قراءة في الدليل المرجعي لتقييم الأداء المهني
لقد سبق لوزارة التربية الوطنية أن طرحت مشروع تقييم الأداء المهني انطلاقا من الدليل المرجعي لوزارة تحديث القطاعات العامة الصادر في شتنبر 2006 تحت مسمى : » دليل تنقيط وتقييم موظفي الإدارات العمومية » وكنا قد سجلنا ملاحظاتنا حول المشروع خصوصا فيما يتعلق بالجهات المسؤولة عن التقييم والتثمين بالنسبة لبعض فئات أطر قطاع التعليم .
ومؤخرا صدرت للوزارة مذكرة رقم 04 بتاريخ 12/01/2009 في موضوع: « دليل تقييم الأداء المهني لموظفي قطاع التعليم » مصحوبة بدليل مرجعي وعملي كما وصفته المذكرة. ومما نصت عليه المذكرة أن دليل تقييم الأداء المهني جاء بناء على نصوص تشريعية وتنظيمية في مجال تقييم الأداء المهني في إشارة واضحة إلى دليل وزارة تحديث القطاعات العامة، وأن القصد هو بلوغ أفق إقرار نظام ناجع وشفاف للحفز والتقويم من خلال اعتماد معايير دقيقة وموضوعية وفق مقتضيات الميثاق الوطني والبرنامج الاستعجالي . وتضمنت المذكرة وصفا لمحتويات الدليل الذي تضمن محوره الأول المبادئ والمرتكزات، وتضمن محوره الثاني النصوص التشريعية والتنظيمية، في حين تضمن محوره الثالث نماذج لشبكات التقويم الخاصة بكل فئة من فئات أطر قطاع التعليم. ونصت المذكرة على العمل بهذا الدليل ابتداء من تاريخ صدورها وهو12/01/2009.
وتضمن الدليل افتتاحية أو تقديما من توقيع كاتبة الدولة لدى وزير التربية الوطنية ذكرت فيه أن الدليل عبارة عن خلاصة لمجمل من الاستشارات منطلقها دراسة أولية أعدتها لجنة مشتركة بين مديرية الموارد البشرية ومديرية الشؤون القانونية والمنازعات في موسم 2005/2006 ، وأن هذه الدراسة الأولية توسعت بعد توسع دائرة الاستشارات بما في ذلك الشركاء النقابيين وقد ذكر كاتبة الدولة بعض النقابات التي اعتبرتها الأكثر تمثيلية في القطاع . وأشارت أيضا إلى دور جهة مكناس تافيلات ، وجهة دكالة عبدة في الدليل من خلال لقاءين دراسيين تجريبيين من إعداد مسؤولين جهويين وإقليميين ومفتشين وأطر إدارية ومدرسين وهيئات نقابية.
لا أحد يختلف مع الوزارة في تجديد أساليب تقويم أو تقييم وتثمين الأداء المهني لأطرها ، ولكن لا يمكن أن يحصل إجماعا واتفاقا على كيفية هذا التجديد من خلال منتوج بدأ بين أروقة مديريتين هما مديرية الموارد البشرية ، ومديرية الشؤون القانونية والمنازعات ، ولم يجاوز جهتين هما جهة مكناس تافيلالت ، وجهة دكالة عبدة ، ولم يجاوز مشاركة تعد على رؤوس الأصابع باعتبار تقييم الأداء المهني قضية وطنية كبرى وذات أهمية قصوى.
فإذا كان أول الغيث قطركما يقول المثل العربي، فأول النقد ملاحظات. وأول الملاحظات أن الدليل اقتصر على تقييم فئات معينة من أطر الوزارة وسكت عن تقييم بعض أطر الوزارة مما يجعل العيب القانوني والتنظيمي يلحق بدليل نعت بالمرجعي ، ذلك أن المرجعية تقتضي الشمولية ، وكل قانون يستثني طائفة أو فئة لا يصح أن يكون قانونا بله مرجعا. لقد أخضع الدليل للتقييم هيئة التدريس، وهيئة المراقبة بكل أنواعها، وهيئة المستشارين بمختلف تخصصاتها، وهيئة الإدارة التربوية بمختلف أطرها، وهيئة الأطر الإدارية والتقنية المشتركة وسكت عن أطر من هذه الفئات تقوم بمهام التدبير المركزي والجهوي والإقليمي . وقد جعل الدليل بعض المقومين ـ بكسر الواوـ في بعض شبكات التقويم عبارة عن مقومين ـ بفتح الواو ـ في شبكات أخرى من طرف فئات فوق طائلة التقويم ، والملاحظ ههنا أن الدليل تحدث عن مقومين ـ بكسر الواوـ فقط دون أن يشملهم التقييم علما بأن أطرهم قانونيا لا تختلف عن الأطر التي شملها التقييم . ففئة مديري المديريات، ومديري الأكاديميات ، ونواب الوزارة هي فئات لا تخرج أطرها عن هيئة تدريس أو مراقبة أو إدارة تربوية وبالتالي لا بد أن تخضع بدورها للتقييم باعتبار أطرها ، ولا تعفيها المهام المنوطة بها من التقييم إذا ما كان الأمر يتعلق حقيقة بإطار مرجعي ذي مصداقية له مبادئ ومرتكزات وترسانة تشريعية وتنظيمية.
والدليل يواجه بعض الإشكالات من بينها الجهات المخول لها التقييم بالنسبة لبعض الفئات خصوصا عندما يكون المقوم ـ بكسر الواو ـ أو المقيم ـ بكسر الياء ـ خصما وحكما في نفس الوقت كما هو الشأن بالنسبة لتقويم هيئة المراقبة بمختلف تخصصاتها حيث يوكل بموجب مهام تقييم الأداء المهني لأطر المراقبة لنواب الوزارة ، وهو أمر لا يتأتى أولا لكون هذه الأطر مختلفة التخصصات ، ويشترط فيمن يوكل إليه تقييم أدائها أن يكون ملما بكل هذه التخصصات وهو أمر مستحيل خصوصا وأن الأمر يتعلق بمعايير حصرها دليل وزارة تحديث القطاعات العامة في إنجاز الأعمال المرتبطة بالوظيفة ، والمردودية ، والقدرة على التنظيم ، والسلوك المهني ، والبحث والابتكار، وعمدت وزارة التربية الوطنية إلى وضع مؤشرات لها حسب كل فئة ،وأحسب أن هذه المؤشرات غير متأتية دون مراعاة اختلاف التخصصات.
فنائب الوزارة مثلا سواء كان إطاره إطار مدرس أو إطار إداري أو إطار مفتش فلن يتمكن من تقويم هيئة المراقبة على اختلاف تخصصاتها التربوية وغير التربوية وفق مؤشرات تخصصية ، وإنما سيكون تقييمه أو تقويمه وفق انطباعات ليس غير، و ربما جعلته انطباعاته أحيانا يظن الشحم فيمن به ورم كما يقال ، إلا أن يتعلق الأمر بتخصصه ،ففي هذه الحال يمكن أن يعتد بتقييمه أو تقويمه. وهذا الأمر وحده كافيا ليكون دليل تقييم الأداء المهني بالنسبة لفئة المراقبة التربوية معيبا عيبا تشريعيا وتنظيميا. وإذا ما انتقلنا إلى الجهة المصادقة على تقييم الجهة المقومة ـ بكسر الواوـ نجد المصادقة محض عبث أو كما يقول المثل العامي حالب وماسك للمحلب. فإذا كانت الجهة المقومة ـ بكسر الواو ـ عاجزة عن تقييم بمؤشرات تخصصية فالجهة المصادقة على تقييمها لا تقل عنها عجزا، كما أنه إذا كانت كلمة الفصل للجهة المقومة ـ بكسر الواو ـ فما هو دور الجهة المصادقة ، وهي لا تملك تغيير قرار الجهة المقومة ـ بكسر الواو ـ حسب الدليل المرجعي ؟؟؟
إن التقييم أو التقويم يقوم أساسا على الاختصاص كما هو الشأن في القضاء إذ لا يعهد لمحكمة غير مختصة بالبث في غير اختصاصها. كما أن النصوص التنظيمية والتشريعية لا تخول في حال الإحالة على تأديب لمن يكون دون رتبة المؤدب ـ بفتح الهمزة ـ البث في شأنه، فكيف يستقيم تقييم أو تقويم من هو دون مرتبة من يقوم أو يقيم ـ بفتح الواو والياء ـ ؟؟؟
إن الدليل في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة بحيث يشمل تقويم كل أطر الوزارة من أدنى إطار إلى أعلاه كما هو الحال عند المجتمعات التي تفوقنا تطورا وتجربة من أجل صدقية ومصداقية مرجع التقييم والتقويم بحيث لا يعلو أحد على القانون ولا يفلت أحد من المحاسبة بعد تقييم أو تقويم دقيق. فالوزارة التي لا تقيم أو تقوم فيها فئات بعينها سيكون فيها من هو فوق القانون وفوق المحاسبة، وهذه هي معضلة وزارة التربية الوطنية. فالمراقبة على اختلاف تخصصاتها هي مراقبة الأداء والتدبير وليست مراقبة أشخاص، وعليه قد تعاين المراقبة بغض الطرف عن تخصصها أن خلل المنظومة التربوية مرده سوء أداء جهة أوكل إليها تقييم أو تقويم المراقبة نفسها ، فكيف يكون المقيم أو المقوم ـ بكسر الياء والواو ـ في نفس الوقت خصما وحكما ؟ وهل سيرضيه أن تحمله المراقبة مسؤولية اختلال المنظومة التربوية ؟؟ .إ
ان هذا الإشكال هو الذي حمل هيئة المراقبة على التشبث بمبدأ الاستقلالية على غرار استقلالية القضاء. وهو نفس الإشكال الذي حمل الوزارة على التنكر لمطلب الاستقلالية لأن الوزارة تخشى أن تواجه من طرف جهاز المراقبة المستقلة عندما يكون مرد الخلل إلى سوء تدبير تتحمل هي مسؤوليته ، لهذا طبخت شبكة تقييم جهاز المراقبة في دليل تقييم الأداء المهني لتكميم أفواه المراقبين على اختلاف فئاتهم من خلال جعل مصيرهم بيد من ينوب عنها في التدبير إحسانا وإساءة. وعندما تحرم المراقبة من استقلاليتها يصير أداؤها صفرا حقيقيا، وتصير نافلة يمكن الاستغناء عنها. وقد يقول قائل كيف يمكن أن تقوم أو تقيم هيئة المراقبة وجوابه أن ما ينسحب على القضاء ينسحب على المراقبة إذ يمكن تشكيل جهاز تقييم أو تقويم من هيئة المراقبة نفسها حسب الاختصاص ،تماما كما يكلف القضاة بمقاضاة بعضهم في حالة الإدانة .
ولعل الأيام القليلة المقبلة ستكشف عن هفوات الدليل المرجعي لتقييم الأداء المهني في بعض جوانبه حينما يخضع للنقد الموضوعي والعلمي الدقيق ، أما إذا كانت بعض الجهات ستقف عند حد الشعور بنشوة تقييم أو تقويم هيئة المراقبة أو المصادقة على التقييم والتقويم فإن غشاوة هذه النشوة ستعمي أبصارها فلا ترى الشكل المعيب للدليل ،ولن تتحقق أهدافه وغاياته المصرح بها في المذكرة رقم 04 وهي عقلنة آليات تقييم المردودية المهنية للموارد البشرية العاملة بقطاع التعليم المدرسي في أفق إقرار نظام ناجع وشفاف للحفز والتقويم . فإقرار النظام الناجع والشفاف لن يتحقق بالتقويم أو المصادقة الانطباعية غير المتخصصة أو غير القادرة على استيعاب كل التخصصات.
6 Comments
أتفق معك الأستاذ الشركي بشكل مطلق في كل ما قلته بخصوص ما سمي بدليل تقييم الأداء وأضيف أن ما قلته ليس إلا القليل فيما يمكن أن يوجه للدليل من انتقادات بالنظر للأحتلالات التي تشوبه سواء فعند تطرقه لمن يقوم من أغفل كما أشرتم عدة أطراف لا يوجد من سيوقوم أعمالها في حين ستقوم هي بتقويم اعمال الأخرين رغم أن العديد منها لا تتوفر على المؤهلات الكافية لتقويم أحد ….
إن مسألة التقويم كما قلت تتطلب الإختصاص وتتطلب نوعا من التراتبية المتعلقة بأداء المهام كما هو الحال في مصالح الوزارات الأخرى .
أقول لمن يعتقد بأن الشبكة ستحسم أمر التقوييم وتحقق ما هو متوخى منها بأن مسألة التنقيط باعتماد معايير لم تكن أبدا و لن تكون أداة في يد أي كان لإرساء نوع من التراتبية غير المنطقية التي لن تتحقق في رأيي إلأ عندما يكون لمن يقومون بمهام التقوييم النفوذ ليس السلطوي ولكن الفكري والثقافي والتربوي المتصل بمهامهم و ليس شيئا آخر من مثل النصوص والمذكرات و… لإن هذه الوثائق تعمل فقط على تنظيم ما ينبغي أن يتم منطقيا وللحديث بقية .
حقيقة ان ما قلته الاستاد شركي حققيي و صحيح و لكن لايقتصر فقط على المراقبة التربوية فكيف ياترى يمكن لمدير لايتجاوز مستواه الباكلوريا او السنة الثالثة ثانوي ان يقيم استاد باحثا او حاصلات على دكتوراه او شهادة عليا و يعمل بالاعدادي هدا فقط كمثال
اما النقطة الاخرى فهي اقحام النقابات الاكثر تمثيلية بمعنى من المعاني في هدا الدليل المطبوخ و هده مغالطة كبرى فالنقابات كما سمعت لم توافق
و الله اعلم
يا إخواني دعوا الاختصاص لأهل الاختصاص..فلا يجوزللمرء أن يزعم انه يفهم في كل المجالات..و رحم الله من عرف قدره..فالتقييم أولا ليس هو التقويم كما وقع الخلط بينهما في المقال .ثانيا التقييم مسألة تقديرية حسابية و ليست مسالة نقدية و مقالية مثل التقويم و لا أعتقد ان السادة المفتشين قد نزع منهم حق التقويم لأنه لا تقييم من دون تقويم ..و لكن سعيا للموضوعية ما أمكن فإنهم يترجمون في نهاية السنة وجهات نظرهم إلى بنود و أرقام عددية ..هذا كل ما في الأمر..و قد عشت أنا تجربة مع مفتش مدحني مدحا لا حدود له و في الأخير وضع نقطة اعتباطية ..جعلتني اقول في نفسي كان الأولى أن تناسب النقطة التقرير أو يناسب التقرير النقطة …فلا تخوضوا في ما لم تتخصصوا فيه
السلام عليكم…نشكركم على هذا المقال واقول لهؤلاء الذيم يعتبرون رجل التعليم فار تجارب ..وهو الذي كانت تقوم له الدنيا ولا تقعد…افعلوا بنا ما شئتم ولا تقصروا فلولا هذا الرجل لما وصلتم الى هذه المكانة لتتمكنوا من توجيه اصابع الاتهام اليه وتجعلوه شماعة تعلقون عليها اخطاءكم وفشلكم
كان من الافيد الاكتفاء بخمس معايير وهي التمكن من مادة التخصص ثم تسلسل الدرس والمنهجية المتبعة ثم مدى اشراك التلاميذ في بناء الحصة اضافة الى استغلال الوسائل والمعدات ثم اخيرا الوثائق التربوية وكل معيار يقاس باربع معايير مما يعطينا في النهاية نقطة على عشرين اما مئة واثنان وستون معيار يعني ان المفتش سيبقى السنة بااكملها مع الاستاذ الواحد.
اعتقدان التسرع في اصدار الاحكام وابداء الملاحظات هو ما يضفي غالبا الشرعية على ما ليس شرعا،كما يزين للجهة التي صدر عنها هدا الدليل عملها .ان الوزارة وهي تخرج علينا بما أسمته « شبكة التقويم المهني »تريد جس النبض للاجهاز على مكتسبات نساء ورجال التعليم،وهي تحاول تدمير ما تبقى من معالم المدرسة العمومية.وقد وجدت وتجد الأقلام التي تبدي مثل الملاحظات أعلاه حيث التركيز على الجزء بدل الكل،وهي بدالك تعبر عن نظرة ضيقة لامرجعية لها متناسية أن هده الشبكة ضرر للمقوم بكسر الواو وللمقوم بفتحها ،ومن هنا كانت النقابات رافضة لهدا الاجراء لأنه لايتوفر على الشروط الملائمة وهو وليد ماسمي ب »المخطط الاستعجالي »ومن هدا الاسم نفهم ما يعتري الدليل من نقص .فكيف تدعي الجهات الؤيدة لشبكة التقويم المهني أنها قادرة على تقويم الموظف انطلاقا من مراعاة 54مؤشرا ؟وهل المؤطرون قادرون على ضبط كل هده المؤشرات ؟سيما وأن أغلبها هلامي خيالي.أما رؤساء المؤسسات فأمامهم 31مؤشرا بعضها يوجد في خانات المؤطر التربوي.فهل رئيس المؤسسة أهل للقيام باجراء مقابلة مع كل الاساتدة كلما تعلق الأمر بترقية في الدرجة أوالرتبة؟أي تخصص لهدا الرئيس؟وهو مطالب بانجاز تقرير يوضح فيه كفاءة المدرس من عدمها وما يحتاجه منتكوين أو اعادة التكوين.
ان الوزارة وهي تقدم على مثل هكدا اجراءات،تريد أن تجد مزيدا من التوترات داخل المؤسسات فضلا عن اثقال كاهل المحاكم الادارية بالشكاوى وبالتالي تسميم الأجواء بين مختلف أطراف العملية التعليمية.