذه الدراجة لغة عربية قحة
وما لوثها إلا « غادي » و »باش » و »ديال ».
واضح إذن أن هذا التدريج لا جدوى منه ولا
داعي له ولا قيمة له، وبين جدا أنه ماسخ
مشوه جمال التعبير العربي الفصيح، وهو
إلى هذا وذاك يحط من قيمة المتعلم والمثقف
المغربي بصفة عامة، ويستخف بإدراكه اللغوي
ولا يحترم ذوقه الجميل. ما المانع من أن
تكون هذه الدارجة موجهة إلى السادة المديرين
والمدرسين في الابتدائي؟ وإن صح هذا التكهن،
وهو واقع ما دام المدير والمدرس أقرب وأولى
بهذا المطوي، فهذا يعد مسبة أو على الأقل
انحطاطا وهبوطا في المستوى. أليس من الانحطاط
أن نخاطب المدرسين والمديرين والمثقفين
بصفة عامة بالدارجة مكتوبة؟
1 Comment
بارك الله فيك وكثر من أمثالك.