كرونولوجيا الإصلاح
شهدت المنظومة المغربية للتربية والتكوين العديد من محطات الإصلاح باءت اغلبها بالفشل ،وبادر المسؤولون بعد كل محطة إلى تدارك ما فات بأساليب وطرق مختلفة ، وهكذا نقف عبر تاريخ إصلاح التعليم في بلادنا على مجموعة من المحاولات التي تصب في إصلاح الإصلاح إما عن طريق التناظر – مناظرة المعمورة ابريل 1964 ،مناظرة افران1968- ، أو عن طريق برامج مستعجلة كما هو الشأن في البرنامج الاستعجالي الحالي 2009/2012 .
لكن هذه المحاولات غالبا ما يتم اعدادها في غياب تام لتشخيص مسبق لأسباب الفشل ودون تقييم دقيق لنتائج محطات الإصلاح السابقة . ولو أمعنا النظر في محاولات الإصلاح هاته – بدءا بالإصلاح المعروف بالمذهب التعليمي لسنة 1957 ومرورا بالاصلاح المرافق للمخطط الخماسي 1960/1964 ثم محطة المذهب التعليمي الجديد المنسوب لوزير التعليم الدكتور بنهيمة 1966، ثم الاصلاح ً المرغم ً او ُالرسمي ً الذي انطلق سنة 1985 في اطار سياسة التقويم الهيكلي منذ 1983، و أخيرا الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق سنة 2000 ثم البرنامج الاستعجالي 2009/ 2012 الذي استهدف تدارك نقائص وتعثرات الترجمة العملية لبنود الميثاق على أرض الواقع – لوقفنا على جملة من المنطلقات المشتركة او التقاطعات ، وعددا كبيرا من القضايا العالقة او الإشكالات المزمنة التي لم تتمكن هذه الإصلاحات من تجاوزها .وسأحاول تسليط الضوء على النقاط المشتركة وعلى الإشكالات التي صاحبت محاولات إصلاح منظومتنا التربوية منذ الاستقلال .
1- التقاطعات :
الحضور الصريح او الضمني للمبادئ الأربعة ( التعميم – التعريب – التوحيد – المغربة )- في كل إصلاح من الإصلاحات السالفة الذكر ، وهذه المبدأ من الاختيارات الكبرى التي أ فرزها الواقع لذا ظل صريحا في المحطات الأولى ، ثم أضحى ضمنيا منذ إصلاح 1985 وتبني سياسة التقويم الهيكلي ،بايعاز من صندوق النقد الدولي . عدم الحسم النهائي في مسألة التعريب ، الاهتمام الباهت بالموارد البشرية وبالتكوين البيداغوجي خاصة في المحطات التي سبقت إصلاح 1985 التضحية بنوعية التعليم في سبيل النمو الكمي ، خضوع التعليم للظروف السياسية والاقتصادية للبلاد ، *ظل الرهان على بناء مدرسة وطنية حاضرا في محطات الإصلاح الأولى ، ثم طفق يختفي تدريجيا منذ الإصلاح المنسوب لوزير التعليم الدكتور بنهيمة ، الانتقال من فلسفة الاصلاح القائمة على الدواعي والمعطيات الداخلية إلى الخضوع لتوصيات وتقارير المنظمات الدولية ، او بروز ما أطلق عليه بعض الباحثين بالاصلاح ّ المرغم ّ او ّ الرسمي ّ الإكراه المالي في تنفيذ مشاريع كل الإصلاح .
2- الإشكالات المزمنة:
وهي إشكالات كانت حاضرة بقوة في فشل كل الإصلاحات، ومن تجلياتها:
التضارب في الاختيارات من إصلاح إلى آخر بين ثنائيات مركزية لامنا ص منها في كل إصلاح جدي على سبيل المثال لا الحصر التعميم / الجودة ، المدرسة الوطنية / التعليم الخاص، / الخضوع لاملاءات صندوق النقد الدولي / الاصلاح الداخلي …….، التراجع على بعض القضايا الجوهرية كمشروع سلك الانقاذ في المخطط الخماسي 1960/1964 ،ومشروع التعليم الأولي الذي ظهر في المخطط الثلاثي 1965/ 1967 لكنهما لم يريا النور ،باستثناء التعليم الأولي الذي ظهر مجددا في الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000 ، الاختلال بين العرض و الطلب ، فقد أخفقت كل الإصلاحات على المستوى الكمي في تعميم التعليم ، كما تأخرت كثيرا في الولوج إلى مجال الجودة ، على مستوى البنيات التحتية وعلى مستوى تأهيل الموارد البشرية إداريا وبيداغوجيا ،والتصقت بمنظومتنا بسبب هذا الخلل عدة ظواهر لا زالت تنخر جسمها كالانقطاع و الهدرالمدرسي والاكتظاظ وسوء التدبير المالي والإداري….
عدم تكافؤ العرض بين الجهات وبين الأقاليم وبين الوسطين الحضري والقروي، عدم انتظام وثبات مسار محطات الاصلاح حيث يلحظ المتتبع فترات لتوسع في التمدرس -كما هو الشأن في مرحلة ما بين 1957و1963 و مرحلة ما بين 1970 و1977- وأخرى تؤشر على انحساره خاصة في أواخر سنوات الستين وما بعد 1977، إهمال البعدين البيداغوجي والتربوي في جل الإصلاحات إذا استثنينا إصلاح 1985 ، وإصلاح 2000. وإصلاح 2004 حيث تمت إعادة هيكلة التعليم الثانوي. اشكالية تمويل التعليم ، إذ على الرغم من ارتفاع الميزانية الخاصة بالتعليم وتزايد الإعانات الوطنية والخارجية ، يسجل نقص ملحوظ في الموارد الضرورية للاستجابة لمتطلبات الإصلاحات ، الشيء الذي ينجم عنه تأجيل مواعيد بعض الإنجازات كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة الجيدة و الجودة في التعليم والتعليم الأولي وشبكات التربية والتكوين وغيرها من البرامج في ثنايا الميثاق الوطني للتربية والتكوين ولكنها لم تخرج الي الوجود وأجلت بسبب العجز عن تمويلها ،
هذه باختصار شديد الخاصيات المشتركة لمحطات إصلاح منظومتنا التربوية والإشكالات التي ساهمت بشكل او بآخر في فشلها إلى جانب المنهجيات المعتمدة لتنفيذ هذه الإصلاحات والتي يمكن تلخيصها في :
تغييب المعنيين المباشرين بالإصلاح، وعدم الاهتمام ببعد الوسط المحلي، انطلاقا من الآباء ومرورا بالمجتمع المدني والجماعات و السلطات المحلية، تنفيذ الإصلاح عن طريق المراسيم والمراسلات و المذكرات، الصادرة من مختلف المصالح الإدارية والتربوية، وهذا ما يطبع الإصلاح بالبيروقراطية في التطبيق، عدم الاهتمام بتكوين الموارد البشرية وإعدادها لتكون قادرة على مواكبة متطلبات الاصلاح، عدم تحضير الوسائل المادية والبيداغوجية اللازمة لكل مرحة من مراحل الإصلاح.
و جدير بنا ونحن نستعرض جوانب محطات الإصلاح أن نشير من جهة إلى الرغبة التي أصبحت تراود المسؤولين في الوصول إلى إصلاح شامل منذ 1973، وحرصهم الأكيد على تحقيقه،و من جهة أخرى الى مساهمة الكتابات والدارسات واللقاءات والندوات ودورها الفعال في الدفع نحو هذا التوجه بإجماعها على ضرورة صياغة منظومة تربوية جديدة وفي هذا الإطار فقد أفضى تشخيص « اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين » إلى خلاصتين أساسيتين تفيدان بأن : ُ المغرب كان يعمل بنظام تربوي استنفذ بعض أغراضه ولم يعد قادرا على مسايرة التحديات الداخلية والخارجية ً؛ َالمجتمع المغربي فقد ثقته في النظام التربوي المغربي.ً
وجاء »الميثاق الوطني للتربية والتكوين » محاولا الإجابة عن السؤال الجوهري: ما السبيل لبناء نظام تربوي يليق بمغرب القرن 21 ؟ ويكون جديرا بثقة المجتمع المغربي؟.
ولقد اعتبر « الميثاق الوطني للتربية والتكوين » في حينه من طرف العديد من الخبراء والباحثين مشروعا تغييريا في السياق السياسي والإداري والاجتماعي الذي جاء فيه، ومرجعية موجهة ومؤطرة لإصلاح النظام التربوي على امتداد عشر سنوات.
إلا أنه – ونحن على مشارف نهاية ھذه العشرية المخصصة للتربية والتكوين – اتضح للجميع أفرادا ،ومؤسسات وطنية، ودولية، أن الإصلاح التربوي المأمول لم يحقق الأهداف التي وضعت له ، وبالتالي بات السؤال حول الأسباب الحقيقية ، و الجهات التي لم تلتزم بتفعيل مضامين وبنود ميثاق التربية والتكوين، سؤالا مشروعا ، و ملحا ، وضروريا، وتجنبا للخوض في تقديم الإجابات المتعلقة بهذا الجانب ، على الرغم من أھميتها ،و راهنيتها نعتقد أن جملة من التقارير- منها التقرير التقييمي لسيرورة الإصلاح الصادر عن اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين ، وتقريرا لبنك الدولي ، وتقرير المجلس الأعلى ،إضافة إلى التقارير المنبثقة عن منتديات الإصلاح ،والكتابات الصادرة عن الباحثين – كلها قد قدمت بعض الإجابات في هذا الجانب ، نأمل أن يلتفت مهندسو البرنامج الاستعجالي لهذه الإشكالات ولمنهجيات التدبير، ولهذه التقارير الدولية ، والوطنية ،حتى نتمكن من تدارك ما فاتنا في العشرية السابقة .
اقو يدر ختيري – مفتش التعليم الابتدائي ..
Aucun commentaire