Home»National»لو صافح أنور الملك

لو صافح أنور الملك

0
Shares
PinterestGoogle+

                            
عزيز باكوش    
    مساء  الثلاثاء الثاني من فبراير الماضي  . وبينما كان أنور لكحل مدير نشر جريدة  » فاس تايمز »    أسبوعية تصدر « متى شاء الله »  يغادر  مكتب صديقه الحميم  المهندس والخبير المعلومياتي  محمد اجبيلو بالمدينة الجديدة  قاصدا محطة القطار ، وفي ذهنه الشتات ، وامتطاء قطار الثالثة بعد الزوال الذي يغادر مدينة فاس  في تجاه  البيضاء ،حيث ضاحية عين  الله أقرب محطة الى مقر سكنى عائلته . حصل ما لم يكن متوقعا البتة .
      كانت الدنيا مظلمة في عينيه والحزن يؤرقه ليل نهار  . خصوصا بعد أن تعب من انتظار تعويضاته المادية ، التي ينتظرها بأمل كبير بعد أن أنهى  عقدة عمل مهنية  مع المؤسسة الإعلامية التي كان  مساهما فيها . وكان  يدير قسمها الصحفي.
   نفسية الفتى أنور كانت  في الحضيض أيضا ، بسبب مقاطعة الامتحانات بكلية الحقوق بجامعة سيدي محمد بن عبد الله التي يدرس بها. أما قضية والده  المعتقل  الذي جاب  به أرض فاس طولا وعرضا لمدة طويلة  ، حتى سئم من  بروتوكولات وبيروقراطية  كل أولائك المسئولين الذين قابلهم.فقد بات عقدته ونقطة ضعفه الموجعة.
 وهو على ذا الحال ،  يذرع مشارف شارع الحسن الثاني كئيبا بئيسا  ، وفي ما كان عقرب الساعة يشير الى  السادسة والربع مساءا .فاجئته زحمة مرور خانقة .رمق عبرها  سيارة جميلة الشكل ومثيرة المنظر .أمعن النظر داخلها لحظات ،  وإذا به يفاجأ  بشخص جلالة الملك محمد السادس  خلف مقودها  .كان جلالته متوقفا بأقصى يسار الشارع، كأي مواطن عادي ، وكان أنور  باقصي اليمين.ثم ما لبث أن لوح  بعفوية ساذجة قائلا   » عاش الملك » .
     ابتسم جلالته بلطف  وأشار إليه بيديه الكريمتين  حتى يتقدم للسلام عليه . وبالفعل تقدم أنور  نحو الملك  وكله فرح  وارتباك ، لم يكن في تلك الاثناء يعبأ  بما يدور حوله. وفيما هو يقترب ، حتى ظلت المسافة الفاصلة بينه وبين سيارة جلالة الملك حوالي متر و نصف . انحنى أنور  انحناءة بروتوكولية مرددا »  الله يبارك فعمر سيدي  »  شعر بروحه تفرغ من جسده ، وكمن  يسبح في الهواء بلا أجنحة  بفعل ضربة قوية تلقاها  من الحراسة الخاصة للملك.   حدث ذلك،  رغم أن جلالة الملك أرسل إشارات واضحة بيده  تفيد الحارس  بتركه  يتقدم نحوه  ، مرت لحظات قصيرة كانت كافية لتجميع الموقف  ، ليتأكد أنور أن من أحكم الخناق عليه  لم يكن سوى   خالد فكري الحارس الشخصي للملك  ، في تلك الأثناء ، انتبه إلى قدوم حارس ثاني مهرولا نحوه ،  كان شارع الحسن الثاني القلب السياحي النابض للمدينة  يعج بالزوار من داخل فاس وخارجها  . وبينما اكتشف الناس الحدث . كان  جلالته قد انطلق بسيارته  وتبعه الحراس بعد ذلك .
      ما حصل بعد ذلك يرويه أنور مابين الذهول الحذر  والمفاجأة السارة ،  تسلمته شرطة  المنطقة الثانية . طلبوا  هويته ، فتشوه بحضور مراقبين من المكتب الثاني بولاية فاس.  حيث استمر التحقيق  لمدة أربعين دقيقة  ظل خلالها  المحققون يركزون  على سؤال واحد ، من هو الشخص الذي نسق معه حتى يتمكن من معرفة  زمان ومكان وقوف أو مرور جلالته . وبلباقته المعهودة أقنعهم أنور أن اللقاء تم بوحي الصدفة ، وأنه لم ينسق مع أي طرف بهذا الخصوص ،  وأقسم بالله والقرآن واستغاث بالضمير المهني والمواطناتي واستجار  بكل الأولياء والصالحين وغيرالصالحين .
    أخلت السلطات الأمنية  بفاس سبيل الصحفي ورئيس تحرير جريدة أسبوعية محلية  بعد يوم ونصف تقريبا من التحقيق . ولم يقف الأمر عند هذا الحد،  بل تلقى  أنور اتصالا  هاتفيا بعد ذلك يفيد بضرورة  الالتحاق  بالكوميسارية  عاجلا  قصد استرجاع هويته،  وهو ما حصل بالفعل بعد ساعة ونصف من الانتظار، ولم ينس المحققون تهنئته بكلمة -الحمد لله على سلامتك .أحمد الله اللي خرجت هكذا-
    ونتيجة لهول ما حدث ، حيث رتبت الدهشة أمورا كثيرة ، .اكتشف الصحفي   جروحا ورضوضا  خفيفة بيديه وظهره . لكنه،  ظل مع ذلك ، يحلم فقط بأن ذلك كان من الممكن أن يستسيغه ، و لا يشعر به لو صافح جلالة الملك ، وتمنى لو  سلمه الملك الشاب  ملف والده  المعتقل على خلفية قضية مطبوخة، والده  المتهم المظلوم ،  والذي لا يفارقه أينما حل وارتحل ، بل كان بحوزته  آنذاك.
    أنور لكحل الصحفي الشاب ،  سئم  كل أشكال المماطلة والتسويف ، وضجر  حجم الشكليات و الإجراءات  القانونية وغيرها ، وقطع أشواطا ماراطونية في أفق إنصاف والده المعتقل ، التي من المؤكد أنها  ستثبت تورط أطراف معادية ، تتألف من مركب  مصالحي انتهازي   ضد والده .ولم يتوقف عند طرق كل الأبواب بل كان يتمنى تسليم الملف إلى الملك شخصيا ، معتبرا الحدث وحده الكفيل  بوضع الأمور في نصابها ،  لكن بدون جدوى.
    تأخير الإجراءات القضائية وإبقاء والد الزميل  رهن الاعتقال الاحتياطي رغم عدم وجود أدلة كافية لإدانته وتبرئته من طرف باقي أطراف القضية وعدم تحمله أدنى مسؤولية فيها، كلها أمور  تؤرق هذا الصحفي الشاب ، لكنه ظل متمسكا ببراءة والده ، خصوصا  أن الرأي العام على يقين بان والده  بعيد كل البعد من كل تلك الشبهات . وان الملف المتابعة تم تحريكه  في وقت قياسي ردا على بعض الملفات التي سبق ونشرها بجريدته  » فاس تايمز »  . معتبرا أن قناعته بممارسة مهنة المتاعب لا بد ان تكون لها متاعب يؤديها المهني من أعصابه  ودمه ،و أن الأمر في جوهره  مجرد تصفية حسابات مع خطه التحريري  ليس إلا ، لكن بطريقة  أكثر  بشاعة هذه المرة . الزميل الصحفي أنور لكحل كل ما يتمناه من جلسة الاثنين القادم أن يأخذ الملف مجراه الحقيقي والطبيعي ، وهو متأكد أن والده  بريء وسيخلى سبيله.
    وفي الوقت نفسه  ينفي أن تكون له أية رغبة في متابعة حراس الملك الشخصيين  متابعة قضائية .وهو الآن بصدد الاشتغال على تحرير كتاب عنوانه -لو استشارني الملك- على شاكلة الكتاب الذي تم نشره سابقا- لو التقيت الملك- سيعمل الصحفي على الانتهاء منه قبل عيد العرش..   لكنه مدين للحظة ، الصدفة ،  الموقف الذي تعرض له ، و هو من ألهمه فكرة. تأليف الكتاب

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *