Home»National»أثر داء تزكية النفس على سلوك المصابين به

أثر داء تزكية النفس على سلوك المصابين به

0
Shares
PinterestGoogle+

إن الله عز وجل خالق الإنسان هو أعلم بخباياه لهذا لا مبرر لتزكية النفس أمام قوله تعالى: (( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )). فهذا يعني أن الله عز وجل استأثر بمعرفة المتقين، ولا مبرر لأحد بادعاء ما استأثر به الله تعالى. ومع وجود هذا النص القرآني وغيره من نصوص الكتاب والسنة التي تنهى عن تزكية النفس نجد داء تزكية النفس مستفحلا بين بعض المتدينين . وأعراض هذا المرض متنوعة، فبعض هؤلاء المتدينين يصنفون أنفسهم تصنيفات لا مبرر لها ولا يقين إن هم إلا يظنون وما هم بمستيقنين. ومن هذه التصنيفات الوهمية اعتقاد المراتب التي تقربهم من الله عز وجل، وهو وهم يجعل صاحبه يعتقد الطهر والقداسة في نفسه، ويرقى بها إلى درجة الصديقين. وهذا الاعتقاد المبني على مجرد ظن يجعل صاحبه يتحدث حديث الواثق من طهره وقدسيته وهو بذلك يتعالى على خلق الله وهو من طينتهم.

وإذا كان الله عز وجل يخاطب خيرة خلقه قائلا : (( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)) فكيف يكون سيد الخلق لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه عليه رب العزة وحيا ويستطيع ما دونه من الخلق تزكية أنفسهم واعتقاد الطهر والقداسة فيها وهي أمور الغيب و علمها عند الله عز وجل لا يجليها لوقتها إلا هو يوم العرض عليه.
والأقرب للمنطق والصواب والمستساغ عقلا هو أن المصابين بداء تزكية النفس ضحايا وسوسة الشيطان وهو الذي حاول إغواء آدم عليه السلام كما جاء في الذكر الحكيم : (( فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما من الناصحين فدلاهما بغرور )) .فنفس الوسوسة يستعملها إبليس اللعين مع المرضى بتزكية النفس ، وهو يعرف طبيعة النفس البشرية الطموحة إلى أعلى الدرجات كالملائكية أو الخلود . فالمرضى بتزكية النفس لا يطمحون إلى ملائكية أو خلود ولكنهم يحلمون بمراتب الأنبياء والصديقين من خلال نسبة بعض صفات وأحوال هؤلاء الأنبياء والصديقين لأنفسهم تلميحا أو تصريحا. فمن يدعي مرتبة مهما كانت تسميتها حسب الفرق إنما ينسب لنفسه ما لا يحق له وهو عبد من عباد الله طبيعته أنه خطاء بصيغة مبالغة كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون  » فالذي طبيعته الخطأ والتوبة لا يجدر به أن يزكي نفسه ، وهو على يقين تام من أنه عرضة للخطأ .

فما أكثر ما نسمع من ألقاب التزكية التي يضفيها البعض على أنفسهم، ويطربون لمن يصفهم بها، وتشيع هذه الألقاب بين العوام، فيصير تعاطيهم معها عبارة عن أساطير لا تستقيم عقلا ولا نقلا ، وتنسب إلى أصحابها الخوارق التي ترفعهم فوق أقدارهم كبشر طبيعتهم الخطأ.
ومن أعراض مرض تزكية النفس احتقار الغير ونسبة الخسة والوضاعة لهم ، فبقدر ما يعقد المرضى بتزكية النفس الطهر والقداسة في أنفسهم يعتقدون الدنس والوضاعة في غيرهم ، حتى أنهم يصنفون خلق الله وكأنه تعالى قد خولهم مهمة تصنيف خلقه. ومن أعراض مرض تزكية النفس اليقين التام فيما يراه المرضى من أضغاط أحلام يتأولونها حسب ما يعانونه من مرض تزكية النفس. وقد يصل الأمر ببعضهم إلى حد الحكم على الناس انطلاقا من رؤاهم أو بالأحرى أضغاط أحلامهم بالرغم من وجود حكم الله عز وجل القاضي بالتبين قبل إصدار الأحكام ، ولا علاقة للتبين بالأحلام لأن الحالم حاله النوم ، والنائم حكمه أن يرفع عنه القلم .فكيف يرفع عن النائم القلم ويعتد بما يراه وهو في حالة النوم التي تعفيه من التكليف أصلا بله الحكم والشهادة على غيره .
وما كان الله عز وجل ليفوض لغيره من خلقه معرفة خائنة الأعين وما تخفي الصدور التي لا يعلمها إلا هو ما عدا من اصطفاهم من رسله وأنبيائه.

وإن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل الكياسة فيمن يدين نفسه ويعمل لما بعد الموت، ويجعل العجز فيمن يتبع نفسه هواها، ويتمنى على الله الأماني. فالمرضى بداء تزكية النفس عبارة عن عجزة يتبعون أنفسهم أهواءها ويتمنون على الله الأماني، وعلى رأس الأماني تزكية الأنفس مما يجعلهم يتحدثون حديث الواثقين من أنفسهم بزكاتها، وكأنهم اتخذوا عند الله عهدا. فهذا المرض عرف عند اليهود والنصارى لما لحق كتبهم من تحريفات شنيعة، ولا مبرر له عند المسلمين وقد سلم كتابهم من التحريف حفظا من الله عز وجل. ولا مسوغ للترويج للخرافات ونصوص القرآن موجودة بيننا تسفه مقولات المرضى بداء تزكية النفس. فمن صدق مقولاتهم وجد نفسه أمام تناقض صريخ مع كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *