من مشروع مجاهد إلى ملك المغرب
ابتليت منذ سنتين إبان اشتغالي رفقة زميلي المسرحي التازي نورالدين فرينع على مسرحية « كواليس » على إهمال خدّاي للحْية تعيث بهما أنى شاءت، فزميلي الذي كتب وأخرج المسرحية كان يُعلن وإياي رفضه للماكياج المُصطنع الذي يؤثث فضاءات الركح، ويؤمن بالملموس والحقيقي أثناء التوظيف السينوغرافي لاستمالة الجمهور الذكي الذي تابع عروض العمل لمدّة سنتين كاملتين بمُعدّل قاعة مملوءة لكلّ عرض، مردّداً « إيلاَ غادِي نْديرُوا المَكْيَاجْ.. نْدٍيرُوهْ دْيَالْ بْصْحْ بْعْدَا ». « وْمْنْ تْمَا تْبْليتْ بِهَا ».
مُنْذ ذلك الحين اعتدت أن ألوذ بلحيتي إبّان فصل الشتاء على الخصوص.. فأنا أضعها حاجزاً أمَام موجات البرد وتيّارات الهوَاء التي لا تفارق مدينتي خلال هذه المرحلة من السنة، فهي لديّ لا تعْدُو أن تكون « كْبُّوط دْيالْ لْحْنَاكْ ».. إلى أن استيقظت قبل يومين على صوت أحد الصحفيين وهو ينقل مجريات الأحداث في غزّة بصوت أثّثت خلفيته بنحيب الثكلى وبكاء الأطفال وتكبير الجرحي والتهليل للشهداء في غزّة.. « كُنْتْ كَنْغْسْلْ كْمَّارتِي دَاكْ السَّاعَة »، وأحسست بخجل حقيقي وأنا أمرّر المَاء الدَّافئ على وجهي المُلتحي، وبعدها بثوانٍ معدودات غادرت عالمي وتهت في استذكار مضامين عملي الركحي السابق « كواليس » المُثقل بمضامين الهروب من الخزي والعار من الذات والآخر، عمل مثير لمذلة هروب مجتمعي وفكري.. ومُؤثّث سينوغرافيا بأشجار يابسة لكونها المَخلوق الوحيد « اللِّي كَيْمُوتْ وَاقْفْ »، دون إغفال النهاية التي عملنا طويلا في حبكها على صورة موت تراجيدي تطهيرا للذنوب والآثام في حق الأنا والهو والأنا الأعلى، مرورا باستحضاري الآني كذلك لرموز اللحية.. « الحْيَا.. تّارْجُوليتْ.. النَّخْوَة.. النفْسْ الحَارّة.. السُّنَّّة.. »، وقرّرت وأنَا مَكتُوف اليدين أمَام أرواح إخْوَان تزهق ومقابر تمتلئ وأعداد أرامل وثكلى ترتفع.. أن أنظمّ بعجزي عن المُساعَدة إلى « المْمْلطِينْ » في هروب من الخزي واحتجاجا على العجز.
في زيارتي الفورية إلى أحد حلاّقي مدينتي بشارع محمّد الخامس، أخذت مكاني وسط كرسي « الحْجَّامْ » مُطالباً إياه بحلق لحيتي « وْمْنْ الجْذْرْ إِيلاَ قْدْرْ ».. فمَا كَانَ مِنْهُ إلاّ أنْ « شْبْعْ عْلِيَا ضْحْكْ » ومّدّ يده مشغّلا المِذْيَاع قبل أَنْ أضِيف: « مْعَ هَادْ شِي لِّي فْقْلْبِي كُنْتْ قْريبْ نْكْرّْطْ بالبُوطَا الصْغِيرَة ». أخذ « الحْليليقْ » يشبع خدّاي رغوةً وصوت المذيع يُُعلن وقوع أربعين شهيداُ دفعة واحدة في غارة صهيونية على إحدى المَدارس، توقفت حركة « لْبْليرُو لِّي مْطْلْعْ لْكْشَاكْشْ عْلَى خْنْشُوشِي » قبل أن أستحث « مْمَلِّطِي » علَى المُوَاصَلَة، فأسمَعنٍي: « زْعْمَا القِيَامَة نايْضة فالعَالَمْ بْلْغْوَاتْ وْهَادْ ليهُودْ مَابْغَاوْشْ يْحْبْسُو.. عْلَى زْعْمَا مَا سْمْعُوا حْدْ؟؟ »، فَمَا كانَ مِنِّي إلاَّ أنْ رَدَدْتُ بهُدُوء: « كَتْخْرْبْقُو.. مْلِّي تْوْصْلُو للقْرْطَاسْ عْيْطُوليَا.. ».
لم أكن أعي فعلا مَا قلت حين جَعَلتُ الحَلاّق فاغرا فاه، كان قولا عفويا لا غير، أخذت أعمِلُه في دواخلي، « أنَا نْمْشِي نْجَاهْدْ ؟!!.. عْلَى غِيرْ آجِي وْجَاهْدْ!!.. حَرَامْ الجِهَادْ بلاَ أمْرْ الأميرْ.. خَاصْ مُحْمْدْ السَّادِسْ يْقُول سِيرْ.. »، وَهل تسمح الحسابات « المَاكْرُوسيَاسِيَة، وْالمَاكْرُو اقْتِصَادِيَة، وْالمَاكْرُودِبْلُومَاسِيَة، وْالماكْرُوتِكْشْبِيلِيَة.. » بإعلان الجِهاد؟؟.. وهَل تَسقط الأوامر « المَاكْرُو » إلاهِيَة بتوَاجُد « دِيكْ المَاكْرُويَاتْ الاُخْرَى »؟؟، قبل أن أخلص إلى إيماني التَّام بمَا بُحت به عفويا إبّان « تَكْرِيطِي » للحيتي التي أقسمت ألاّ أعيد استنباتها في زمن لم نعد نفرق فيه « بِينْ الفْرُّوجْ وْالدْجَاجة ».
فيا مليك المَغرب، يَاصاحب الصولة والصولجَان، يَا أميرا للمؤمنين وآمرا وناهيا لعبَاد الله، أطال الله في عمركُم وأيدكم ونصركم، شباب يبتغون الذود عن إخوة لهم، ولهم في القصاص حياة، مؤمنون بأنّ فلّ الحديد لا يتمّ إلاّ بالحديد، وأنّ قتلانا في الجنّة وقتلاهُم في النّار، يَنْتَظرون إشارة أصبع منكم لاستيفاء شروط الجهاد.. فلبّيك ربّي نصرة لدينك، وأمرك مولاي فيما تأمر به رعاياك.
Aucun commentaire