Home»National»بانوراما تحالفات و صراعات مغرب ما بعد الإستقلال

بانوراما تحالفات و صراعات مغرب ما بعد الإستقلال

3
Shares
PinterestGoogle+

للحديث عن موضوع صراعات و تحالفات مغرب ما بعد الإستقلال لابد من إعطاء صورة موجزة حول المشهد السياسي في عهد الاستعمار الفرنسي حتى يتسنى فهم ما جرى فيما بعد:

أ‌-إن الحركة الوطنية كانت في الأصل ذات مرجعية فكرية سلفية متأثرة بنظيرتها في المشرق،وقد تأثرت بالفكر الوطني إبان الظهير البربري سنة 1930 ،لتتكون بعد ذلك كتلة العمل الوطني النواة الأساسية لحزب الإستقلال،و كان الجناح السياسي لهذه الحركة متشكل من البورجوازية المدينية التجارية و المتمركزة داخل المدن و خاصة فاس و مراكش و الذي يرى أن عودة المخزن بشكله ما قبل الاستعماري هو الذي سيؤمن لها مصالحها،كما انضم لهذه الحركة تيار متشكل من أبناء الفلاحين الذين هاجروا إلى المدينة من أجل تحسين ظروفهم و أبناء الطبقة العاملة التي تشكلت من خلال نمط الإنتاج الرأسمالي الذي خلقه المستعمر و الذين تأثروا بالفكر الإشتراكي .

ب‌- غياب تصور إيديولوجي واضح داخل حزب الإستقلال بتياريه حول طبيعة النظام السياسي ما بعد الإستقلال كان له تأثير قوي في ضعف موقف الحركة الوطنية في عهد الإستقلال.

ت‌- أن موازين القوة كانت لصالح الحركة الوطنية في عهد الإستعمار.

ث‌- تواجد تيار ليبرالي متشبع بمبادئ الثورة الفرنسية تجسد في حزب « الشورى و الإستقلال » و الذي كانت له رؤية حول طبيعة النظام السياسي، وقد تم تهيمشه .

ج‌-تواجد الحزب الشيوعي المغربي الذي كان امتدادا لنظيره الفرنسي الداعم لحركات التحرر على المستوى العالمي.
إن الصراع الذي تفجر بعد الإستقلال بين الحركة الوطنية و المخزن و الناتج عن عدم امتلاك
الوضوح الإيديولوجي داخل حزب الإستقلال تم استغلاله من طرف المخزن الذي سيحل جيش التحرير و يتحالف مع الأعوان داخل البادية المغربية و قد حاولت حكومة عبد الله إبراهيم تقسيم الأراضي على الفلاحين الصغار و ضرب ألأعيان و تشتيتهم فتمت إقالتها.

كما تم التحالف مع حزب جديد ذي حمولة أمازيعية تزعمه المحجوبي أحرضان،و ذلك لخلق توازن مع حزب الإستقلال ذي الاتجاه العروبي.
لقد اشتد الصراع داخل حزب الإستقلال ليتوج بانشقاق ابتدأ بالجامعات الحرة و تكلل بإحداث الإتحاد الوطني للقوات الشعبية،و جدير بالملاحظة أنه رغم الصراعات بين هذين الأخيرين فإنهما كانا يشكلان قطبا المعارضة.
عشية الانتخابات الأولى التي عرفتها المملكة تأسس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي تزعمه رضا اكديرة و الذي تكتل في إطار جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية المعروفة باسم الفديك و الذي كان يشكل الإتجاه الداعم للمخزن.وقد أفرزت الانتخابات البرلمانية توازي الطرفين(الأحزاب الموالية للدولة من جهة و الأحزاب المعارضة من جهة أخرى) و عدم غلبة كفة أي طرف ليتواصل هذا الصراع ويحسم من طرف الدولة من خلال إعلانها حالة الاستثناء و حل البرلمان و تهمش دور الأحزاب السياسية الحقيقية و التي كان في ظاهرها الانتفاضة التلاميذية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء سنة 1965 لكن في عمقها هو شد الحبل بين طرفا الصراع في المعادلة السياسية المغربية.
علينا أن لا ننسى أنه في خضم الصراع بين الطرفين كان يسجل صعود أسهم المؤسسة العسكرية في بورصة المشهد السياسي.فكان يلاحظ غلبة الأمازغيين داخلها لموازاة الطرح العروبي لحزب الإستقلال.
ففي مقابل تهميش دور الأحزاب السياسية بعد حالة الاستثناء صعد نجم المؤسسة العسكرية بعد سحق الانتفاضة التلاميذية بقيادة الجنرال أفقير.
إن الفراغ السياسي الذي جاء نتيجة تهميش دور الأحزاب السياسية و التحالف مع المؤسسة العسكرية انتهى بمحاولة هذه الأخيرة التهام المؤسسة الملكية في إطار المؤامرتين الإنقلابيتن الفاشلتين و التي كانا لهما و قع على مجرى الحياة السياسية في المغرب. فسيعلن الراحل الحسن الثاني عن المسيرة الخضراء من أجل استرجاع الأراضي الجنوبية مستثمرا بحنكته ضعف المشهد السياسي الإسباني المتجلي في مرض الرئيس فرانكو الذي كان قعيد الفراش وقد حققت المسيرة الخضراء الأهداف التالية:

1- تهميش دور المؤسسة العسكرية عن دورها السياسي و إلهاءها بدورها الميداني العسكري المحض في الجنوب المغربي.

2- خلق إجماع وطني جديد من خلال الإجماع حول الصحراء المغربية و بالتالي حول المؤسسة الملكية بعد هزة الانقلابين الفاشلين.

3- إبعاد الجيش عن الحدود الجزائرية و تحويل مركز ثقله في المنطقة الجنوبية و استبعاد أي حرب محتملة مع الجزائر بعد فشل توقيع اتفاقية إيفران حول ترسيم الحدود بين البلدين خاصة أن هناك مطالب ترابية للمغرب كتوات و بشار و تندوف…….الخ.

4- وقف الإحتقان السياسي من خلال إطلاق ما سمي بالمسلسل الديمقراطي و إطلاق سراح مجموعة من المعتقلين السياسيين خاصة من تيار 23 مارس.
هذا الواقع الجديد تم التقاط إشاراته من طرف الأحزاب السياسية الوطنية التي بادرت إلى تغيير إستراتيجيتها و خاصة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي قام بمؤتمر استثناني سنة 1975 تأسس من خلاله  » الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية » الذي تبنى النضال الديمقراطي ليتوجه بتبنيه لخيار بناء الدولة الوطنية إبان المؤتمر الثالث للحزب سنة 1978.
إن هذا الانفتاح على الأحزاب السياسية كان محدودا فقد وازاه تحالف جديد مع المؤسسة الأمنية المتمثلة في وزارة الداخلية و التي تزعمها الراحل إدريس البصري الذي عمر فيها أكثر من ربع قرن و الذي خلق خريطة انتخابية على مقاسه،و ميع العمل السياسي و تحكم في الإعلام و الاستخبارات….. ، كما لا ننسى أنه تم تدعيم خلق أحزاب إدارية موالية للمخزن من قبيل حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة أحمد عصمان و المكون في أغلبيته من فلاحين كبار و مقاولين و الذي حاول الإستقلال عن المخزن و خلق يمين ليبرالي حقيقي فعوقب في انتخابات 1983 من خلال انشقاق مجموعة ا أنشأت الحزب الوطني الديمقراطي.

في السبعينات من القرن الماضي ظهر التيار الإسلامي و المتمثل في حركة الشبيبة الإسلامية التي تبنت العنف كخيار لتعرف بعد ذلك انشقاقا من طرف أحمد مطيع الذي لجأ إلى ليبيا،أما عبد الإله بن كيران فقد اندمج في حركة الإصلاح و التجديد و التي ستندمج مع رابطة المستقبل الإسلامي بقيادة الريسوني لتأسيس تنظيم دعوي جديد يدعى الإصلاح و التوحيد و التي كانت السلطة مترددة حول التعامل معه،ليتمكن الدكتور الخطيب ذي الخلفية السلفية و المقرب من دار المخزن من إدماجهم في حزبه و بعد ذلك تغيير الاسم ليصبح حزب العدالة و التنمية القريب إيديولوجيا من نظيره التركي.
لابد من التذكير أن التيار الإسلامي شجع من طرف السلطة لموازاة التيار الماركسي اللينيني الذي شكل اليسار الجديد و الذي كان متغلغلا داخل الجامعات المغربية و الذي انشق عن الأحزاب اليسارية المغربية في نهاية الستينات من بين الأسباب التالية:

1- هزيمة 1967 للجيوش العربية النظامية أمام الجيش الإسرائيلي ،و انتصار المقاومة الفيتنامية ذات المرجعية الشعبية على الولايات المتحدة المريكية.

2- التشبع بالثورة الثقافية الصينية،

3- التأثر بثورة مايو 1968 بفرنسا التي كانت كتعبير ثوري من جيل ازداد ما بعد الحرب العالمية الثانية و الذي رأى أنه مستبعد من صناعة القرار تحت يافطة الشرعية التاريخية …..و قد أخذ هذا التمرد في أوروبا عدة تعبيرات ثقافية من قبيل الحرية الجنسية،وطريقة اللباس ….الخ
فاليسار الجديد في المغرب تعاملت معه الدولة بطريقة استئصالية من خلال الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجماعية.
إن جزءا من هذا التيار و المتمثل في منظمة 23 مارس تم إطلاق سراحه في نهاية السبعينات
و الذي سيشكل فيما بعد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي،أما تنظيم الى الإمام فلم يتم إطلاق سراح معتقليه إلا في بداية التسعينات نظرا لتشدده في موقفه من الصحراء المغربية و الذي يدخل في إطار تبنيه ما يسميه خيار حق تقرير المصير، و سيشكل « النهج الديمقراطي » و « الحركة من أجل الديمقراطية »..الخ.

في بداية التسعينات ،بعد تغيرات دولية أفرزتها انهيار المنظومة ألاشتراكية بقيادة الإتحاد السوفيتي بعد أن فشلت نتيجة عدم قدرتها على مسايرة المنظومة الرأسمالية خاصة على مستوى التنمية الاقتصادية و الإجتماعية و تنمية الإنسان بشكل مباشر و التي تركت على حساب تطوير السباق نحو التسلح و تقنيات الفضاء، وسيطرة قطب واحد بقيادة الولايات المتحدة ،و هيمنة خطاب الديمقراطية و حقوق الإنسان كل هذا سمح بانفراج سياسي و إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من اليسار الجديد، كما لا ننسى أن أغلبية أحزاب الحركة الوطنية و التي تكتلت في إطار  » الكتلة الديمقراطية » رفعت مذكرة إصلاحات سياسية و دستورية للملك.و تجب الإشارة هنا أن عدة ظروف ساهمت في الدفع في اتجاه خلق تحالف جديد بين المؤسسة الملكية و الأحزاب الوطنية في إطار التناوب التوافقي و خاصة مع الإتحاد الاشتراكي و ذلك للمسوغات التالية:

1- التهيئ لتأمين انتقال سلس للعرش و ذلك بتحالف مع تعبيرات سياسية لها امتداد جماهيري.
2

– تقرير البنك الدولي حول السكتة القلبية الشهيرة ،و الأزمة الاقتصادية و الإجتماعية التي عاني منها المغرب خلال توالي سنوات الجفاف و فشل تطبيق سياسات التقويم الهيكلي المملاة من طرف البنك العالمي و صندوق البنك الدولي.

3- لابد من الإشارة إلى أن الدولة كانت تحاول تريد أن يكون الإتحاد الاشتراكي هو قائد سفينة التناوب، فاعتقال نوبير الأموي على خلفية تصريحاته لإحدى الجرائد الإسبانية حول طبيعة الملكية في المغرب كان هدفه هو الرفع من سقف أسهم الإتحاد الاشتراكي في البورصة السياسية ،كما لا ننسى أن صعود الأحزاب الإشتركية إلى سدة الحكم في أوروبا و أمريكا اللاتينية كان سيساعد المغرب لتدعيم ملفه حول الصحراء المغربية نظرا للعلاقات التي يربطها الإتحاد الاشتراكي خاصة في الأممية الإشتراكية .
إن تشكيل حكومة التناوب بقيادة اليوسفي و التي عبرت عن التقاء إرادتي تحالف المؤسسة الملكية و الأحزاب المنبثقة من الحركة الوطنية ، وازاه من جهة أخرى إعلان عن نهاية الداخلية السياسية و تخليها عن فبركة المشهد السياسي بشكل مباشر و هو ما أصبح يطلق عليه في الأدبيات الإعلامية ب »الحياد السلبي » ، كما يلاحظ بعد تعيين حكومة التناوب صراعا لمجموعة من الأجهزة الأمنية و العسكرية و حكومة التناوب وهو صراع تكشف و أصبح باديا من خلال بعض وسائل الإعلام التي خدمت هذا الصراع:

1 – كتسريب وثيقة إلى جريدة « لوجورنال » حول تآمر الإتحاد الوطني للقوات الشعبية مع المؤسسة العسكرية بقيادة الجنيرال أفقير، و هو ما أدى باليوسفي إلى توقيف العدد من الجريدة المذكورة أعلاه،

2- و تسريب معلومات سرية إلى جريدة « الوطن الآن » حول تحذيرات إرهابية.
لقد كان هناك تأثير قوي لدخول الأحزاب الوطنية إلى سدة الحكم ،فقد تركت فراغا سياسيا على مستوى المعارضة حاولت التيارات الإسلامية المتشددة ملأه،كما أن ألمغرب بدا و كأنه يجري بسرعتين،في الوقت الذي نرى أن المؤسسة الملكية أكثر فاعلية، نرى الأحزاب نكصت إلى الوراء و أصبحت تنفذ برنامج الدولة و الذي رغم ذلك أتى بعدة إصلاحات و أوراش كبرى،و تشريعات و تشجيع الاستثمار…..الخ.
في الأخير أود التأكيد أن المغرب ضيع فرصا كبيرة من خلال تطاحناته و صراعاته،فقد كان من الممكن ربح الرهان لو تم التناوب بين الراحل الحسن الثاني و المعارضة بقيادة  » المهدي بنيركة » منذ 1965،و التناوب الذي أنجز بين المؤسسة الملكية و المعارضة بقيادة عبد الرحمان اليوسفي حقق إنجازات،لكن حان الوقت للإنتقال إلى تناوب حقيقي،يتجاوز المرحلة الانتقالية التي يعيشها المغرب في إطار تعاقد جديد يكون البوابة الفعلية لمغرب القرن الواحد العشرين.

بقلم : رشيد حمزاوي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. محمد أبو أنس
    02/04/2009 at 14:34

    تصحيح: عبد الكريم مطيع وليس أحمد مطيع، حركة التوحيد والإصلاح وليس الإصلاح والتوحيد، عبد الإله بنكيران لم يندمج مع التوحيد والإصلاح لأنه أحد مؤسسيها من البداية…ومن جهة أخرى أرى أن مقالك اكتفى بجرد تاريخي معروف ويمكن الرجوع إلى « الأخزاب السياسية بالمغرب » للاطلاع عليه بدقة أكثر. كان على صاحب المقال أن يحدثنا عن طبيعة التحالفات الواقعة اليوم في إطار حزب وزير الداخلية الأسبق والانخراط الواسع لرموز كانت محسوبة على اليسار وبعضهم منحذر من مدينة جرادة التي ينتسب إليها السيد رشيد حمزاوي.

  2. Rachid Hamzaoui
    11/04/2009 at 22:38

    Je vous remercie Mr Abou Anass pour l’interet que vous avez porté a l’article par le biais de votre corection.en effet mon article vise a ouvrir un debat sur les pertes de temps effectuées pour tous les acteurs politiques essentiels au Maroc dans des conflits d’interets personnalisés, et non entamer une chronologie deja connue!!!!.
    A propos de Néo-parti politique dont vous parlez , et dont les jeradiens ont fait partie, et qui ont été considerés comme des militants de la gauche, je crois qu’on est dans un Maroc de multiplurasisme politique,et a vous de leur discuter leurs convictions, et ne pas me poser des questions ce que j’aurais devoir faire, juste que je suis issu de la province de Jerada.Et a vous La parole Mr Abou Anass!!!!!!

  3. فاطمة تزنيت
    09/05/2009 at 13:02

    في البداية شكرا لك اخي.و بالتوفيق ان شاء لله
    ان الكتابة في اي موصوع كيفما كان نوعه يغني الداكرة الثقافية و ينمي الفكر.فبمجرد ان تحاول الكتابة و تجتهد في اغناء وجهة نظر معينة في حد داته اجتهاد و حزم لتنوير الارادة لى البعص
    فشكرا لك اخي على روح الارادة

  4. مونية تازة 08.03.2014
    08/03/2014 at 15:01

    شكرا لك اخي على هذا الموضوع.اتمنى ان تفيدني ببعض اسباب انشقاق كتلة العمل الوطني اذ كانت متوفرة لذيك وشكرا مرة اخرى.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *