المروءة عملة صعبة في زمن تردي القيم
قبيل خروجي لإمامة المصلين في صلاة الجمعة الجامعة هتف لي أحدهم وقد تنكر وشفر جهازه الخلوي تقية كتقية اللئام ، ولم يكشف عن هويته وإنما ادعى أنه من المصلين المحبين فرحبت به ظنا مني أنه يريد استشارة على دأب بعض رواد المسجد،أو يريد مني دعاء صالحا على المنبر يؤمن عليه الخيار والصالحون كالعادة ، فإذا بالأمر غير هذا وذاك إذ انبرى صاحبي لنقدي أولا فيما أكتب على موقع وجدة سيتي وخص بالذكر مقالاتي المتعلقة بالصراع بين نيابة وجدة أنكاد ونقابة المفتشين بخصوص موضوع صرف التعويضات عن التنقل واعتبر ما كتبته غير لائق بخطيب . وكان جوابي على نقده أنه إذا أمعن النظر في مقالاتي المستهدفة وجدها تضمنت موقفي الواضح الصريح من الخلاف حيث أدنت كل طرف يستهدف الآخر ، و يكيد له من خلال ملفات مدسوسة تستعمل للمساومة والتهديد بعد حصول الخلاف حول قضية محدودة لا يليق أن يذهب الخلاف فيها بكل الحسنات .
ومن نقده لمقالاتي على موقع وجدة سيتي انتقل لنقد عملي كمفتش مستهدفا الدفاع عن بعض حالات الإخلال بالواجب فلما قلت له وهل نسكت على غش ؟ كان جوابه إن الجميع يغش ،علما بأنه قدم نفسه في بداية المكالمة زاعما أنه ناصح أمين فاستغربت أن ينصحني من يجيز الغش ويعتبره أمرا طبيعيا . وما فتئ الناصح الناقد أن انتقل إلى خطبي المنبرية لينتقد توقيتها مظهرا علمه بالتوقيت الذي قننه في نصف ساعة معتمدا مرشد وزارة الأوقاف حسب ادعائه ، فلما أخبرته أن المرشد الذي اعتمده ليس نصا مقدسا بل هو محض اجتهاد بشر ، وأن النبي صلى الله عليه كان يقرأ سورا طوالا فوق المنبر بادرني بالسؤال فلم تقرأ أنت دائما بقل هو الله أحد ؟ فلما بلغ الحوار هذا الحد من النقد المجاني الذي انتقل من كتاباتي على الأنترنت إلى طبيعة عملي إلى خطبتي قلت في نفسي لن يتورع من قل حياؤه أن ينتقل إلى أحوالي الشخصية وربما خاض في كيفية ارتيادي الخلاء أيضا فناله ما لا يقال ، فاضطررت لوضع حد للمكالمة وقد تبين لي أن (الرجل)ـ وما هو برجل إذ من خصال الرجال الشجاعة والمروءة ـ يريد الإساءة عليه دائرة السوء .
ولو كان يحترم رجولته كما يفعل الرجال لكشف النقاب عن هويته وعن رقم هاتفه أو لفضل مقابلتي عوض الحديث من وراء حجاب كما يفعل ربات الحجال.
ولقد أبان (الرجل) عن علم الذي شغله ساق بلقيس عن الصرح الممرد . ولو عرف قدر سورة الإخلاص لما أنكر علي قراءتي لها كل جمعة ، ولو عرف قدر الجلوس لسماع الخطبة لما عمد إلى مرشد وزارة الأوقاف الذي وضعه من يضع في الاعتبار حاجة البطون إلى صحون الكسكس قبل حاجة القلوب إلى ذكر الله عز وجل.
لقد جعلتني هذه الحادثة أفكر في عملة المروءة التي صارت نادرة و صعبة في زمن تردي القيم حيث بلغت السفاهة بالسفيه أن يلصق على منبر الجمعة أوعلى زجاجة سيارتي قصاصة ورق تتضمن نقد خطبي ولغتي وقراءتي للقرآن ، فلما أعيته الحيل استجمع رجولته المفقودة ليختبأ وراء هاتفه المحمول المشفر وليسيء الأدب في ساعة الجمعة المباركة ساعة المغفرة وليست ساعة اقتراف المعاصي والغيبة والبهتان . والمروءة لن يعرف قدرها من لا يعرفها أصلا فهي من كمال الرجولة فأنى لمن لا رجولة له أن يفكر في كمالها ، وهي الحياء سرا من إتيان ما يستحيى من فعله جهرا ، فكيف يستحيي سرا من يجاهر بالسوء ؟
لقد كان حريا بالمسيء أن يتمرأ أي يصير ذا مروءة ويلتمس لذلك السبل الموصلة إلى المروءة الحقيقية عوض أن يتمرأ بي ، والعرب تقول تمرأ المرء بغيره إذا طلب المروءة بنسبة النقص أو العيب لهذا الغير .ومتى كانت المروءة تطلب بهذه الطريقة الفجة الوقحة المعبرة عن سوء خلق ، وسوء نية وطوية ، وسوء منبت . فالله أسال أن يفضح المسيء في عاجله بوصمة عار ، ويفضحه في آجله أمام الخلق يوم العرض إنه عزيز ذو انتقام .
Aucun commentaire