أكذوبة الديموقراطية
أكذوبة الديمقراطيةلم تعد تفصلنا عن الانتخابات والترشيحات ،إلا الحملة الانتخابية ،والتي أرى بوادرها تلوح في الأفق. فقد كثر الحديث عن المشاريع الواعدة ، والإصلاحات الرائدة ، والقضاء على البطالة ،وعلى السكن غير اللائق، والمستقبل الزاهر …وعلى النار، نصب كل حزب من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار،. قدرا بداخله أحجارا. ووقف يحركها وهو يصيح، سأطعم كل الجياع، انتظروا، فقط انتظروا، سينضج الطعام…
لقد تقمص الجميع شخصية أم الأيتام، التي حاولت عبثا تنويم ألأطفال بلا عشاء. والمغفلون، وكل المغلوبين على أمرهم، من الجياع، والأيتام، والعرايا يصدقون، ولا يجدون أمامهم إلا التصديق، والانتظار، انتظار قدوم عمر بن الخطاب، خادم أم الأيتام، ومطعم الأيتام، والقائل للناس:( أيها الناس إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموني ). أو من يكون كعمر بن الخطاب . من يدري.فقد يكون المرشح القادم كعمر بن الخطاب. فالجوع، والبطالة، وكثرة الوعود…تجعلنا نصدق كل من يصيح فينا ، ناموا سيأتي الطعام، بعد أن ينضج ما في القدور من أحجار. غدا سيعشب الثراء، غدا سيعم الثراء ، غدا سينتشر النور ويتراجع الظلام… لم يعد هناك فرق بين الاشتراكي والرأسمالي اللبرالي ، ولا بين الديكتاتوري والديمقراطي، ولا بين التيوقراطي والعلماني … الكل أصبح يتقن أنشودة الديمقراطية، ويرفع شعارها، ويستعمل مصطلحاتها بمناسبة، وبغير مناسبة، ليصل، ويكسب، ويغتني.. .ثم يختفي دون حساب ولا عقاب .وهكذا يدور الزمان مع دوراته الانتخابية . .
إن الديمقراطية التي أصموا بها أذهاننا، هي نظام حكم ابتدعه العقل البشري،فيالقرن الخامس قبل الميلاد في أثينا القديمة ، لتبرير حق التشريع، والحكم، بما يعتقد أنه سيحقق للإنسان العدل، والمساواة، والحرية، والرفاهية، ويرفع عنه الظلم والطغيان، ويضمن له حق المعتقد، والرأي الحر، دون أن يخشى على نفسه ولا على ماله، ولا على أهله أحدا. يتساوى في ظله الفقير، والغني، والحاكم، والمحكوم، والقوي، والضعيف…كلهم سواسية أمام صناديق الاقتراع…فالحكم للأغلبية ،وللأقلية والأفراد ضمان حماية الحقوق. . وهذا النمط من الحكم، عرف مع الحضارة الإغريقية، كبديل عن الحكم الأرستقراطي، الذي كان يهيمن عليه الأغنياء والمترفون. ومن خلاله أذاقوا الشعوب ألوانا من الظلم والاستبداد، والاستعباد، وأكثروا في الأرض الفساد، واستخفوا أقوامهم، وصادروا عقولهم ، واستأثروا بالرأي دونهم…وقالوا بلسان فرعون {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد }(غافر آية 29 )إن التصور المغري للديمقراطية ، التي تحصر حق التشريع ، والحكم ، وحرية اختيار الحاكم ، وحكم الشعب نفسه بنفسه ، والسماح لكل فرد ولو كان من الرعاء، أو الغوغاء، أن يترشح لمنصب الحاكم …. دفع بالأكثرية إلى المشاركة في لعبة صناديق الاقتراع .ومن خلال تمثيلية الانتخاب ، والترشيح ، حققت الأغلبية بعض الامتيازات سواء على صعيد الجماعات المحلية ، أو البرلمان، على الرغم من ضعف خبرتها ، وجهلها بالحكم والتسيير، بل وأميتها في كثير من الأحيان.ونلمس ذلك واضحا من خلال تدخلات بعض البرلمانيين أثناء مساءلتهم للحكومة ، سواء على مستوى اللغة ،أو القراءة ، أو على مستوى الفكر والمقترحات .ولقد تنبه قديما أفلاطون إلى عيوب وفساد حكم الأغلبية الضالة بسبب نقص الخبرة ، والافتقار إلى العلم والحكمة ، وتوزيع السلطة ، بين عدد كبير من الغوغاء … يقول أفلاطون : ( الديمقراطية هي حكم المجموع مع التضحية بالحكمة والمعرفة ).
إن الديمقراطية النيابية ، التي تحكم الفقير والمغبون بحجة حرية اختيار الحاكم من خلال صناديق الاقتراع ، تنفق أموالا طائلة على الحملة الانتخابية ،والدعائية والإعلامية لتزين صورة مرشحها لدى المنتخبين ، والوصول به إلى الحكم . وهي لا تسمح بانتقال السلطة ،إلى من لا يقبلون بزعمهم ، بلعبة الديمقراطية . وهذا ما يفسر استمرار تبادل السلطة وانحصارها بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا ، وبين حزب المحافظين وحزب والعمال في بريطانية .أما في الجزائر لما أوشكت جبهة الإنقاذ الوطني ،على أخذ الحكم من خلال صناديق الاقتراع ، طبقا لقواعد الديمقراطية أرعدت فرنسا، وأزبدت إيطاليا، ومن ورائهما الغرب ، فتدخل الجيش وألغى الانتخابات ، وحظر جبهة الإنقاذ وأشعل الفتنة ،التي لم تنم بعد .إن الديمقراطية حكم بشري يحتكم إلى صناديق خشبية أو زجاجية تساوي بين العالم والجاهل،ولا تفرق بين العاقل والأحمق. فكل منهما يحتسب رقما واحدا.فإذا صوت مثلا سكيران جاهلان وأحمقان في نفس الوقت، ضد عالم تقي ورع خولت لهما الديمقراطية السلطة والحكم بدلا منه .إن الأغلبية والأكثرية ، التي تمثل واحد وخمسون في المائة، غالبا ما تكون ضالة مضلة ، وهذا ما أخبرنا به القرآن الكريم على لسان فرعون في حق أصحاب موسى :{ إنهم لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائضون وإنا لجميع حذرون } { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ولم يك من المشركين }(سورة النحل الآية120 ) ….إن الصواب والحق ،لا يكون دائما إلى جانب الأكثرية العددية .فقد يصيب رجل واحد وتخطأ الأمة بكاملها .ودليل ذلك قوله تعالى { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } (غافر آية 28) .
إن التاريخ يشهد ،بأن الأغلبية الغوغائية في كل العصور، كانت تقف ضد الإصلاح وتحارب المصلحين .وتحث على قتلهم بتهمة الفساد والإفساد (سقراط نموذجا)إن الديمقراطية ليست مجرة صناديق الاقتراع ، وإنما هي تشريع ، وتصور شامل للإنسان والكون والحياة ، نابعة من عقلية غربية لا تؤمن بحق الله وحده في التشريع والحكم بما أنزل .على خلاف الشورى التي هي حكم شرعي تفوض الأمر كله لله ، وتختار الحاكم من خلال أهل الحل والعقد ،وليس من خلال جماعة الغوغاء والرعاء وقليلي المروءة الذين يبيعون أصواتهم ومن خلالها أمتهم بأبخس الأثمان، معبدين بذلك طريق الحكم للسفهاء .أنا لست ديمقراطيا ، وأرفض الديكتاتورية ولا أحب الرأسمالية ولا الاشتراكية …أنا شوري أسمع وأعي وأطيع صوت الحق وحكم الشرع…..
1 Comment
بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو أخي عمر أنك لست واقعيا.كيف يستطيع 30 مليون أو أكثر من المغاربة أن يختاروا من يسير أمورهم الدنيوية أن يلتجئوا الى المشورة؟ ألا تعتبر الانتخابات الطريقة السهلة والمختصرة التي من خلالها يمكن لكل من له الحق في التعبير عن رأيه ؟ فالخلل ليس في الطريقة أو الوسيلة بقدر ما هي في الانسان.ذلك الانسان الذي يرمي عرض الحائط كل التزاماته الاخلاقية والروحية والانسانية.هب أننا ،لاختيار من يسير أمور مدينتنا ، اختلف من لهم الحق في الشورى في اختيار الأصلح وتم اقتراح مجموعة من الفضلاء فكيف ستحسم الأمور. ثم من جهة أخرى كيف سيتم اختيار من لهم الحق في الشورى لينوبوا عن البقية ؟ بأي سبب يمنع الآخرين؟ هذه بعض الأسئلة التي تستوجب النقاش.كل ما في الأمر أنه لا يمكن لكافة الناس أن يحكوا أو يسيروا فلابد من حاكم ومحكوم. والمسؤولية في تقديرنا تقع أولا على المنتخبين ( بكسر الباء( أولا لأنهم يبيعون أصواتهم. ثم تقع على المنتخبون ( بفتح الباء) لأن لا عهد لهم ولا مروءة لهم ولا أخلاق لهم. عندنا في البلدان المتخلفة. أما البلدان المتقدمة على الأقل الضمائر لا تباع ولا تشترى.