Home»National»حادثة الكلم 9 – قصة من صميم الواقع

حادثة الكلم 9 – قصة من صميم الواقع

0
Shares
PinterestGoogle+

كنت أسوق سيارتي « الداسيا  » الحمراء على الطريق الوطنية الرابطة بين تطوان  القنيطرة عبر العرائش مثل سائق محترف  ، كان الصباح دافئا  ، وكانت الموسيقى الأندلسية تصدح بتواشيها السبع ،فيما صهيل  المحرك يشبه أنين شيخ هرم  وسط حشد صاخب  لا يكاد يسمع ، وفيما  كانت المسافة تمتد ، و الطريق  تتمطى وتتثاءب  ، كانت العجلات تتنفس الصعداء كلما داهمتنا حفرة ،أو اقتحمناحا بدافع المفاجأة ،  كانت التروس و الدواليب  تشتغل بسمفونية  هادرة وهادئة ، تدور وتدور كما لو صممت خصيصا لذلك ، وبات المحرك  يكشف لي وبجد  عن تصميم  آليي لا يقاوم .
       في الأفق ،  بدت الشمس حماما تغتسل بطقسه الكائنات ،  ولاح  سراب كثيف شرع  يتبدد شيئا فشيئا كلما اقتربت السيارة  منه ، خيمة كبيرة ثم شاحنة ، فشبح سيارة خرجت لتوها من حادثة مرعبة ،  هيكل السيارة الذي بدا يلوح في الأفق  لا لون له ، وكلما اقتربت الحمراء منه كلما أضيف إليه تشكيل جديد ، إلى أن اكتمل نهائيا ، وبدا منظر غطائها  الأمامي المشدود إلى الأعلى ،يشبه مظلة سوداء في شاطئ مهجور.   وغير بعيد منه،  أطل شبح أدمي في صورة   شخص ملتح  وهو يشير بيدين مغموستين في السخام الأسود ، ملوحا،   آمرا إياي  بالتوقف. وعلى الفور شرعت ذاكرتي في استحضار أعطاب تقنية  مماثلة كنت ضحيتها ، واتضح أمر  خطورة الصدمة الآلية  في هذا الفضاء  المترب الخالي الذي يمتد بلا ضفاف  ، على التخوم من الجانبين  الفضاء القريب الممتد ، تترامى   قناطر منهارة ، وبنايات  هشة ومفككة وجدران متلاشية توحي بان طوفانا عاتيا مر من هنا لساعات ،  أشجار مغروسة بلا ذوق ، وكتل من الرمال تم شحنها وإفراغها على عجل ، فبدت تراكمات بلا هندسة ، أما  المناخ الجميل الذي يصنعه هدير المكيف ، والموجود في الداخل ، فقد بات لا يعبئ بموج الحر الذي يذيب ويشعل الحرائق  في  الخارج .
   
    لم أستشر أحدا من مرافقيي كعادتي في مثل هذه المواقف ، لقد انتابني إحساس  شبيه بالعطف  ،أو هو العطف نفسه ،  شعرت  أن الرجل الذي يقف أمامي وعلى بعد أمتار قليلة ،  ويطلب المساعدة هو أنا ، إذ كثيرا ما حصل الأمر نفسه في طرقات الله الواسعة السوداء  المتربة وغير المعبدة، وكان ذلك الأنا – الآخر هو المنقذ  ولطف الله.
   خفضت السرعة إلى الدرجة الثالثة فالثانية ، وقمت بتنشيط  إشارة  الوقوف بعد أن انزحت يمينا حتى توقفت العجلات ، لحظتها خفضت الزجاج قليلا وقلت بنبرة جدية ومسئولة:
– هل لنا أن نساعدك سيدي  ؟؟؟
   كانت لحية الرجل تسبقه فتمنحه وقارا لابد منه ، وفيما بدت  يداه مشمرتين غارقتين   في سخام زيت أسود ،ظلت  شفتاه لا تكفان عن الصلاة والشكر لله .
لاحول ولا قوة بالله .. أخي الكريم ..لقد شاء الله ..والمومن مصاب ، قال ،  ثم أسبل عينين منهارتين بكبرياء مسلم حنيف    وبدا غاطسا  في بحر الآلات والأجهزة  ، يختبر أداء بعضها غير مكترث بما يجري ويدور من  حوله  .
قدرت ذلك ، وكان واضحا أن  الرجل في وضع صعب حقا ، وبدت الحاجة إلى المساعدة  ماسة ، بل  أفضل ما يمكن القيام به الآن ، لكن كبرياء الرجل  تمنعه فيما يبدو ، فقد بدا ذلك واضحا من خلال  تجاهله  دعواتي له   بان الأزمة لاشك عابرة،  وان السائق المحترف لا تاخد منه  ولا تنال منه مثل هذه المواقف  ، كان   شعوري قويا  ، وانتابني لحظتئذ  إحساس بتخطي كل المعيقات ،  وتقديم يد العون إلى شخص في موقف صعب ، وهو أمر لا يقبل التأويل أو المماطلة.
  ناديت الرجل ، واستفسرته بمودة فائقة  ،سيدي ،  ماذا، وكيف  ومالذي حدث  بالضبط ؟
– نعم، سيدي- زازاك- الله خيرا : قال
كنت أقود عليك ياألله، قالها بخشوع و بضعف ثم أجهش وأضاف ،  فجأة ، سبحانك يا الله ، كنت متوجها لزيارة الأحباب في وجدة ، في لحظة ،شعرت كمن اضغط برجلي على فراغ، لقد انقطع كابل السرعة..ومن ألطاف السميع العليم  أنني  حي أرزق ؟
–    مالعمل الآن؟
–     احتاج إلى كابل السرعة..حتى أتمكن من الخروج من هذه الورطة والعودة إلى الأبناء سالما ؟؟؟؟
–    كيف..؟
وبعد أن سمعني بانتباه ، أمسك بيديه حزمة أسلاك متشابكة قائلا:
هذا المنحوس فاجأني  بعد رحلة دامت 6 ساعات انطلاقا من وجدة….آه . وأشار إليها  بعينين ذابلتين وفم متيبس ، وبينما أنا أقوم  بالتفاتة إلى المقاعد الخلفية ملتمسا ولداي توسيع الفضاء  حتى يتسع المكان لراكب جديد، إذ بالرجل  الفاضل  يرفض أي مبادرة من هذا القبيل ، مستغيثا  بكل الأنبياء والأولياء الصالحين ،أن يحفظ العائلة من كل مكروه.
خمنت وقدرت  ، كانت  أبعد نقطة من الكلم 9  إلى باب فاس  بمدخل مدينة القنيطرة تحديدا حيث محلات بيع قطع غيار السيارات  لا تتجاوز العشر كيلومترات..واحترت بين  أمرين ..أذهب رفقة الأولاد ،  ثم اقتني الكابل إلى حين عودتي وبعد ذلك أترك أمر النقود سلفا إلى ما بعد ،  أم أناوله  ما استطيع على  أن يتكفل ذلك بنفسه ، لكن ، ما بدد حيرتي هو إشراقة  عاجلة جعلت من أمر المساعدة واقعا ممكنا، وشرعت في تجريب فرضيات كثيرة رجحت إحداها وقلت في أدب :
– مستعد سيدي  لمساعدتك..ماذا تقترح ؟؟؟
لم يكف الرجل عن  الذكر،  وقراءة  طوفان من الاحاديت والصلاة على النبي  ، حتى انه قرر أن يصلي ركعتين شكرا لله وهو على ذا الحال.
في لحظة،  أحسست أن السيدة والأولاد شرعوا في التعبير عن انزعاجهم من الأمر ،  وقال إلياس ساخرا  :
بابا..هل سنتغذى هنا؟
وأضافت آية بسخريتها المعهودة :
بابا….الشمس  تستبد بي  ؟؟
لكن السيدة كظمت غيظها ، وهي تستحضر عشرات المواقف التي كنا  مسرحا لها ، قبل أن تنفجر قائلة -طيب ،  افعل ما تراه مناسبا  كي ننصرف . وبعد أن عرضت ثلاث فرضيات على صاحبنا ،  رجح الملتحي إحداهن ، وكانت تقضي بأداء ثمن الكابل حوالي 90 درهما على أن يحتفظ  بعنواني ورقم  هاتفي وحسابي الى حين عود ته إلى بيته بوجدة ، فيتكفل بالواجب ،  فوافقت على الفور .
    لم يتردد الملتح عبد الصمد  في بسط كفيه متضرعا   إلى العلي جل وعلا استغفارا  وحمدا لاستجابته له ، منبها إياي   إلى ضرورة الإسراع  في تقديم المساعدة ،  لان الشمس ستشتد وطأتها  داخل صندوق معدني قد يتحول إلى مجمر بعد ساعات . وبينما أنا أسلم عبد الصمد  المبلغ وفي نيتي عدم الإقدام على توثيق أي من تعاقداته واعتبار الأمر صدقة جارية . وإذا بسيارة جيب للدرك الملكي تقف على وقع احتكاك حاد لعجلاتها الأربع ،   وفيما أنا أهم بالمرور إلى السرعة الثانية ، إذ بسيارة درك ثانية  تأمرني بالتوقف يمينا مستعملة منبها قويا ،   لم يكن لدي من خيار سوى الامتثال على الفور
حياني الدركي  ، ثم طلب مني أوراق السيارة ،   ابتعد قليلا وشرع يقلبها ، استغربت موقف الدركي   الذي لم يلتفت إلى الشخص الملتح  الذي ظل في مكانه ، والذي  كان يحاول جاهدا إخفاء وجهه عما يقع ، وتساءلت أليس الأجدر به  طلب المساعدة من رجال الدرك ،  أليست من مهامهم  تقديم المساعدة لأشخاص في حالة صعبة ؟؟؟
التفت  الدركي جهتي قائلا   في أدب  :
يبدو أنك فعلت خيرا هذا الصباح لكن في غير محله ، لم افهم  الأمر للوهلة الأولى ، لكن بعد أن  حكيت له ما جرى   حرك ، الدركي  رأسه علامة على الموافقة وإدراكه حسن نيتي  ،  ثم ذهب صوب  الشخص الملتحي ، طالبا إياه الكف عن الكلام والسماح له بتفتيشه ،  مخاطبا إياه  بلغة لم افهمها ، وما لبث أن عاد وهو يسلمني مبلغ 90 درهما كاملا .وهو يقول خذ  هذا مبلغ الكابل ….
-أنت  الضحية العاشر هذا الصباح…؟
– لا ..لا » أشاف »..  لم يمض على وقوفي إلا دقائق معدودة …والله  الآن فقط أتيت .. وقفت..؟ قال الملتح في حياء مفتعل .
-ألم اقل لك ، أنك أصبحت أشهر من نار على علم ، ثم ..وهذه اللعبة القذرة ، الم تكف عن استبلاد نفسك …..ثم صرخ الدركي بأعلى صوته  » الم اقل لك  انك تسيء إلي  قبل أن تسيء إلى لحيتك ، ألم أقل لك… لن أطلب منك أن تغرب عن وجهي  هذه المرة ، أتفهم ،  سأنجز لك محضر نصب واحتيال  ،  سأودعك السجن ،  …هل تريد أن تفضحني   ،  على الأقل افعل ذلك ، لكن  خارج منطقة نفوذي،  أتفهم ..الله  يعطيك مصيبة؟ استقرت  مفردات مبهمة  على لساني،  وظلت  تناور بدهاء  للخروج مثل عاصفةً هوجاءً  ، لكن صفاء اللحظة وصدقها ، أسقطت جفون الملتح حول عينيه  ،  ستارا أسوداً حجب عنه نور الحقيقة الصادمة. فيما أنار  أمامي بقية الطريق .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *