أبطال بيننا
لم تتوقف وسائل الإعلام الأمريكية الحديث عن الموضوع الذي احتل الرتبة الثانية بعد حدث تعيين الرئيس أوباما ويتعلق الأمر بالهبوط الإضطراري لطائرة الإيرباص A320 التابعة للخطوط الأمريكية الرحلة 1549 والتي كانت تقل على متنها 155 مسافرا وطاقم الطائرة، الغريب في هذا الهبوط أنه كان على نهر »هودسن » بنيويورك و لم يصب أحد بأذى. يرجع الفضل لقائد الطائرة »اتشزلي سولينبرغر » والذي تمت دعوته شخصيا لحفل أوباما.
انتقل عمدة نيويورك « مايكل بلومبورك »إلى عين المكان قائلا » إنها قصة أبطال، لوكانت فيلما لما صدقها الناس » حيث تعتزم ولاية نيويورك منح القبطان مفاتيحها كرمزية غير مسبوقة تمجيدا بهذا العمل البطولي، ثم استقبل في مسقط رأسه » دان فيل كالفورنيا » من قبل جماهير غفيرة حيته أمام منزله رافعين لافتات كتب على معظمها » نحن هنا فقط لنقول لك كم نحن فخورون بك!!! » . وفي الوقت ذاته تم التنويه كذلك برجال خفر السواحل وباسم قائدها »فانسان لوكانت » الذي تواجد هو وفريقه مكان الحادث، بل باشر شخصيا وفي لحظات جد دقيقة عملية الإنقاذ التي تميزت بالإحترافية وإدارة عالية للكارثة، حيث أكد تقرير عن حجم الضرر أنه لو تأخرت فرق الإنقاذ لثوان لكانت النتائج مأساوية.
بعد هذا الحادث بيومين انكب المدرسون بالمراحل الإبتدائية على تحبيب وترغيب التلاميذ على مهنة الملاحة الجوية وبطولة الربان في إنقاد الضحايا ومزجها بأسطورة »السوبرمان » الذي يساعد الطائرات المعطوبة على الهبوط. إضافة إلى رسوم متحركة وألعاب فيديو عن الطائرة السباحة.
جعلتني هذه الحادثة وملابساتها والضجة التي صاحبتها أتأمل حادث الحريق الذي شب بمصنع الخزف بفاس والذي أودى بحياة المرحوم البطل حسن الغاوي القائد الإقليمي للوقاية المدنية بمدينة فاس. والجروح المتفاوتة الخطورة للبطلان القائد الجهوي للوقاية المدنية مولاي الحسن الطالب والرقيب ميمون أمهاون. خلال مداخلة إعلامية له أكد السيد مولاي الحسن الطالب أنه كان يؤدي واجبه وهو مستعد للتضحية.
المفارقة بين حادث الطائرة الأمريكية وحريق مصنع الخزف بفاس تتجلى في كوننا ننسى بسرعة أبطالا يعيشون بجنبنا ونحييهم صباح مساء ويتقاسمون معنا دقائق الحياة ونتناسى أن نخلد ذكرى لهم جاعلين الناشئة تقتدي ببطولاتهم، ونجعلها مناسبة احتفالية وتأبينية لأنه متعارف أن الأعوان في مثل حوادث هم من يواجهون شراسة لهب النار، إلا أن هذه المرة كان أعلى السلم هم من فقدوا وهم من صارعوا الحياة والموت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
هل تخصص وزارة التربية الوطنية لهؤلاء الأبطال حيزا في مقرراتها الإبتدائية والإعدادية، وهل تضع المجموعة الحضرية لمدينة فاس نصبا تذكاريا لهم في مدخل المدينة. وهل يقوم العمدة بمنح مفاتيح المدينة الرمزية لأبناء الشهيد حسن الغاوي.
في زيارته للفييتنام تفاجأ السيد الوزير الأول –عباس الفاسي- لجدار بناه المغاربة المحاربون بعد أن فروا من صفوف القوات الفرنسية إبان الحرب الفتنامية ثم انظموا للفيتناميين : جدار على الهندسة المغربية في قرية غابوية وسوف يتم ترميمه من جديد من قبل بلدية « ديكما » التي تفخر بهؤلاء المغاربة الذين لانعرف عنهم شيئا.
لماذا لايستثمر إعلاميونا أخبارا عن أبطال مغاربة إن تواجدوا في الغرب لنصبت لهم تحف ونظمت لهم أشعار وملؤوا حيزات أغلفة الصحف أم أن النجاح الإعلامي هو كل ماتضمن إساءة للأسرة الملكية والتشهير بالمغرب في محطات عربية. إن ثقافة الغرب تركز بالأساس على النجاح، فتصير وظيفة ساعي البريد أقدس وتسمو مهمة منظف الشوارع من الأزبال لينحني له الجميع ويفخر بإنجازات رجل المخابرات ثم يتمنى أطفال المدارس الإبتدائية أن يصبحوا يوما رجال إطفاء.
حينما عاد الطبيب النرويجي إلى بلده بعدما قضى أياما في حرب غزة الأخيرة، استقبل في مطار هلسنكي استقبال الأبطال. وهل سوف يستقبل المغاربة الكولونيل خالد الأزرق بنفس الحماسة له ولفريقه. إن من يدعي أنه لامجال للمقارنة فذلك من أعراض الذهان التركيبي.
إن برنامج « الوجه الآخر » الذي تبثه القناة الثانية و على الرغم من بساطته إلا أنه يعكس الرؤية الهادفة لجعل المواطن يقترب بل يُطَبع ويتعاطف مع مهن كانت في الماضي القريب غير مستلطفة: رجال الجمارك، فرق مكافحة المخدرات، الشرطة السياحية… وليكتشف أنه مازال أبطال بيننا.
عبدالقادر فلالي-كندا
Aucun commentaire