أسباب حرب الطرق القاتلة
لقد صارت حوادث السير عبر الطرق ظاهرة بعدما كانت حوادث نادرة ، وارتفع عدد هذه الحوادث بشكل يثير القلق ، وارتفع عدد الضحايا من قتلى وجرحى بشكل غير مسبوق . ومن المعلوم أن حوادث السير تعزى إلى سبق إصرار على الحوادث من طرف شريحة من خلق الله ـ غفر الله لهم ـ فإذا كان بعضهم يرتاد الخمارات طيلة يومه في حانات المدن، أو يرتاد أسواقها الممتازة فيقتني منها ما يشاء من الخمور جهارا نهارا وبحماية يوفرها له القانون ، وتلعب برأسه أم الخبائث ثم يقفل راجعا إلى مدينته ، في ساعات المساء أثناء عودة قوافل الموظفين الذين يتنقلون يوميا بين المدن ،سائقا سيارته بتهور وبتجاهل لكل القوانين والأعراف ، وضاربا عرض الحائط كل علامات المرور، ومتهتكا بالإدمان على شرب الخمر وراء مقود سيارته ، و بمغازلة من برفقته من بائعات الهوى ، ومتمايلا على أنغام الموسيقى الخليعة الصاخبة بحيث يخيل إليه تحت تأثير الخمر أنه يواصل سكره في إحدى الخمارات أو إحدى علب الليل ، أو يخيل إليه أنه يقوم بتمثيل بطولة فيلم من أفلام المغامرة إذ لا يبالي بأرواح خلق الله على الطريق فيحصدها حصدا مخلفا وراءه أيتاما وأرامل يتجرعون الآلام والأحزان ويعانون المآسي بسبب نزواته البهيمية من جنس وخمر وعربدة دون وازع ديني ، ولا رادع قانوني.
والغريب أن يمر أمثال هؤلاء المعربدين بحواجز عبر الطريق ، وهم متلبسون ، وحالهم تشي بالعربدة فلا يستوقفون ولا يتم التحقيق معهم ، ولا تجرى لهم أبسط الفحوصات لمعرفة درجة سكرهم كما هو الحال في بلاد السكر المباح. والأغرب من ذلك أنه عندما تنصب كاميرات مراقبة السرعة في بعض الأماكن على الطريق يعمد بعضهم إلى التعاطف المغشوش مع المبالغين في السرعة فينبهونهم باستعمال الإشارات الضوئية إلى أماكن الرادار لتمكينهم من الإفلات من عقوبة عسى أن تردعهم و تردهم إلى رشدهم . ومباشرة بعد اجتياز نقطة المراقبة تعود السرعة كما كانت أو أكثر مما كانت ، وتصير أرواح العباد فوق كف عفريت كما يقال. ومن الظواهر الخاصة بجهتنا الشرقية ظاهرة سيارات التهريب المعروفة بالمقاتلات المهربة للوقود الجزائري والتي لا تشاهد إلا بسرعة جنونية خارج وداخل مدن الجهة الشرقية .
وقد اعتاد أصحابها السياقة بتهور فائق لكل حد ، وهم لجهلهم وقلة وعيهم واستخفافهم بالقانون والناس يعتبرون ذلك بطولة ، وخبرة حيث يسوقون سياراتهم المقاتلة بدون أضواء خلفية في الغالب ويتجاوزون كل من يصادفونه في طريقهم ضاربين عرض الحائط كل علامات المرور، وحال هؤلاء لا يختلف عن حال السكارى المعربدين في الطرق ، ويتسببون في كوارث تجمع بين اصطدام وانقلاب مقاتلاتهم وانفجارها بسبب حمولة الوقود ،مما يجعل حصيلة ضحاياهم ثقيلة ومؤلمة. ومن الظواهر السلبية أيضا في جهتنا وفي كل ربوع الوطن تهور بعض أصحاب سيارات الأجرة الكبيرة الذين يدفعهم طمعهم في الربح إلى الإفراط في السرعة من أجل تحقيق أكبر قدر من التحركات اليومية ، وهم لا يقلون غرورا عن المهربين إذ يعتقدون أنهم أفضل الشرائح الاجتماعية سياقة ، ولا تسمع أحدهم وهو يسوق سيارته إلا شاتما ومعيرا لكل من في الطريق ، وهو يرتكب الحماقات بسبب سرعته واستعجاله ، وتجاوزاته حيث لا يجوز التجاوز وكأنه يسوق سيارة إسعاف دون أن يأبه بأرواح من معه ، وقد يجد من يؤيده في حماقاته ويشجعه عليها حتى يلقى حتفه بشكل مروع جزاء تأييده للتهور. ومن الظواهر الجديدة أيضا ظهور جيل من سائقي الحافلات العمومية الذين يفوقون سيارات الأجرة الكبيرة طيشا وتهورا فلا تراهم إلا وعيونهم معلقة بالشاشات المعلقة بالحافلات وهم يتابعون الأفلام بتركيز أكثر من تركيزهم على مراقبة الطريق ، أو يترنحون مع الموسيقى الصاخبة التي لا تكاد تنقطع طيلة الطريق ، وربما كان فيهم الواقع تحت تأثير الخمر ، أو المسطول بسبب السجائر الملفوفة بالمخدرات ، وقد أدنى منه بعض بنات الهوى من المهربات أو الهاربات وهو يغازلها طيلة الطريق مشغول بغزلها عن مراقبة الطريق حتى يتسبب في كارثة مما تنقله لنا وسائل الإعلام أسبوعيا هنا وهناك فنأسف للحظة ثم سرعان ما ننسى.
ومن الظواهر الملحوظة أيضا تهور بعض أصحاب النقل الثقيل الذين يظنون أن ثقل شاحناتهم يعطيهم ثقلا على الطريق ، فيسقون آلاتهم العملاقة دون اكتراث بأصحاب السيارات الصغيرة ، وقد يعاندون أصحاب هذه السيارات الصغيرة في السرعة لإظهار الشطارة في السياقة ، فترى الشاحنة وطولها أمتار كثيرة تتجاوز السيارات الصغيرة بسرعة قد لا تتعداها السيارات الصغيرة. ومن الظواهر الملحوظة أن السيارات ذات الألواح الأجنبية أو السيارات الرباعية الدفع أوالفخمة دأبها في الغالب السرعة المفرطة لأن السرعة المحدودة لا تليق بها بسبب لوحاتها الأجنبية ، أوب سبب فخامتها ،وقوة دفعها ، وكثرة خيلها ، ونباهة أصحابها وقدرهم ومقدارهم الذي هو فوق أقدار المواطنين ، فلا يكاد أصحاب هذه السيارات يقتربون من غيرهم إلا و أبواق سياراتهم لها زعيق وكأنها سيارات إسعاف أو شرطة أو درك تطلب ممن يكون أمامها إخلاء الطريق لها لتمر بسرعتها الجنونية التي هي فوق كل قانون ، وقد يشبع أصحابها غيرهم شتما لأنهم وحدهم المتحضرون الذين يجيدون السياقة بحكم فخامة سياراتهم. وقد أشفقت مؤخرا على أحدهم وقد استوقفني متنطعا ومحتجا على أسبقية ليست من حقه ، ناسيا أو غافلا أنني كنت على يمينه داخل المدار الحضري و ضاربا عرض الحائط وجود إشارة وقوف إجباري أمامه ، فصار يسألني باستخفاف عن يميني شاتما من أعطاني رخصة السياقة التي حصلت عليها قبل أن تلده أمه ، واستحييت أن أعرض به وقد كان رفقة أهله ، وما دفعه لمثل هذا السلوك المستهجن إلا لركوبه سيارة فخمة لا ينطبق عليها قانون السير لفخامتها حسب اعتقاده وغروره.
أما عن ظاهرة سائقي سيارات الأجرة الصغيرة فحدث ولا حرج ، ففي اعتقادهم أنهم وحدهم من يسوق ذوات الأربع ، ولا تراهم إلا وهم فوق قانون السير ،أيديهم على أزرار أبواق سياراتهم التي لا تهدأ لحظة، وفي أفواههم العبارات النابية الشاتمة لكل من في الطريق ، وكل البشر بالنسبة لهم مجرد بهائم في السياقة إلا هم ، ولغرورهم لا يلتفتون إلى أخطائهم القاتلة أثناء السياقة ، وقد يضيفون من تلقاء أنفسهم قانون التعصب لبعضهم البعض إلى قوانين السير فيسطون على حقوق غيرهم في المرور لفائدة بعضهم البعض ، وقد يتسببون في فوضى عارمة خصوصا في ساعات وسط النهار أو المساء التي تصادف خروج الموظفين والمتعلمين ، فيجعلون أسبقيتهم فوق كل أسبقية. إن هذه الظواهر السلبية والملموسة لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد ، وهي من أسباب حرب الطرق كما تسمى . فهل سيتنبه المسؤولون إلى الظواهر المسبب لحرب الطرق ، ويجدون لها الحلول بصرامة لا هوادة فيها ، وبدون ازدواجية المكيال مع أصحابها، وبدون سكوت عنها أو استغلالها قصد استغناء بعضهم بواسطة ريعها ؟ فالمستغنون بحرب الطرق لا يختلف عن أغنياء الحروب فهم في الجرم سواء عند الله عز وجل، وأمام القانون.
3 Comments
لقد استوفية بعض الاسباب التي تؤدي الى الحوادث الطرقية القاتلة ولكنك لم تتطرق الى فساد البنية التحتية للطرقات ووعي السائقين بالخطر الذي يمثله كل راكب الة كيفما كان حجمها.
icharat l mourour malhoum mkhab3in mour chjour
إن الموظفين سعادة الاستاذ الذين يتلذذون الخمر بعد خروجهم من عملهم ليس هو التهور إنما التوقيت الذي ححدته الدولة للموظفين من الثامنة والنصف الى حدود الرابعة والنصف هو السبب الرئيسي في الحوادث حيث الموظف يخرج منهمكا مع هذا التوقيت ليجد نفسه مضطرا لاتمام نهاره في احدى الحانات تاركا تعبه اليومي المضطر لمزاولته أو الابتعاد لاحدى الاماكن الطبيعية متلذذا باحدى المشروبات الخمورية قضاء وقدر مع الدولة على هذا التوقيت الذي حرمنا من أولادنا فالزوجة موظفة تظل غائبة والزوج كذلك فما عليه الا ان يتمم نهاره خارج بيته هكذا ارادت الدولة للموظفين نسيان واقع الحياة