صيانة المرافق العامة مسؤولية الجميع
أثار انتباهي تعليق على مقالي المتعلق بالفضاء الأخضر بحي الأندلس، وفحواه أن هذا الفضاء لم يعد أخضر، وأن فضاء حي القدس أيضا صار مرتعا للمعربدين. وما جاء في التعليق حقيقة لا تنكر ويمكن معاينتها ولكن السؤال المطروح هو : من المسؤول عن صيانة المساحات الخضراء في الأحياء السكنية ؟ والجواب المعروف ، الجاهز على كل لسان هو حراسة توفرها السلطات المحلية . ومع توفير السلطات المحلية لحراسة دائمة تحرس المساحات الخضراء لا يمنع ذلك من تخريبها والعربدة فيها بحيث يصير عمل حراس هذه الأماكن هوالصراع الدائم مع العناصر المخربة ، وقد لا يجد هؤلاء الحراس من يدعمهم من المجتمع المدني فيتركون حراستهم بلا رجعة.
والجواب المغيب الذي لا يخطر على بال أن المجتمع المدني هو المسؤول الأول عن هذه المساحات الخضراء خصوصا الساكنة المجاورة والمستفيدة أكثر من غيرها من هذه الأماكن. فثقافة التعايش السلمي مع المساحات الخضراء لا زالت غائبة في مجتمعنا إذ تسجل مختلف مظاهر الاعتداء على الطبيعة سواء خارج المدارات الحضرية أم داخلها.
فلا يكاد الناس في بلادنا يحتكون بالطبيعة إلا وأحدثوا فيها التدمير من خلال كسر غصون أشجارها، وقطف أزهارها وورودها ونباتاتها وتلويثها بما يفضل عنهم من نفايات، بل والإحداث تحت ظلالها وبالقرب من مجاري أنهارها وجداولها…. ويمكن أن يعاين الإنسان مظاهر التخريب هذه في كل الفضاءات التي تقصد في الجهة الشرقية للاستجمام وأذكر على سبيل الذكر لا الحصر تافوغالت وزكزل والسعيدية وكافيت وصفرو بعين الصفا ، والفضاء المجاور لمطار وجدة أنكاد ، وغابة سيدي معافة والفضاء المجاور لضريح سيدي حازم … هذا خارج الفضاءات الحضرية ، وداخل المدن يمكن أن يعاين الإنسان مظاهر تخريب المساحات الخضراء المختلفة وأقلها انتشار ما يفضل عن الزوار من مأكولات وأقلها بقايا الزريعة و علب وأعقاب السجائر والبصاق بجوار المقاعد في الساحات العمومية والمساحات الخضراء.
ويخيل لمن يعاين مظاهر تخريب الطبيعة خارج وداخل المدارات الحضرية أن زوارها من النوع الذي تتوفر له فرصة زيارتها مرة واحدة في العمر مما يجعله لا يفكر في صيانتها لأنه لن يزورها بعد ذلك أبدا. ولا نرى المتمتع بالطبيعة في البادية أو في المساحات الخضراء داخل المدن يفكر في جمع نفاياته في أكياس من البلاستيك ويعود بها إلى القمامات الخاصة بها . ومن حاول فعل ذلك وهم قلة قليلة يكونون عرضة لاستهزاء وسخرية الأكثرية ذات الثقافة المخربة للمساحات الخضراء. أما شريحة المعربدين فمظاهر تخريبهم متميزة فهي عبارة عن أسطوانات وقوارير أم الخبائث وبقايا علب السجائر وأعقابها ، وكأن الطبيعة وجدت خصيصا لعربدتهم وأدرانهم .
وأمام هذا الخطر الذي يتهدد الطبيعة من خلال سلوكات غير مسؤولة لابد من حلول يساهم فيها الجميع . وعلى رأس الحلول انخراط المجتمع المدني في صيانة المساحات الخضراء من خلال تبني الجمعيات السكنية والوداديات لهذه المساحات فضلا عن تحمل الجهات المسؤولة مسؤوليتها إلى جانب المجتمع المدني من خلال توفير العسس والمختصين في البستنة وتوفير الحصون والسياجات للمساحات الخضراء إلى أن تترسخ ثقافة التعايش مع هذه الفضاءات كما هو الشأن في المجتمعات التي سبقتنا في المضمار الحضاري بقرون .
والغريب أن ثقافة تدمير كل ما هو أخضر وهو سلوك بعض الكائنات الحية مثل الجراد متأصلة في عقلية شرائح طويلة وعريضة من الناس ، وكأنها ردود أفعال على أفعال.فلا زال الكثير منا يتحدث عن الدولة وعن المسؤولين وكأنهم ملاك ضيعات وغيرهم أقنان يتربصون بالضيعات لتدميرها ،وكأنها ليست ملكا عاما يعود بالنفع على أصحاب عقلية التدمير قبل غيرهم. فمن اقتلع شجرة في وطنه هو كمن فقأ عينه أو جدع أنفه أو بطر يده ورجله دون شعور منه ولا يحس بفداحة ما فعل إلا بعد أن يحتاج إلى ما دمره . وقديما قيل يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العاقل بعدوه. فبعض الناس عندنا يتصورون أنفسهم في بلاد غير بلادهم بل في بلاد عدوهم فيخربون كل ما يقع تحت أيديهم من الممتلكات العامة انتقاما من أعداء وهميين عوض التنبه إلى الأعداء الحقيقيين ومنهم الفقر والبطالة والجهل ، والممارسات غير المنصفة من طرف من بيدهم مسؤولية التدبير من حقرة ورشوة وظلم صارخ . فهذه الأمور قد تجعل من بعض الناس مخلوقات عدوانية . وأغرب ما سمعت أن بعضهم انتقم من المرافق العامة بسبب ارتفاع ثمن فاتورة الماء والكهرباء، وفي اعتقاده أن تدمير هذه المرافق يعوض بعض ما أنفقه على ما استهلكه من ماء وكهرباء. كما سمعت أن بعضهم صودرت منه بضاعته المهربة فلم يجد إلا المرافق العامة للانتقام منها. ومما سمعت أيضا أن بعضهم صودرت بضاعته المعروضة في أمكان غير مسموح بها فلم يجد إلا المرافق العامة بديلا للانتقام.
وهذه ممارسات موجودة لا يستطيع أحد نفيها فكم من مرافق داخل المؤسسات التربوية تعرضت للتلف من طرف متعلمين لم يحققوا نتائج مرضية فكانت ردود أفعالهم شاذة عوض أن يفكروا في بذل المزيد من الجهود لتحقيق أفضل النتائج بديلا عن الانتقام من مرافق دراسية هي ملك من سبقهم ومن سيأتي بعدهم .
والغريب الذي لا يستساغ أن تكون ثقافة تخريب الممتلكات العامة بما فيها المساحات الخضراء مصدر فخر واعتزاز المخربين حيث ينظر المجتمع المدني إلى المخربين وكأنهم أبطال وقد يجدون التشجيع من خلال ابتسامات الرضا التي تواجه تخريبهم للمرافق العامة. والويل والثبور وعواقب الأمور لمن صاح في وجوههم وأنكر تخريبهم للمرافق العامة .
وإذا كان البعض لا يهمه الدمار الذي يلحق بيته الخاص بل يكون مخربا لبيته بيده فلا ينتظر منه أن يصون بيته العام أو وطنه . والمؤسف بل المبكي أن يطال التخريب بيوت الله عز وجل حيث من المفروض أن يحضر الحس الديني بقوة في لحظات العبادة أو الاستعداد للعبادة. فمراحيض المساجد تعكس ثقافة التخريب حيث لا يتخلص من يرتادها من خبثه ويتراكم الخبث وقد عول البعض على البعض للتخلص منه ، والغريب أن يتفق الجميع على الاحتجاج وإنكار هذا الفعل المعيب مع أن الفاعل قد لا يخجل من المشاركة في الاحتجاج ويكون أكثر احتجاجا من غيره ، وكأن الله عز وجل لا يعلم سره وعلانيته ، وهو يقف في صفوف المصلين يخادع نفسه والله خادعه وهو لا يشعر.
وأنا أتساءل هل الذين لا يتخلصون من خبثهم في مراحيض المساجد يفعلون نفس الشيء في مراحيض بيوتهم ؟؟ ومن الذي يتولى تنظيفها نيابة عنهم ؟؟
إن المجتمع المدني هو المسؤول الأول عن صيانة المرافق العامة من خلال انخراط فعلي ومسؤول عوض التذرع بذرائع الغياب والانشغال بالعمل ، فلا بد لكل فرد من أفراد المجتمع المدني من تخصيص جزء من وقته للعناية بالشأن العام لأن عقيدتنا السمحة تتبرأ ممن أصبح وأمر المسلمين لا يعنيه . إن الأنانية تصيب عواقبها أصحابها قبل غيرهم لأن الوطن عبارة عن سفينة تمخر عباب بحر لجي فمن قصر في حقها مهما كان حجم تقصيره ساهم في غرقها وكان بالضرورة من بين الغرقى أو ربما كان أول الغرقى والضحايا .
2 Comments
إلى الأخ الحوسين قدوري ما هو السر في عدم نشر التعليقات ؟؟؟؟
فثقافة التعايش السلمي مع المساحات الخضراء لا زالت غائبة في مجتمعنا
معذرة أخي الكريم هذه الثقافة ليست غائبة بل المصيبة هناك « وباء »المساحات الخضراء المتفشي في مدينتنا وهو الذي سينخر جسمها رغم هذه الإصلاحات الكبيرة. وأقصد بذلك « الحدائق » المغروسة في الأرصفة والمسيجة التي قضت على الرصيف فما زلنا في القرن الواحد والعشرين نتمشى في الطرقات المعبدة وهو سلوك غير حضاري تتحمل مسؤوليته الجهات المسؤولة