Home»National»تعود الحفظ الآلي مضر باللغة العربية

تعود الحفظ الآلي مضر باللغة العربية

0
Shares
PinterestGoogle+

      مما
يؤسف له أن الحفظ الآلي مازال سائدا في
تعليمنا حتى الجامعي منه، يكفيني في بعض
المواد وعند بعض المدرسين أن أعمل بمضمون
قولة ابن عبد ربه » بضاعتنا ردت إلينا »
لأحصل على نقطة حسنة والويل كل الويل إن
أتيت بشيء جديد…

      حينما
نتحدث عن النحو نتذكر القواعد، وحين نتحدث
عن القواعد نتذكر الحفظ، نبادر فنقول إن
الحفظ ليس عيبا عندما يكون المقام مقام
حفظ، فللحفظ فوائد لا تنكر وقديما « فطن
الناقد القديم حين نصح شاعرا ناشئا بحفظ
عشرة آلاف بيت مما كتبه العرب ثم ينساها،
فكأن النسيان لا يقل أهمية عن الحفظ، وهو
لم يكن يعني هنا أن تمسح عن قلبه، بل ألا
تخطر بباله حين ينظم شعره »1

      إذا
كان مستساغا أن يحفظ المتعلم أشياء حفظا
آليا في سن مبكرة لأن عقله لا يسمح بالفهم
إذاك، فلا يجوز أن يكون الأمر هو هو مهما
نما عقل المتعلم، إذ علينا أن نعود المتعلم
الذي شرع عقله في النمو، على الفهم أولا
ثم الحفظ ثانيا، وكلما كان الشيء مفهوما
سهل حفظه وكلما كان المحفوظ مفهوما كان
أبقى أثرا في فكر المتعلم ، يستحضر المعنى
إن نسي اللفظ المحفوظ.

      ولا
يكون العلم « مفهوما إلا إذا أخلص المتعلم
له، وتعبد له، وأنس به أنس العاشق بمعشوقه،
ولم ينظر إليه نظر التاجر لسلعته والمحترف
لحرفته، فالتاجر  يجمع من السلع ما تنفق
سوقه، لا ما يغلو جوهره، والمحترف لا يهمه
من حرفته إلا لقمة الخبز وجرعة الماء، أحسن
أم أصاب »2 إن الدرس اللغوي حين يحول
إلى محفوظات يضيع الهدف وتذهب الجهود سدى،
إننا حين ننشغل بالقواعد فنحرص على استخلاصها
واستظهارها نكون قد حولنا الدرس اللغوي
إلى محفوظات.

      غير
نافع أن أحفظ القواعد، ولكن نافع أن أفهم
القواعد حتى وإن لم أحفظها، ولو طرحنا السؤال
التالي: أ يحفظ متعلمنا القواعد اللغوية
أو يفهمها؟ ماذا يكون الجواب؟ المتعلم
يحفظ أكثر مما يفهم، أي إننا نحفظه ولا
نفهمه، وإلا كيف نفسر هذا التناقض: نسأل
تلميذا: بماذا يرفع المثنى؟ فيجيب: يرفع
المثنى بالألف وينصب ويجر بالياء. فهو أولا
حفظ الجملة كاملة ولم يستطع أن يذكر فقط
ما يجيب عن السؤال، ثم نسأله: أعرب: جاء
التلميذان: فيجيب: التلميذان فاعل مرفوع
بالضمة الظاهرة وهلمجرا.

      وعليه
يتعين التركيز على الفهم، وذلك حاصل بالابتعاد
عن كل ما يساعد على الحفظ، فالأسئلة التي
يجب أن تطرح سواء في التقويم الشفوي أم
التقويم الكتابي أسئلة ترتبط بالفهم لا
بالحفظ، فبدل أن أطرح السؤال: بماذا ينصب
المثنى؟ أطرح السؤال: كون جملة فيها مثنى
في محل نصب أو صحح الأخطاء في: غرس الفلاح
شجرتان- التلميذين مجتهدين- كانا مسروران…وهلمجرا.

      التعليم
مجهود يقوم به المدرس لتزويد التلميذ بمعارف
جاهزة؛ إن المدرس الذي يبذل مجهودا كبيرا
ليزود التلميذ بمعارف وخبرات جاهزة مدرس
مازال يمارس التعليم، هو الذي يقوم بكل
شيء أما التلميذ فعليه أن يستمع ويحفظ ليستظهر
وهذا هو الجيد من التلاميذ.

      إن
المفكرين والمربين متفقون على أن ذلك النموذج
التعليمي التقليدي غير صالح، فهذا فهمي
مقبل يقول: » إن المعلومات التي نحشوها
حشوا في عقول التلاميذ فيتجرعونها ولا
يكادون يستسيغونها لا تفعل شيئا لديهم
سوى عرقلة الذكاء وخنقه. » هكذا، فكل ما
لم يفهم المتعلم أو لم يتذوقه يتجرعه في
ظل ذلك النوع من التعليم، وحين نرغم المتعلم
على حفظ شيء لم يفهمه نخنق ذكاءه ونعرقله.

       »
إن التعليم الذي يترك الطفل جامدا لا يتحرك
هو تعليم سيء، والتعليم الحقيقي هو الذي
ينشط عقل الطفل وحواسه وعضلاته…ويدفعها
إلى العمل الذاتي الخير، فالطفل لا يعرف
معرفة حسنة إلا ما قام به هو »( ألفريد
بيني) وهكذا، كل ما لا يتوصل إليه المتعلم
بنفسه يعد حشوا، سواء كانت فكرة لنص أم
معنى كلمة أم تعريفا أم قاعدة لغوية…هذا
ليس معناه أن المتعلم سيتوصل إلى صياغة
فكرة أو شرح أو تعريف أو غير ذلك من تلقاء
ذاته، لا، المقصود أن ندفع المتعلم إلى
التوصل لشرح أو تعريف أوغير ذلك بمساعدة
وسائل. ونملك نحن وسيلة الأسئلة، نساعد
المتعلم بواسطة أسئلة مجزأة مغلقة، فبدلا
من أن أعطيه شرحا جاهزا لكلمة: ألوان في
سياق معين، فأقول ألوان مرادف أشكال وأنواع
وأصناف أقدم له جملة تشتمل على الكلمة:
في المكتبة ألوان من الكتب، تسير في الطريق
ألوان من السيارات، وعوض أن أعطيه تعريفا
جاهزا للفعل »لفظ » فأقول: لفظ بمعنى
رمى وألقى وطرح، أعطيه جملة فيها الفعل:
لفظت القلم وقد أعزز ذلك بفعل أو سلوك شارح،
فألفظ القلم وهو ينظر، هنا يكون المتعلم
اكتشف المعرفة بذاته أما المدرس فلم يقدم
المعرفة جاهزة إنما ساعده بأسئلة أو غيرها
على الاكتشاف، وفي الاكتشاف يعتمد على
العقل.

      وبدل
أن أقدم له تعريفا جاهزا لظاهرة لغوية فأقول
مثلا: الفاعل اسم مرفوع تقدمه فعل مبني
للمعلوم ودل على من فعل الفعل، استدرجه
بأسئلة مجزأة إلى اكتشاف التعريف: لاحظ
الجملة: جاء محمد. ما نوعها؟ إلى ماذا يحتاج
الفعل؟ الفاعل يكون اسما أو فعلا أو حرفا؟
كيف يكون من حيث الإعراب؟ ماذا تقدمه؟ أهو
مبني للمعلوم أو للمجهول؟ على ماذا يدل
الفاعل؟ ثم اطلب منه أن يستجمع أجوبته،
وبهذا نساهم في عملية الاكتشاف وهلمجرا.

      إنه
لمن الواجب أن نتيح الفرصة للمتعلم ليقوم
هو بالعمل، فقيامه إلى السبورة وكتابة
شرح أو فكرة أو الإجابة عن سؤال وغير ذلك
دافع له لاستخدام عقله وهذا حادث شرط عدم
الإملاء عليه، حتى إن تعثر أو عجز عن الجواب
لا يجب أن نقدم له الجواب جاهزا، ولا أن
نقصيه ، علينا أن نساعده على تصحيح خطئه
عن طريق الأسئلة.

      إن
« هدف التربية هو أن تخلق الإمكانات للطفل
لكي يقوم هو بالاختراع والاكتشاف » جون
بياجي. ما مقبول أن نمارس التعليم بمبرر
غياب الإمكانات لأنه بإمكاننا أن نمارس
التعلم بما نملك من وسائل وإن كانت بسيطة
تقليدية: وسيلة السؤال والسبورة، هاتان
وسيلتان تسمحان بجعل المتعلم يعلم نفسه
بنفسه متى لم يستأثر المدرس بالكلام والكتابة
على السبورة.

      ومن
طبيعة الحال لا يكفي أن يكتشف التلميذ العلم
كي يتعلم، بل عليه أن يمارس، فالممارسة
والتكرار شروط أساسية للتعلم، ولهذا مفيد
أن نطلب من المتعلمين إعادة ما توصل إليه
قبل تدوينه وبعده.

      « يجب
توجيه التلاميذ ليقوموا بتحريات خاصة بهم…فلا
يجوز أن نخبرهم إلا بأقل قدر ممكن من المعلومات
ويجب في المقابل أن نستحثهم على الاكتشاف
قدر الإمكان »( مفكر وفيلسوف بريطاني).

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. ابو زكريا
    26/01/2010 at 12:19

    مقال الاستاذ العوني يستوجب الشكر غير انني أود التنبيه الى أن مقولة بضاعتنا ردت الينا ليست لابن عبد ربه و انما هي لابن خلكان قالها لما اطلع على كتاب ابن عبد ربه العقد الفريد

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *